وَفِي حُكْمِ الآيَةِ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ عَلَى ذَوِي الْعَدْلِ، وَعَلَى مَنْ قَامَ مَقَامَهُمْ فِي الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ :﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾، أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ الأَيْمَانُ دُونَ الشَّهَادَةِ الَّتِي يُقْضَى بِهَا لِلْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَفَسَادِ مَا خَالَفَهُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَهَلْ وَجَدْتَ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى يَمِينًا تَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي فَتُوَجِّهُ قَوْلَكَ فِي الشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى الصِّحَّةِ ؟
فَإِنْ قُلْتَ : لاَ، تَبَيَّنَ فَسَادُ تَأْوِيلِكَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَأَوَّلْتُ، لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ الْمُقْسِمَانِ فِي قَوْلِهِ :﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ : هُمَا الْمُدَّعِيَّيْنِ.
وَإِنْ قُلْتَ : بَلَى، قِيلَ لَكَ : وَفِي أَيِّ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَدْتَ ذَلِكَ ؟
قِيلَ : وَجَدْنَا ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الْمَعَانِي، وَذَلِكَ فِي حُكْمِ الرَّجُلِ يَدَّعِي قِبَلَ رَجُلٍ مَالاً، فَيُقِرُّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَهُ ذَلِكَ وَيَدَّعِي قَضَاءَهُ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الدَّيْنِ، وَالرَّجُلُ يَعْتَرِفُ فِي يَدِ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ، فَيَزْعُمُ الْمُعْتَرَفَةُ فِي يَدِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الْمُدَّعِي أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ وَهَبَهَا لَهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ إِحْصَاؤُهُ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ عَثَرَا عَلَى الْجَانِيَيْنِ فِيمَا جَنَيَا فِيهِ.