النسخ: هو رفع الشارع حكمًا من أحكامه بخطاب متأخرٍ عنه، وبذلك يتبين الفرق بين النسخ والتخصيص، فالنسخ يكون فيه النصان الناسخ والمنسوخ غير مقترنين زمانًا، بل يكون الناسخ متأخرًا عن المنسوخ. كنسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة كما في سورة البقرة، ونسخ الثبوت لعشرة بالثبوت لاثنين كما في سورة الأنفال، ونسخ الصدقة في آية النجوى بالآية التي تليها في سورة المجادلة.
والنسخ واقع في الشريعة الإسلامية لحِكَمٍ، منها التدرج و التيسير.
وقد أَجمع المسلمون على جوازه، وأَنكره اليهود ظناً منهم أَنه بَداء، كالذي يرى الرأي ثم يبدو له رأي جديد، وهو باطل، لأن النسخ لا يلزمه البداء البتة، بل الله جل وعلا يشرِّع الحكم وهو عالم بأن مصلحته ستنقضي في الوقت المعين له، وأنه عند ذلك الوقت ينسخ ذلك الحكم ويبدله بالحكم الجديد الذي فيه المصلحة. فإذا جاء ذلك الوقت المعين أنجز جل وعلا ما كان في علمه السابق من نسخ ذلك الحكم، الذي زالت مصلحته بذلك الحكم الجديد الذي فيه المصلحة. كما أن حدوث المرض بعد الصحة وعكسه، وحدوث الغنى بعد الفقر وعكسه، ونحو ذلك لا يلزم فيه البداء، لأن الله عالم بأن حكمته الإلهية تقتضي ذلك التغيير في وقته المعين له، على وفق ما سبق في العلم الأزلي. فكذا الأَمر والنهي كما هو واضح.
ولا يقع النسخ إلاَّ في الأَمر والنَّهي، ولو بلفظ الخبر. أَما الخبر الذي ليس بمعنى الطلب فلا يدخله النسخ، ومنه الوعد والوعيد. وإذا عرفت ذلك عرفت فساد صنع من أَدخل في كتب النسخ كثيراً من آيات الإِخبار والوعد والوعيد (١).

(١) -السيوطي/ الإتقان(٣/٦٠ )، الشيخ محمد أبو زهرة/أصول الفقه: ص: ١٧٢، الأشقر/ الواضح في أصول الفقه ص: ٨٢


الصفحة التالية
Icon