أولاً مقدمة يسيرة: فكرة التحول في الصوت ليست غريبة وليست بدعة، الأصوات تتحول وهذا قانون لغوي عام لكن بسبب القرآن الكريم وعلماء التجويد حرصت الأمة على المحافظة على أصوات العربية كما وضعت قديماً وإلا نحن الآن القاف تنقلب همزة في بعض اللهجات (قلم – ألم) والجيم تنقلب قاف إلى كاف مجهورة بل إن الجيم لدى فصحاء بلد معين (مثل مصر) تحولت إلى كاف مجهورة حتى من يقرأ قصيدة أو أخبار في التلفزيون أو الإذاعة إلا من رحم ربي يقرأون (جمهورية، جمال) حتى إذا أرادوا أن ينطقوا الجيم جيماً يضعون تحتها ثلاث نقاط مثل (چيهان) لأنه لو كتبوها بالجيم تقرأ (جيهان). يكذب صارت يكزب، كزاب، كزب، هيثم صارت هيسم يُُكتب بالثاء وتنطق بالسين وفي المغرب العربي تُلفظ هيتم، الذال صارت دالاً والثاء صارت تاء والظاء صارت دالاً مطبقة عند الفصحاء إلا من يتقصد الفصاحة. الأصوات تتحول فليس غريباً أن يتحول صوت الضاد. الجيم الآن يعاني سيتحول وهو يتحول: في بلاد الشام صار (ج) وفي عموم بلادنا في العراق والخليج صار جيماً مركباً يبدأ شديداً وينتهي رخواً بحيث تحول من قمري إلى شمسي. الآن. بقراءتنا الإعتيادية نقول الحالة الجوية بدون لفظ اللام، من أين جاء هذا؟ الجيم شرب من الشين فصار مختلطاً، الشين شمسي فتحول اللام إلى جنسه (اجو). حرف الجيم ينازع وقد يموت وقد نحافظ عليه ونبقيه بسيطاً كما يُسمع من بعض أهل السودان (يخرجونه من وسط اللسان وسقف الفم).
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ) هذا معناه أن ما يصيب الإنسان من ضر أو من خير الأصل فيه أنه من الله سبحانه وتعالى فالله سبحانه وتعالى في الأصل هو الضار هو النافع ومردُّ الأمور جميعاً إليه سبحانه وتعالى. لما كان هناك كلام على الضرّ قال (إن يمسسك) هي في الحالين (إن) وهي غير (إذا). (إذا) لتحقق الوقوع أما (إن) فهي للإفتراض والإحتمال. فإذن كِلا الأمرين على الإحتمال إن وقع كذا وإن وقع كذا، قد لا يكون هذا واقعاً لك أن يمسسك ضر وقد لا يكون هذا واقع لك أن يصيبك خير لكن هذا المبدأ العام.
المسّ يكون عادة بالحواس وهو كاللمس لكن الفرق أن اللمس يكون مباشراً بالحواس أما المسّ فقد يكون لمساً بالحواس وقد يستعمل مجازاً للمس بغير الحواس وإنما لمس معنوي. كما يقولون: مسّه طائف من الجن لا يقولون لمسه كأنه نوع من المجاز.
*في الخير قال يردك وفي الشر قال يصبك فما الفرق بينهما؟ وما تفسير الآية؟ وما الحكمة في استعمال (إلا هو) و(لا رادّ لفضله)؟ (د. حسام النعيمى)
في داخلهم كأنما أحسوا أنهم أميز من هذا المخلوق ولما أُمروا بالسجود سجدوا طاعة لله. لكن لما يكون هو غير مفسد مسبح لله عز وجل وهذا المخلوق سيكون من ذريته من يفسد قد يكون داخل في نفس بعضهم أنه نحن أميز منه وأفضل منه وهذا الذي أشير إليه في (وما كنتم تكتمون) في نفوسكم شيء مكتوم في صدوركم لم تصرحوا به وما كانوا يعتقدون أنهم كتموه عن رب العزة. لما ننظر في الآية نجد حذفاً.
