وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى : فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ فِيهِمُ الإِثْمُ، ثُمَّ حُذِفَ (الإِثْمُ) وَأُقِيمَ مَقَامَهُ (الأَوْلَيَانِ)، لِأَنَّهُمَا هُمَا اللَّذَانِ ظَلَمَا وَأَثِمَا فِيهِمَا بِمَا كَانَ مِنْ خِيَانَةِ اللَّذَيْنِ اسْتَحَقَّا الإِثْمَ وَعُثِرَ عَلَيْهِمَا بِالْخِيَانَةِ مِنْهُمَا فِيمَا كَانَ ائْتَمَنَهُمَا عَلَيْهِ الْمَيِّتُ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ فِعْلِ الْعَرَبِ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ حَذْفِهِمُ الْفِعْلَ اجْتِزَاءً بِالاِسْمِ، وَحَذْفِهِمُ الاِسْمَ اجْتِزَاءً بِالْفِعْلِ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ :﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ﴾، وَمَعْنَاهُ : أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ، وَكَمَا قَالَ :﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا﴾، فَقَالَ :﴿بِهِ﴾، فَعَادَ بِالْهَاءِ عَلَى اسْمِ (اللَّهِ)، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى : لاَ نَشْتَرِي بِقَسَمِنَا بِاللَّهِ، فَاجْتُزِئَ بِالْعَوْدِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ بِالذِّكْرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ : لاَ نَشْتَرِي بِالْقَسَمِ بِاللَّهِ اسْتِغْنَاءً بِفَهْمِ السَّامِعِ بِمَعْنَاهُ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ الْقَسَمِ. وَكَذَلِكَ اجُتْزِئَ بِذِكْرِ الأُولَيَيْنِ مِنْ ذِكْرِ الإِثْمِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْخَائِنَانِ لِخِيَانَتِهِمَا إِيَّاهَا، إِذْ كَانَ قَدْ جَرَى ذِكْرُ ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى السَّامِعَ عِنْدَ سَمَاعِهِ إِيَّاهُ عَنْ إِعَادَتِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾.
وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ :(الأَوَّلَيْنِ)، فَإِنَّهُمْ قَصَدُوا فِي مَعْنَاهُ إِلَى التَّرْجَمَةِ بِهِ عَنِ (الَّذِينَ)، فَأَخْرَجُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ، إِذْ كَانَ (الَّذِينَ) جَمْعًا وَخَفْضًا، إِذْ كَانَ (الَّذِينَ) مَخْفُوضًا.


الصفحة التالية
Icon