وعلى ذلك فيكفي في وقوع التحريف في هذه الأمة عدم اتباعهم لحدود القرآن، وإن أقاموا حروفه كما في الرواية التي تقدمت في صدر البحث، ويؤكد ذلك ما رواه أبو واقد الليثي :" أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لما خرج إلى خيبر بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط، يعلقون عليها أسلحتهم. فقالوا : يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى :﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً﴾[الأعراف: ١٣٨]، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم " (١) فإن هذه الرواية صريحة في أن الذي يقع في هذه الأمة، شبيه بما وقع في تلك الأمم من بعض الوجوه (٢).

(١) - رواه أحمد(٥/٢١٨ برقم: ٢١٩٥٠ ) والترمذي(٤/٤٧٥ برقم٢١٨٠) وقال: حديث حسن صحيح.
(٢) - ويمكن أن يقال: إن من هذه الوجوه تحريف الشيعة لمعاني الآيات وتأويلها تأويلاً باطنيًا، وكذا زيادة بعض الكلمات في بعض الآيات ككلمة(علي) و(آل محمد) ثم يدعون أن الآية نزلت هكذا، أليس مثل هذا يكون تحريفًا، ومثل هذا حدث لمن سبقنا من الأمم في كتبهم، وقد أثر فيها لأن الله تعالى لم يتكفل بحفظها وإنما كُلف أحبارهم بذلك كما قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ﴾[المائدة: ٤٤] أما القرآن فقد تكفل الله تعالى بحفظه ولم يترك حفظه للعلماء ولا غيرهم قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[الحجر: ٩] لذلك لم يؤثر في القرآن مثل هذه المحاولات البائسة للتحريف.


الصفحة التالية
Icon