لما قال الله عز وجل (ألم أقل لكم إني أعلم) لأن الكلام على شمول علم الله سبحانه وتعالى العلم الشامل لكل الجزئيات ولكل دقائق الأمور، ألا نقول الله سبحانه وتعالى (يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كان كيف كان يكون) هذه كلمة قديمة لعلمائنا لبيان عظيم علم الله سبحانه وتعالى وشموله وسعته، علم الله سبحانه وتعالى شامل. هنا الكلام على شمول العلم لذا قال علماؤنا فيه حذف. لما يقول (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) الذي يعلم الغيب يعلم الشهادة من باب أولى إذن هناك حذف (أعلم غيب السموات والأرض وأعلم شهادتهما)، وأعلم ما تبدون الآن وفي المستقبل ويقابل ما تبدون وما تكتمون الآن وفي المستقبل. هي ثلاث صور: أعلم غيب السموات والأرض والحذف (وأعلم شهادتهما)، والثانية أعلم ما تبدون الآن وفي المستقبل وما تكتمون الآن وما تكتمون في المستقبل، والثالثة وما كنتم تكتمون وما كنتم تبدون في الماضي.
الأمر ليس بالصعوبة التي يتصورها الناس ونعيد ما قلناه قديماً: نقول الله سبحانه وتعالى مالك الملك فإذا فعل شيئاً في ملكه لا يُسأل، هو يتصرف في ملكه فلا تسأله عما يفعل في ملكه جلّت قدرته. هذا المبدأ الأول، والأمر الآخر أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يشاء إضلال كل من خلق ولا يُسأل وقادر على هداية كل من خلق ولا يُسأل وقادر على أن يمنح من خلق حرية الإختيار أن تكون لهم مشيئة. نحن من أين نعلم أننا من أي صنف؟ ممن شاء الله سبحانه وتعالى لنا أن نضل أو ممن شاء الله لنا أن نهتدي أو ممن شاء الله لنا أن نكون مختارين؟ لا ندري. لكن إرسال الرسل ومجيء الكتب معهم والتذكير والتنبيه والإلحاح في طلب الهداية معناه أنه أنت في الخانة التي هي ضمن مشيئة الله عز وجل في أنك ستختار. لنتصور أن هناك ثلاث خانات: خانة للمهتدين وهم الملائكة، وخانة للضالين وهم الشياطين، وخانة شاء الله سبحانه وتعالى أن يجعلهم هنا (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) إلا أن يشاء الله لك أن تكون ذا مشيئة، يضعك في الخانة الوسط فإذا كنت في الخانة الوسط لا تعتقد أنك تتصرف من غير إرادة الله سبحانه وتعالى إنما أنت تقدِّم. الإنسان يقدم أسباب الضلال وقد يحجبه الله سبحانه وتعالى عن الوصول إلى نهاية الضلال - له ذلك سبحانه – يقدم أسباب الهداية وقد يحجبه الله عز وجل عن الوصول إلى نهاية الهداية، لا يُسأل، فمن هنا يأتي ربط المشيئة كاملة بالله سبحانه وتعالى لكن الإنسان مطالب بأن يقدم أسباب الهداية ويتشبث بالخضوع لله سبحانه وتعالى أن يوفقه للوصول إلى آخر طريق الهداية. ولذلك (ولكن الله يهدي من يشاء) يشاء هنا تحتمل المعنيين: المعنى الأول الذي يمضي في مشيئته نحو الهداية والمعنى الآخر الذي يشاء الله سبحانه وتعالى له أن يصل إلى نهاية طريق الهداية حتى لا ننفصل عن قدرة الله عز وجل وعن الخضوع لله سبحانه وتعالى والإنسان يقول أنا اهتديت بنفسي، كلا.
الحالة الثالثة فرقة ثانية تقول (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ (٦٣) الزخرف) بعض وليس كله بل بعض انظر إلى دقة القرآن الكريم ما استطاع لهم أن يبين لهم كل الذي يختلفون فيه وكأن هذا من قدر هذا الكون لا يمكن لأحدٍ أن يوحد بين أتباعه بالكامل ليس في وسع بشر من الأنبياء أو الرسل أو غيرهم أن يوحد أتباع دين من الأديان على ما أنزل الله من الحق لا بد من الاختلاف (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿ ١١٨ ﴾ هود) ولذلك خلقهم سيدنا عيسى مرسل (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿ ٦٣ ﴾ إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴿ ٦٤ ﴾ الزخرف) (إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي) هنا هذا لماذا قال ذلك؟ لأن اليهود قالوا أن المسيح هذا ابن الله فما أفردوا الربوبية. ما الذي قاله سيدنا إبراهيم؟ (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴿ ٨٠ ﴾ الشعراء) كلمة هو عن المرض فقط لا تظن أن الطبيب هو الذي شافاك الطبيب سبب، المشافي هو الله (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) قال يطعمني ويسقيني الخ (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) لأن الطعام والسقي تعرف هذه من الله لكن الشفاء يمكن تقول لا من الطبيب أو الدواء نعم هذه أسباب لكن المشافي الذي وضع قوة الشفاء في هذا الدواء هو الله عز وجل.
آية (٥٢):
فلما أنّث فعل الشرط وجوابه مضارعان ولما كان الأمر في الدنيا وهذه أمور مستمرة قال (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ) تلك في يوم القيامة الأعمال انتهت والوقت وقت حساب وإن كان العمل مثقال حبة جئنا به وكفى بنا حاسبين (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)) هذه قطعاً ماضية وليست مضارعة لذلك قال (وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) بالماضي لأن الآن الموقف موقف حساب بينما تلك لقمان يخبر ابنه ويعلمه بقدرة الله (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ) متى ما شاءت، متى ما وقعت، متى ما تكون فهذه يأتي بها مضارع وهذه يأتي بها ماضي.
*فعل الكينونة في لقمان مؤنث (إن تك) وفي الأنبياء مذكر (كان) لماذا؟
أولاً للعلم أصلاً في مثل هذا التعبير يجوز فيه التأنيث والتذكير (مثقال حبة من خردل). كقاعدة نحوية في مثل هذا التعبير يجوز فيه الوجهان
وربما أكسب ثانٍ أولاً تأنيثاً إن كان لحذف موهلا
واختار كلمة (جند) على (ملك) لأنه في مقام العقوبة والمحاربة فكان اختيار لفظ جند أنسب فإن قومه حاربوا الله ورسوله فحاربهم الله سبحانه من غير جند. واختار الجند على الجنود فقال (من جند) ولم يقل (من جنود) ذلك أن الجنود جمه جند فإن الجند يجمع على أجناد وجنود. ونفي الجند يعني نفي الجنود أنا نفي الجنود فلا يعني نفي الجند. ذلك أن نفي الواحد مع (من) الاستغراقية يعني نفي الجنس كله بخلاف نفي الجمع. فإنه إذا قال (ما أنزلنا من جند) فإن هذا ينفي إنزال الجند والجنود. ونحوه إذا قل ما حضر من رجال فإنك نفيت الجمع ولكن لم تنف الواحد أو الاثنين فقد يكون حضر رجل أو رجلان أما إذا قلت ما حضر من رجل فقد نفيت الجنس على سبيل الاستغراق سواء كان واحداً أم مثنى أم جمعاً فلم يحضر أحد. فقوله (من جند) نفى إنزال الجند والجنود ولو قال من جنود لم ينف إنزال الجند فكان ما ذكره أعم واشمل.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن الجند إسم جنس جمعي مفرده جندي فالياء للواحد وحذفها يفيد الجنس مثل رومي وروم وزنجي وزنج. أما الجنود فجمع تكسير ومن المعلوم أن إسم الجنس يقع على القليل والكثير فهو يقع على الواحد والاثنين والجمع فإنك إذا عاملت رومياً واحداً أو روميين جاز لك أن تقول عاملت الروم أما الجمع فلا يصح فيه ذلك وإنما يقع على الجمع فقط.
فقوله (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند) نفى الواحد والاثنين والجمع لأنه نفى إسم الجنس الجمعي ولو جاء بالجنود لم ينف الواحد والاثنين فكان ما ذكره أولى من كل وجه.
واختار (ما) للنفي على (لم) فلم يقل ولم ننزل وذلك لأن (ما) أقوى في النفس من (لم). وقد أكد النفي أيضاً بذكر (من) الاستغراقية المؤكدة فأكد النفي باستعمال الحرف (ما) واستعمال (من) الاستغراقية. وهناك أمر آخر حسّن ذكر (ما) دون (لم) وهو ذكر (من) الاستغراقية فإن القرآن لم يأت البتة بـ(من) الاستغراقية مع (لم) بخلاف (ما).
*(انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ (٥٠) النساء) الكلام المختلق المكذوب تسمعه الآذان فكيف قال تعالى (انظر كيف) ولم يقل إسمع؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
جعل الله تعالى الكذب والافتراء الذي تسمعه الأذن كأنه أمر مرئي يراه الناس يأعينهم ليصف شدة تحقق وقوع ذلك منهم فهو أمر محتّم.
