واليوم لا يملك انما ما فيه يملك والسبب لقصد العموم ومالك اليوم هو ملك لكل ما فيه وكل من فيه فهو اوسع وهو ملكية كل ما يجري وما يحدث في اليوم وكل ما فيه ومن فيه فهي اضافة عامة شاملة جمع فيها ما في ذلك اليوم ومن فيه واحداثه وكل ما فيه من باب الملكية (بكسر الميم) والملكية (بضم الميم).
اقتران الحمد بهذه الصفات احسن واجمل اقتران. (الحمد لله) فالله محمود بذاته وصفاته على العموم والله هو الاسم العلم) ثم محمود بكل معاني الربوبية (رب العالمين) لان من الارباب من لا تحمد عبوديته وهو محمود في كونه رحمن رحيم، محمود في رحمته لان الرحمة لو وضعت في غير موضعها تكون غير محمودة فالرحمة اذا لم توضع في موضعها لم تكن مدحا لصاحبها، محمود في رحمته يضعها حيث يجب ان توضع وهو محمود يوم الدين محمود في تملكه وفي مالكيته (مالك يوم الدين) محمود في ملكه ذلك اليوم (في قراءة ملك يوم الدين)
استغرق الحمد كل الازمنة لم يترك سبحانه زمنا لم يدخل فيه الحمد ابدا من الازل الى الابد فهو حمده قبل الخلق (الحمد لله) حين كان تعالى ولم يكن معه شيئ قبل حمد الحامدين وقبل وجود الخلق والكائنات استغرق الحمد هنا الزمن الاول وعند خلق العالم (رب العالمين) واستغرق الحمد وقت كانت الرحمة تنزل ولا تنقطع (الرحمن الرحيم) واستغرق الحمد يوم الجزاء كله ويوم الجزاء لا ينتهي لان الجزاء لا ينتهي فاهل النار خالدين فيها واهل الجنة خالدين فيها لا ينقضي جزاؤهم فاستغرق الحمد كل الازمنة من الازل الى الابد كقوله تعالى له الحمد في الاولى والاخرة هذه الآيات جمعت اعجب الوصف.
*من برنامج(ورتل القرآن ترتيلاً):
قال تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴿٢١﴾ الأنعام) هذا بسورة الأنعام في يونس (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴿١٧﴾ يونس). الأولى لا يفلح الظالمون يخاطب بها بنو إسرائيل من حيث أن هؤلاء تحريفهم استمر إلى يوم القيامة حرفوا التوراة والإنجيل إلى يوم القيامة كما قال تعالى (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴿٤٦﴾ النساء) وفي آية أخرى (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴿٤١﴾ المائدة) يحرفون من بعد مواضعه من ساعة نزوله يكذبون على الله عز وجل وقد كذبوا على موسى قال لهم: قولوا حطة قالوا: زمحيطة من أول يوم. إذا ًهناك تحريف في التوراة والإنجيل من يوم ما نزل، ورب العالمين أثبت هذا والتاريخ أثبت هذا وعلماؤهم يثبتون هذا. (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) هذا على امتداد التاريخ وتعرفون التاريخ كما أن هناك أبحاث كثيرة عن الجهود التي خاصة عن طريق اليهود الذين حرفوا التوراة والإنجيل تحريفاً يكاد يكون مسخاً لكلا الكتابين الكريمين.
فنقول أن هذا التعبير لا يصح من جهتين: أولاً هم لم يقولوا افتراه كما قالوا في سورة هود. والأمر الآخر وهو المهم أنه لا يُحسن أن يأتي بعد "من مثله" بكلمة مفتراة لأنه عندما قال من مثله افترض وجود مثيل له فإذن هو ليس مفترى ولا يكون مفترى إذا كان له مثيل إذن تنتفي صفة الافتراء مع افتراض وجود مثل له. والأمر الآخر لا يصح كذلك أن يقول في سورة هود مع الآية (أم يقولون افتراه) أن يأتي بـ "فاتوا بسورة من مثله" بإضافة (من) وإنما الأصح كما جاء في الآية أن تأتي كما هي باستخدام "مثله" بدون "من" (فاتوا بسورة مثله) لأن استخدام "من مثله" تفترض أن له مثل إذن هو ليس بمفترى ولا يصح بعد قوله تعالى (أم يقولون افتراه) أن يقول (فاتوا بسورة من مثله) لنفس السبب الذي ذكرناه سابقاً. إذن لا يمكن استبدال أحاهما بالأخرى أي لا يمكن قول (مثله) في البقرة كما لا يمكن قول (من مثله) في سورة هود.
