وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْقَلاَئِدِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿وَلاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ فَإِنَّهُ مُحْتَمَلُ ظَاهِرِهِ : وَلاَ تُحِلُّوا حُرْمَةَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالإِسْلاَمِ، لِعُمُومِ جَمِيعِ مَنْ أَمَّ الْبَيْتَ. وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ، فَكَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ دَاخِلِينَ فِي جُمْلَتِهِمْ، فَلاَ شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ :﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ نَاسِخٌ لَهُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ اجْتِمَاعُ الأَمْرِ بِقَتْلِهِمْ وَتَرْكِ قَتْلِهِمْ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَوَقْتٍ وَاحِدٍ. وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُهُمْ، أَمُّوا الْبَيْتَ الْحَرَامَ أَوِ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا، مَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِهِمْ إِذَا أَمُّوا الْبَيْتَ الْحَرَامَ مَنْسُوخٌ، وَمُحْتَمِلٌ أَيْضًا : وَلاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَهُوَ أَيْضًا لاَ شَكَّ مَنْسُوخٌ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ لا اخْتِلاَفَ فِي ذَلِكَ بَيْنَهُمْ ظَاهِرٌ، وَكَانَ مَا كَانَ مُسْتَفِيضًا فِيهِمْ ظَاهِرَ الْحُجَّةِ، فَالْوَاجِبُ وَإِنِ احْتَمَلَ ذَلِكَ مَعْنَى غَيْرِ الَّذِي قَالُوا، التَّسْلِيمُ لِمَا اسْتَفَاضَ بِصِحَّتِهِ نَقْلُهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾.