هذا أمر علي في الأموال، فكيف يكون أمره في القرآن لو كان محرفًا، فيكون إمضاؤه - عليه السلام - للقرآن الموجود في عصره، دليلا على عدم وقوع التحريف فيه.
وأما دعوى وقوع التحريف بعد زمان الخلفاء فلم يدعها أحد فيما نعلم، غير أنها نسبت إلى بعض القائلين بالتحريف، فادّعى أن الحجّاج لما قام بنصرة بني أمية أسقط من القرآن آيات كثيرة كانت قد نزلت فيهم، وزاد فيه ما لم يكن منه، وكتب مصاحف وبعثها إلى مصر، والشام، والحرمين، والبصرة والكوفة، وإن القرآن الموجود اليوم مطابق لتلك المصاحف. وأما المصاحف الأخرى فقد جمعها ولم يبق منها شيئا ولا نسخة واحدة.
وهذه الدعوى تشبه هذيان المحمومين، وخرافات المجانين والأطفال، فإن الحجّاج واحد من ولاة بني أمية، وهو أقصر باعًا، وأصغر قدرًا من أن ينال القرآن بشئ، بل وهو أعجز من أن يغير شيئا من الفروع الإسلامية، فكيف يغير ما هو أساس الدين، وقوام الشريعة ؟
ومن أين له القدرة والنفوذ في جميع ممالك الإسلام وغيرها مع انتشار القرآن فيها ؟
وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم مؤرخ في تاريخه، ولا ناقد في نقده مع ما فيه من الأهمية، وكثرة الدواعي إلى نقله، وكيف لم يتعرض لنقله واحد من المسلمين في وقته، وكيف أغضى المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج، وانتهاء سلطته ؟.


الصفحة التالية
Icon