آية (٥١):
* ما معنى كلمة الجبت والطاغوت؟ وهل هي موجودة في لغة العرب؟ وهل هناك علاقة بين كلمة جبت وEgypt ؟( د. فاضل السامرائى)
في أكثر من مناسبة ذكرنا شيئاً من هذا. طبعاً الكاف في (ذلك) حرف خطاب وقلنا حرف الخطاب في ذلك وتلك وأولئك هذا قد يطابق المخاطب ذلك، ذلكما، ذلكنّ حسب المخاطبين المشار إليه. ذلكَ المشار إليه واحد والمخاطَب واحد مفرد مذكر وذلكِ المشار إليه واحد والمخاطبة امرأة وذلكما المشار إليه واحد والمخاطب اثنين وذلكم المشار إليه واحد والمخاطب جماعة ذكور وذلكنّ المشار إليه واحد والمخاطب جماعة إناث (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (٣٢) يوسف) لا يدل على جمع المشار إليه وإنما أولئك، ذانك. (أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ (٢٢) الأعراف) هي شجرة واحدة والمخاطب اثنان والكاف هو حرف خطاب ليس ضمير خطاب. حرف الخطاب في اسم الإشارة فيه لغتان لغة أنه تجعل مطابقاً للمخاطب إذا مفرد أو مفردة أو مثنى أو جمع ذكور أو إناث ولك أن تجعله بلفظ واحد وهو الإفراد والتذكير أياً كان المخاطَب مثل ذلك إذا كانوا أربعة أو خمسة، تلك شجرة ذلكم كتاب، لك أن تقول ذلكم كتاب هذا ممكن وذلك كتاب هذا من حيث اللغة. إذن فيها لغتان إما أن نجعل حرف الخطاب بصيغة التذكير أياً كان المخطابين مفرد مذكر مؤنث جمع أو يطابق، فيها لغتين لكن يبقى كيف استعملها القرآن؟ مرة يستعملها مفرد ومرة يستعملها جمع. في اللغة لا يسأل عنها لأنه كله جائز من حيث الحكم النحوي لكن نسأل من الناحية البيانية أحياناً يطابق وأحياناً يُفرِد، لماذا؟ هذا سؤال آخر.
فالسماء كلمة واسعة جدا قد تكون بمعنى السحاب أو المطر أو الفضاء أو السقف وهى أعم وأشمل من السماوات.
*ورتل القرآن ترتيلاً :
(فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء (١٢٥)) كلما ارتقت البشرية في علومها الكونية تكشف لها من آيات الله الباهرة التي تفحم العقول وتبهرها. والقرآن هو معجزة على مدار الأيام وكلما تقدم العلم كشف عن جانب من جوانب إعجازه ومن تلك تلك الكشوفات الآية التي بين أيدينا فهذه الآية تشبه حالة المعرضين عن هدي الله بحالة الصاعد في السماء. ووجه الشبه بينهما ضيق الصدر فالكافر يضيق ذرعاً من النور الذي يكشف ظلمته والصاعد في السماء يضيق صدراً من نقص الأكسجين فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الإنسان إذا ارتفع فوق سطح البحر ما بين عشرة آلآف قدم وستة عشر ألف قدم فإنه يرتفع ضغطه لتوفر أجهزة الجسم حاجة الجسم من الأكسجين أما إن تجاوز الإنسان هذه المسافة فإن أجهزة الجسم لا تفي بغرضها في هذا الإرتفاع المفاجيء فما الذي يحصل؟ تظهر أعراض في مقدمتها ضيق الصدر الذي وصفته الآية وحتى يصف الله هذه الحالة فقد قال (ضيقاً) ولم يقل ضائقاً للمبالغة في وصف ضيق الصدر ولم يكتف السياق بوصفه (ضيقا) بل اتبعه بـ (حرجا) التي تعني ضاق ضيقاً شديداً ليؤكد لنا معنى الضيق ففي الحرج معنى شدة الضيق ما لا يفيده لفظ ضيق وحتى نتصور هذه الهيئة وهذا الألم الذي يعانيه المرتقي عبّر لك عنه بقوله (يَصَّعَّدُ) ولم يقل يصعد لنلمس هذا التكلف في الصعود وأنه ليس بالسهل بل فيه كد ومشقة وكذلك قبول تكاليف الإيمان لمن أضله الله فيها كدٌ ومشقة لا تُحتمل له.