*(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (١٢٨) الأنعام) في سورة هود وفي يوسف (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)) فما الفرق بينهما؟(د. فاضل السامرائى)
إذا كان السياق في العلم وما يقتضي العلم يقدم العلم وإلا يقدم الحكمة، إذا كان الأمر في التشريع أو في الجزاء يقدم الحكمة وإذا كان في العلم يقدم العلم. حتى تتوضح المسألة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) البقرة) السياق في العلم فقدّم العلم، (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) النساء) هذا تبيين معناه هذا علم، (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦) يوسف) فيها علم فقدم عليم.
نأتي للجزاء، الجزاء حكمة وحكم يعني من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم، تقدير الجزاء حكمة (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (١٢٨) الأنعام) هذا جزاء، هذا حاكم يحكم تقدير الجزاء والحكم قدم الحكمة، وليس بالضرورة أن يكون العالم حاكماً ليس كل عالم حاكم. (وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩) الأنعام) هذا تشريع والتشريه حاكم فمن الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى هو الذي يجازي وهو الذي يشرع. لما يكون السياق في العلم يقدّم العلم ولما لا يكون السياق في العلم يقدّم الحكمة.
من) تستعمل لذوات العقلاء وأولي العلم فقط أما (ما) فتستعمل لصفات العقلاء (ونفس وما سوّاها، فانكحوا ما طاب لكم من النساء) (وما خلق الذكر والأنثى) والله هو الخالق، (ونفس وما سوّاها) والله هو المسوي، وذوات غير العاقل (أشرب من ما تشرب) وهي أعمّ وأشمل. لكن يبقى السؤال لماذا الاختلاف في الاستعمال في القرآن الكريم فمرة تأتي (من) ومرة تأتي (ما)؟
ونستعرض الآيات التي وردت فيها (من) مع السجود : قال تعالى في سورة الرعد (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ ﴿س﴾(١٥)) والطوع والكره من صفات العقلاء فاستعمل (من) وفي قوله تعالى () الكلام في العقلاء أيضاً فاستخدم (من).
أما في سورة النحل في قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩)) الدابة أغلب ما تستعمل في اللغة لغير العاقل وهي عامة وشاملة فاستعمل (ما) كما أنه في الآية جاءت كلمة (شيء) وهي أعمّ كلمة. وعليه فإنه من ناحية العموم ناسب استعمال (ما) ومن ناحية استعمالها لغير العاقل ناسب استعمال (ما) لأن الدابة كما أسلفنا تستعمل في الغالب لغير العاقل.
وعندما نقول (إننا) تحتمل معنيين: في مقام التفصيل (إننا) وفي مقام التوكيد (إننا) فلو قرأنا القصتين في السورتين لوجدنا أن قصة صالح فصّل تعالى فيها كثيراً فاقتضى النفصيل استخدام (إننا) وكذلك التكذيب في قوم صالح كان أشدّ فجاء التوكيد بلفظ (إننا) إذن القصة في قصة صالح أطول والتكذيب أشدّ في سورة هود بينما الكلام في سورة ابراهيم موجز فاقتضى التوكيد في سورة هود بـ (إننا) ولم يقتضي التوكيد في سورة ابراهيم (إنا).
آية (١١):
*ما دلالة استخدام الفعل للمؤنث في قوله تعالى (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ (١١) إبراهيم )؟(د. فاضل السامرائى)
الفعل لما يأتي ويسند إلى جمع جمع القلة يأتي بالتذكير ولما يأتي لجمع الكثرة يأتي بالتأنيث. (وقال نسوة فى المدينة) فالنسوة جمع قلّة، كم واحدة قالت؟ قليل والأعراب كثير. فالقلة (قال نسوة) لأنهن قليلات هم جماعة الملكة وحاشيتها أما مع الأعراب قال (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا) فجاء بالتأنيث للدلالة على جمع الكثرة. فالعرب عندهم التأنيث يدل على عدد أكثر من التذكير (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ (١١) إبراهيم).
