وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الاِثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الآيَةِ مَا هِيَ، وَمَا هُمَا ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُمَا شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى وَصِيَّةِ الْمُوصِي.
وَقَالَ آخَرُونَ : هُمَا وَصِيَّانِ.
وَتَأْوِيلُ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمَا شَاهِدَانِ، قَوْلُهُ :﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ لِيَشْهَدَ شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ عَلَى وَصِيَّتِكُمْ.
وَتَأْوِيلُ الَّذِينَ قَالُوا : هُمَا وَصِيَّانِ لاَ شَاهِدَانِ قَوْلُهُ :﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ بِمَعْنَى الْحُضُورِ وَالشُّهُودِ لِمَا يُوصِيهِمَا بِهِ الْمَرِيضُ، مِنْ قَوْلِكَ : شَهِدْتُ وَصِيَّةَ فُلاَنٍ، بِمَعْنَى حَضَرْتُهُ.
وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِقَوْلِهِ :﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى : أَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ دُونَ مَنْ تَأَوَّلَهُ أَنَّهُمَا مِنْ حَيِّ الْمُوصِي.
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِخِطَابِهِمْ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُصْرَفَ مَا عَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْخُصُوصِ إِلاَّ بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَائِدُ مِنْ ذِكْرِهِمْ عَلَى الْعُمُومِ، كَمَا كَانَ ذِكْرُهُمُ ابْتِدَاءً عَلَى الْعُمُومِ.
وَأَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ بِقَوْلِهِ :﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ الْيَمِينُ، لاَ الشَّهَادَةُ الَّتِي يَقُومُ بِهَا مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةً لِغَيْرِهِ لِمَنْ هِيَ عِنْدَهُ عَلَى مَنْ هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحُكَّامِ، لأَنَّا لاَ نَعْلَمُ لِلَّهِ تَعَالَى حُكْمًا يَجِبُ فِيهِ عَلَى الشَّاهِدِ الْيَمِينُ، فَيَكُونُ جَائِزًا صَرْفُ الشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى الشَّهَادَةِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَالأَئِمَّةِ.