وَقَوْلُهُ :﴿وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ وَهُوَ جَمْعُ حَبِيبٍ ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾ يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلاَءِ الْكَذِبَةِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى رَبِّهِمْ : فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ رَبُّكُمْ، يَقُولُ : فَلِأَيِّ شَيْءٍ يُعَذِّبُكُمْ رَبُّكُمْ بِذُنُوبِكُمْ إِنْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاؤُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ، فَإِنَّ الْحَبِيبَ لاَ يُعَذِّبُ حَبِيبَهُ، وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُ مُعَذِّبُكُمْ. وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ : إِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُنَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَدَدَ الأَيَّامِ الَّتِي عَبَدْنَا فِيهَا الْعِجْلَ، ثُمَّ يُخْرِجُنَا جَمِيعًا مِنْهَا ؛ فَقَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ : إِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ؟ يُعَلِّمُهُمْ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُمْ أَهْلُ فِرْيَةٍ وَكَذِبٍ عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾
يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ : لَيْسَ الأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ، يَقُولُ : خَلْقٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، خَلَقَكُمُ اللَّهُ مِثْلَ سَائِرِ بَنِي آدَمَ، إِنْ أَحْسَنْتُمْ جُوزِيتُمْ بِإِحْسَانِكُمْ كَمَا سَائِرُ بَنِي آدَمَ مَجْزِيُّونَ بِإِحْسَانِهِمْ، وَإِنْ أَسَأْتُمْ جُوزِيتُمْ بِإِسَاءَتِكُمْ كَمَا غَيْرُكُمْ مَجْزِيُّ بِهَا، لَيْسَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إِلاَّ مَا لَغَيْرِكُمْ مِنْ خَلْقِهِ، فَإِنَّهُ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ بِهِ ذُنُوبَهُ، فَيَصْفَحُ عَنْهُ بِفَضْلِهِ، وَيَسْتُرُهَا عَلَيْهِ بِرَحْمَتِهِ، فَلاَ يُعَاقِبُهُ بِهَا.
وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَغْفِرَةِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ يَقُولُ : وَيَعْدِلُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، فَيُعَاقِبُهُ عَلَى ذُنُوبِهِ، وَيَفْضَحُهُ بِهَا عَلَى رُءُوسِ الأَشْهَادِ، فَلاَ يَسْتُرُهَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِيدٌ لِهَؤُلاَءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، الْمُتَّكِلِينَ عَلَى مَنَازِلِ سَلَفِهِمُ الْخُيَّارَ عِنْدَ اللَّهِ، الَّذِينَ فَضَّلَهُمُ اللَّهُ بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَاجْتِنَابِهِمْ، لِمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى رِضَاهُ، وَاصْطِبَارِهِمْ عَلَى مَا نَابَهُمْ فِيهِ. @