وقد عقد العلامة المجلسي (بحار الانوار ج ٨ ص ٧٩ ) بابًا لاحتجاج أمير المؤمنين عليه السلام في أمر الخلافة، ولو كان في القرآن شئ يمس زعامتهم لكان أحق بالذكر في مقام الاحتجاج، وأحرى بالاستشهاد عليه من جميع المسلمين، ولاسيما أن أمر الخلافة كان قبل جمع القرآن على زعمهم بكثير، ففي ترك الصحابة ذكر ذلك في أول أمر الخلافة وبعد انتهائها إلى علي - عليه السلام - دلالة قطعية على عدم التحريف المذكور.
وأما احتمال وقوع التحريف من عثمان فهو أبعد من الدعوى الأولى :
١ - لأن الإسلام قد انتشر في زمان عثمان على نحو ليس في إمكان عثمان أن ينقص من القرآن شيئًا، ولا في إمكان من هو أكبر شأنًا من عثمان.
٢ - ولأن تحريفه إن كان للآيات التي لا ترجع إلى الولاية، ولا تمس زعامة سلفه بشئ، فهو بغير سبب موجب، وإن كان للآيات التي ترجع إلى شئ من ذلك فهو مقطوع بعدمه، لأن القرآن لو اشتمل على شئ من ذلك وانتشر بين الناس لما وصلت الخلافة إلى عثمان.
٣ - ولأنه لو كان محرفا للقرآن، لكان في ذلك أوضح حجة، وأكبر عذر لقتلة عثمان في قتله علنًا، ولما احتاجوا في الاحتجاج على ذلك إلى مخالفته لسيرة الشيخين في بيت مال المسلمين، وإلى ما سوى ذلك من الحجج.
٤ - ولكان من الواجب على علي - عليه السلام - بعد عثمان أن يرد القرآن إلى أصله، الذي كان يقرأ به في زمان النبي - ص - وزمان الشيخين ولم يكن عليه في ذلك شئ ينتقد به، بل ولكان ذلك أبلغ أثرا في مقصوده وأظهر لحجته على التائرين بدم عثمان، ولا سيما أنه - عليه السلام - قد أمر بإرجاع القطائع التي أقطعها عثمان. وقال في خطبة له :" والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق " ( انظر نهج البلاغة : فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان ).


الصفحة التالية
Icon