وَذَلِكَ وَجْهٌ مِنَ التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ لِلشَّيْءِ أَوَّلٌ، إِذَا كَانَ لَهُ آخِرُ هُوَ لَهُ أَوَّلٌ، وَلَيْسَ لِلَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الإِثْمُ آخِرُهُمْ لَهُ أَوَّلٌ، بَلْ كَانَتْ أَيْمَانُ الَّذِينَ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا قَبْلَ إِيمَانِهِمْ، فَهُمْ إِلَى أَنْ يَكُونُوا إِذْ كَانَتْ أَيْمَانُهُمْ آخِرًا أَوْلَى أَنْ يَكُونُوا آخَرِينَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَوَّلِينَ وَأَيْمَانُهُمْ آخِرَةٌ لِأُولَى قَبْلَهَا.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الَّتِي حُكِيَتْ عَنِ الْحَسَنِ، فَقِرَاءَةٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ شَاذَّةٌ، وَكَفَى بِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَتِهِمْ دَلِيلاً عَلَى بُعْدِهَا مِنَ الصَّوَابِ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الرَّافِعِ لِقَوْلِهِ :﴿الأَوْلَيَانِ﴾ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ : يَزْعُمُ أَنَّهُ رَفَعَ ذَلِكَ بَدَلاً مِنْ (آخَرَانِ) فِي قَوْلِهِ :﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا﴾، وَقَالَ : إِنَّمَا جَازَ أَنْ يُبْدَلَ الأَوْلَيَانِ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ مِنْ آخَرَانِ وَهُوَ نَكِرَةٌ، لِأَنَّهُ حِينَ قَالَ :﴿يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ﴾ كَانَ كَأَنَّهُ قَدْ حَدَّهُمَا حَتَّى صَارَا كَالْمَعْرِفَةِ فِي الْمَعْنَى، فَقَالَ :(الأَوْلَيَانِ)، فَأَجْرَى الْمَعْرِفَةَ عَلَيْهِمَا بَدَلاً. قَالَ : وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يَجْرِي عَلَى الْمَعْنَى كَثِيرٌ وَاسْتَشْهَدَ لِصِحَّةِ قَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاجِزِ :
عَلَيَّ يَوْمَ يَمْلِكُ الأُمُورَا | صَوْمَ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورَا. |
قَالَ : فَجَعَلَهُ (عَلَيَّ وَاجِبٌ)، لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى قَدْ أَوْجَبَ.