آية (١٢):
*تقديم اللفظ على عامله: (د. فاضل السامرائى)
من هذا الباب تقديم المفعول به على فعله وتقديم الحال على فعله وتقديم الظرف والجار والمجرور على فعلهما وتقديم الخبر على المبتدأ ونحو ذلك. وهذا التقديم في الغالب يفيد الإختصاص فقولك (أنجدت خالداً) يفيد أنك أنجدت خالداً ولا يفيد أنك خصصت خالداً بالنجاة بل يجوز أنك أنجدت غيره أو لم تنجد أحداً معه. فإذا قلت: خالداً أنجدت أفاد ذلك أنك خصصت خالداً بالنجدة وأنك لم تنجد أحداً آخر.
كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر أما كلمة الرياح فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات كما في قوله تعالى في سورة الأعراف (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿٥٧﴾) وسورة الحجر (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴿٢٢﴾).
وفي سورة سبأ (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ ﴿١٢﴾) استعملت كلمة ريح مع سليمان لكنها لم تُخصص لشيء فجاءت عامة قد تكون للخير أو للشر لأن الله سخّرها لسليمان يتصرف بها كيف يشاء.
*من الإعجازالعلمى للآية:
وجه الإعجاز في الآية الكريمة هو إشارتها إلى أن الرياح تقوم بعملية التلقيح الريحي للنباتات، فقال تعالى:(وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) وهذا ما كشف عنه علماء النباتات في القرون الأخيرة
التفسير اللغوي:
جاء في مختار الصحاح في مادة لقح:
لقح: ألقح الفحل الناقة والريح السحاب ورياح لواقح ولا تقل ملاقح وهو من النوادر وقيل الأصل فيه مُلقحةٌ ولكنها لا تلقح إلا وهي في نفسها لاقح كأن الرياح لقحت بخير فإذا أنشأت السحاب وفيها خير وصل ذلك إليه.
نقرأ الآيتين آية النحل وآية فاطر، قال سبحانه وتعالى في سورة النحل (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤)) وقال في سورة فاطر (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)) السياق يوضح لنا الكثير من الإجابات. تقدم هذه الآية في سورة النحل تقدم الكلام على وسائط النقل، ذكر الأنعام قال (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥)) (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (٧)) ثم ذكر الخيل البغال والحمير قال (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا (٨)) هذه وسائط نقل برية، ثم ذكر الفلك وهي واسطة نقل بحرية قال (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ (١٤)) فلما ذكر وسائط النقل وذكر الفلك في سياق وسائط النقل قدّم صفتها على البحر، (فيه) متعلق بالبحر إذن لما كان السياق في وسائط النقل قدّم صفة وساطة النقل (مواخر) يعني ألحق الصفة بالموصوف ليس الكلام على البحر وإنما الكلام على وسائط النقل فأخّر ما يتعلق بالبحر.
ثم قال (لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لما قال (باركنا حوله) يعني إلتفت إلى المتكلم ليدل على أن المتكلم هو الله قال (لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لماذا أسرى؟ (لنريه) تعليل وهذه لام العِلة يعني إذن تدل على أن أفعاله سبحانه معللة لحكمة ومعنى ذلك أن هنالك منهجاً لهذه الرحلة (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) حتى يرى من آياتنا، وقال (من آياتنا) وليس آياتنا (من للتبعيض) يعني هناك أمور محددة (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لا يراها كلها وإنما جزء. إذن هي معللة ولحكمة. الآيات بمعنى مخلوقات الله العظيمة والمعجزات.
سؤال: إذن رحلة الإسراء والمعراج كلها ليرى الرسول - ﷺ - من آيات الله؟
نعم من آيات الله.
نلاحظ قال (لنريه) ولم يقل ليرى ولم يقل ليُرى. (ليرى) من تلقاء نفسه وإنما هذه رحلة فيها منهج. لما قال (لنريه) من الذي يُريه؟ الله سبحانه وتعالى، لو قال ليُرى لا نعلم من الذي أراه لكن قوله (لنريه) ذكر الفاعل هو الذي يريه بإرادته وهذا تعظيم لله وللرسول، الله تعالى هو الذي يريه بإرادته هذه.
سؤال: بعد ذلك قال (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨) النجم)؟
هذه بعد أن أراه ربه، أراه فرأى إنما بداية الرؤية من قِبَل الله سبحانه وتعالى. إذن وأضاف الآيات إلى نفسه سبحانه (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) وليس من الآيات، كلها تعظيم.