آية (١٢٦):
*ورتل القرآن ترتيلاً :
فى سورة الإسراء قال (بعبده) لم يقل بمحمد ولم يقل بالرسول ليدل على أن الإنسان مهما عظم ومهما كبر فلا يعدو أن يكون عبداً لله. هذا مقام تشريف ولا ينبغي لأحد أن يتعالى ويدّعي أنه أرفع من سائر العباد ولئلا يعظم محمد على غير ما ينبغي فيُدعى له منزلة أعلى من العبودية فهو عبد ثم العبودية أعلى وسام، أعلى وسام للخلق هو مقام العبودية، ربنا تعالى لما أثنى على نوح قال (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (٣) الإسراء) وعلى أيوب قال (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤) ص). نلاحظ أولاً أنه لما ذكر ربنا موسى - عليه السلام - عند المناجاة فقال (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ (١٤٣) الأعراف) ذكره باسمه ولم يقل عبدنا موسى ولا الرسول موسى (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) كان عاقبة ذلك أن خر موسى صعقاً لو قال عبدنا كيف يخر صعقاً؟ مناسبة المقام، قال موسى باسمه العلم (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا (١٤٣) الأعراف) لم يقل وخر عبدنا موسى هذه ليست مناسبة للتكريم وكأن مقام العبودية عند الله سبحانه وتعالى مقام عظيم.. ذكر عبد أقوى من ذكر الإسم المجرد (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (٦٥) الكهف) هذه العبودية الاختيارية هي أعلى وسام.
آية (١٤٦):
*ما الفرق بين الرُشد والرَشَد مع أن الرَشَد مستخدمة في القرآن الكريم ؟(د. فاضل السامرائى)
*****تناسب خواتيم التوبة مع فواتح يونس*****
في أواخر التوبة قال تعالى:(وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون (١٢٧) لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (١٢٨)) وفي بداية يونس (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (١) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ (٢)). (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ) (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ)، (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ) (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ).
سؤال:(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) هي هكذا في سياقها لا تتغير ومرتبطة بما قبلها وما بعدها وتلك (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ) في سياقها لا تتبدل ولا تتغير وهناك علاقة تعتور الآيتين في مكانهما؟
لاحظنا أن فواتح السور مع خواتيمها مرتبطة والآن ننظر فنأخذ خواتيم السورة مع فواتح السورة بعدها يعني القرآن وحدة واحدة مترابطة مع أن كل آية في مكانها وكل كلمة في مكانها ومن هذه فكرة النظم الذي تكلم عنها عبد القاهر الجرجاني.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
وفي العسرى كما في اليسرى لم يذكر سبحانه وتعالى موصوفاً فتركها مطلقة وأعسر العسرى هي النار أعاذنا الله منها جميعا. والسورة بكاملها تفيد الاطلاق (يغشى ولم يحدد ماذا يغشى، تجلى ولم يحدد ماذا تجلى، الذكر والانثى ولم يحدد اهما للبشر فقط او لسائر المخلوقات، سعيكم لشتى ولم يحدد من عمل صالحاً مثلاً انما السعي على اطلاقه) فخط السورة اذن هو خط الاطلاق والعموم من أولها إلى آخرها. كما أنه لم يحدد الحسنى كذلك لم يحدد اليسرى ولم يحدد العسرى وحتى (من أعطى واتقى) لم يحدد العطاء والاتقاء.
آية (١١):*(وما يغني عنه ماله إذا تردى - )
*لماذا جاءت هذه الآية عقب الآية السابقة: (فإما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى) ولم تأت آية مثلها عقب الآية: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى)؟
القرآن الكريم يستعمل أوتوا الكتاب في مقام الذم ويستعمل آتيناهم الكتاب في مقام المدح. قال تعالى (وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (١٠١) البقرة) هذا ذم، (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ (١٤٥) البقرة) هذا ذم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (١٠٠) آل عمران) (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) البينة) هذا ذم، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (٤٤) النساء) ذم. بينما آتيناهم الكتاب تأتي مع المدح (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ (١٢١) البقرة) مدح، (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ (٨٩) الأنعام) مدح، (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ (٣٦) الرعد) (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) القصص) مدح، (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ (٤٧) العنكبوت) مدح. هذا خط عام في القرآن على كثرة ما ورد من أوتوا الكتاب وآتيناهم الكتاب حيث قال أوتوا الكتاب فهي في مقام ذم وحيث قال آتيناهم الكتاب في مقام ثناء ومدح. القرآن الكريم له خصوصية خاصة في استخدام المفردات وإن لم تجري في سنن العربية.


الصفحة التالية
Icon