أما دعوى وقوع التحريف من أبي بكر وعمر، فيبطلها أنهما في هذا التحريف إما أن يكونا غير عامدين، وإنما صدر عنهما من جهة عدم وصول القرآن إليهما بتمامه، لأنه لم يكن مجموعًا قبل ذلك، وإما أن يكونا متعمدين في هذا التحريف، وإذا كانا عامدين فإما أن يكون التحريف الذي وقع منهما في آيات تمس بزعامتهما وإما أن يكون في آيات ليس لها تعلق بذلك، فالاحتمالات المتصورة ثلاثة : أما احتمال عدم وصول القرآن إليهما بتمامه فهو ساقط قطعًا، فإن اهتمام النبي - ص – بأمر القرآن بحفظه، وقراءته، وترتيل آياته، واهتمام الصحابة بذلك في عهد رسول الله - ص - وبعد وفاته يورث القطع بكون القرآن محفوظًا عندهم، جمعًا أو متفرقًا، حفظًا في الصدور، أو تدوينًا في القراطيس، وقد اهتموا بحفظ أشعار الجاهلية وخطبها، فكيف لا يهتمون بأمر الكتاب العزيز، الذي عرضوا أنفسهم للقتل في دعوته، وإعلان أحكامه، وهجروا في سبيله أوطانهم، وبذلوا أموالهم، وأعرضوا عن نسائهم وأطفالهم، ووقفوا المواقف التي بيضوا بها وجه التاريخ، وهل يحتمل عاقل مع ذلك كله عدم اعتنائهم بالقرآن ؟ حتى يضيع بين الناس، وحتى يحتاج في إثباته إلى شهادة شاهدين ؟ وهل هذا إلا كاحتمال الزيادة في القرآن بل كاحتمال عدم بقاء شئ من القرآن المنزل ؟.
على أن روايات الثقلين المتضافرة " المتقدمة " دالة على بطلان هذا الاحتمال، فإن قوله - ص - :" إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي " لا يصح إذا كان بعض القرآن ضائعا في عصره، فإن المتروك حينئذ يكون بعض الكتاب لا جميعه،


الصفحة التالية
Icon