وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَقُولُ : لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (الأَوْلَيَانِ) بَدَلاً مِنْ (آخَرَانِ) مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ نَسَقَ (فَيُقْسِمَانِ) عَلَى (يَقُومَانِ) فِي قَوْلِهِ :﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ﴾، فَلَمْ يَتِمَّ الْخَبَرُ عِنْدَ مَنْ قَالَ : لاَ يَجُوزُ الإِبْدَالُ قَبْلَ إِتْمَامِ الْخَبَرِ، كَمَا قَالَ : غَيْرُ جَائِزٍ (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ قَامَ زَيْدٌ وَقَعَدَ)، وَزَيْدٌ بَدَلٌ مِنْ رَجُلٍ.
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ :(الأَوْلَيَانِ) مَرْفُوعَانِ بِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ :(اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ)، وَإِنَّهُمَا مَوْضِعُ الْخَبَرِ عَنْهُمَا، فَعَمِلَ فِيهِمَا مَا كَانَ عَامِلاً فِي الْخَبَرِ عَنْهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلاَمِ : فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الإِثْمُ بِالْخِيَانَةِ، فَوَضَعَ (الأَوْلَيَانِ) مَوْضِعَ (الإِثْمِ) كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ :﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾، وَمَعْنَاهُ : أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَإِيمَانِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ؟ وَكَمَا قَالَ :﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾، وَكَمَا قَالَ بَعْضُ الْهُذَلِيِّينَ :
يُمَشِّي بَيْنَنَا حَانُوتُ خَمْرٍ | مِنَ الْخُرْسِ الصَّرَاصِرَةِ الْقِطَاطِ |