بل وفي هذه الروايات دلالة صريحة على تدوين القرآن، وجمعه في زمان النبي - ص - لأن الكتاب لا يصدق على مجموع المتفرقات، ولا على المحفوظ في الصدور. - وسنتعرض للكلام فيمن جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم -، وإذا سلم عدم اهتمام المسلمين بجمع القرآن على عهده - صلى الله عليه واله وسلم - فلماذا لم يهتم بذلك النبي - صلى الله عليه واله وسلم - بنفسه مع اهتمامه الشديد بأمر القرآن ؟
فهل كان غافلاً عن نتائج هذا الإغفال، أو كان غير متمكن من الجمع، لعدم تهيؤ الوسائل عنده ؟ ! ومن الواضح بطلان جميع ذلك.
وأما احتمال تحريف الشيخين للقرآن - عمدًا - في الآيات التي لا تمس بزعامتهما، وزعامة أصحابهما فهو بعيد في نفسه، إذ لا غرض لهما في ذلك، على أن ذلك مقطوع بعدمه، وكيف يمكن وقوع التحريف منهما مع أن الخلافة كانت مبتنية على السياسة، وإظهار الاهتمام بأمر الدين ؟
وهلاّ احتج بذلك أحد الممتنعين عن بيعتهما، والمعترضين على أبي بكر في أمر الخلافة كسعد بن عبادة وأصحابه ؟
وهلا ذكر ذلك أمير المؤمنين (ع) في خطبته الشقشقية المعروفة، أو في غيرها من كلماته التي اعترض بها على من تقدمه ؟
ولا يمكن دعوى اعتراض المسلمين عليهما بذلك، واختفاء ذلك عنا، فإن هذه الدعوى واضحة البطلان.
وأما احتمال وقوع التحريف من الشيخين عمدًا، في آيات تمس بزعمامتهما فهو أيضا مقطوع بعدمه، فإن أمير المؤمنين - عليه السلام - وزوجته الصديقة الطاهرة - عليها السلام - وجماعة من أصحابه قد عارضوا الشيخين في أمر الخلافة، واحتجوا عليهما بما سمعوا من النبي - ص - واستشهدوا على ذلك من شهد من المهاجرين والأنصار، واحتجوا عليه بحديث الغدير وغيره، وقد ذكر في كتاب الاحتجاج : احتجاج اثني عشر رجلا على أبي بكر في الخلافة، وذكروا له النص فيها،


الصفحة التالية
Icon