سؤال: جمع آيات هنا هل له دلالة خاصة؟
هي ليست آية واحدة وإنما جمع من الآيات.
هؤلاء أعلنوا إيمانهم وقفوا أمام الناس وأعلنوا إيمانهم قالوا(وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (١٤)) فاشتُهِر أمرهم فالله سبحانه وتعالى صبّرهم على هذا الإيمان لأن أصل هو الربط الشدّ والتقوية عندما تشد شيئاً تقويه. بمعنى قوّينا قلوبهم بالصبر على الإيمان حين ققالوا هذا الكلام. والربط على القلب هو التقوية لأن إعلان إيمانهم هذا كان يمكن أن يودي بحياتهم ويموتوا ولذلك بعد أن أعلنوا تركوا البلد وفرّوا بدينهم وذهبوا إلى الكهف لكن العلماء يقولون المسلم إذا علِم أن في موته حياة للآخرين في ثباته وموته حياة للآخرين كما قال الإمام أحمد رحمه الله لما كان يُجلد فقيل له: قُل كما يقول المأمون فقال: إن ثباتنا ثبات المسلمين وتحمّل.
*ما دلالة استخدام كلمة (الكذب) معرّفة وقد وردت نكرة في مواضع أخرى؟ (د. فاضل السامرائى)
هنالك عقيم وعاقر العاقر فيها خلل يعني تذهب للطبيب ويعالجها كما يحصل الآن كثير من الناس مدة سنة سنتين ثلاث أربع خمس عشرة لا تنجب تسمى عاقر ثم يصف لها الطبيب دواء فتنجب هذه عاقر فيها خلل أصلحوه. أما العقيم لا لو تأتي بكل أطباء العالم لا فائدة (أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ﴿٤١﴾ الذاريات) ما فيها أبداً خير فلما كانت عاقر قال (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴿٩٠﴾ الأنبياء) في خلل أصلحناه هذا فِعل. سيدنا عيسى بدون زوج خلقه كخلق آدم (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ﴿٥٩﴾ آل عمران). إذاً الفرق بين (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) وآية أخرى (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) أن الله سبحانه وتعالى لما بشره بالبداية قال له كيف وأنا امرأتي عاقر؟ (قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) سنصلح لك هذا الخلل في امرأتك الله قال (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴿٩٠﴾ الأنبياء) ولهذا العقر يزول بالدعاء كما هي هذه الآية. طبعاً الدعاء من الصالحين غير الدعاء من غيرهم فهو دعاء مصحوب بالعمل، هذا الفرق.
*لِمَ ذكر تعالى كلمة مذكور (لم يكن شيئاً مذكورا)فى سورة الإنسان ولم يقل ذلك في سورة مريم (ولم تك شيئا) ؟(د. فاضل السامرائى)
هناك أكثر من سبب لذكر كلمة (مذكور)فى سورة الإنسان:
أولاً هي إشارة إلى تطور على جميع مراحل الإنسان فقد خلق الإنسان من لا شيء وكان شيئاً ولم يكن مذكورا ثم نطفة أمشاج ولو لم يقل مذكورا لأفاد أنه قفز فوق المرحلة الوسطى والسورة كما أسلفنا تتحدث عن تطور مراحل الإنسان وجميع أطواره قبل وجوده ووجوده وهو غير مذكور ووجوده وهو مذكور والنطفة وغيرها.
إذن لماذا لم يستخدم كلمة مذكورا في سورة مريم؟
o التشريع الجنائي: آية ١٧٩(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
o التركات والوصيات آية ١٨٠(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)
o التشريع التعبدي آية ١٨٣ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) التعبد واحكام الصيام
o الجهاد والانفاق فيها دفاع عن المنهج ولا دفاع بدون مال وانفاق.( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آية ١٩٥
آية ١٧٧ (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) مفصلة في هذه الاحكام وكلما تأتي الآيات في تشريع تنتهي بذكر التقوى لأنه لا يمكن تنفيذ قوانين الا بالتقوى وهي مناسبة ومرتبطة بهدى للمتقين في اول السورة ونلاحظ كلمة التقوى والمتقين في الآيات السابقة. إذن فالاطار العام لتنفيذ المنهج هو : طاعة – تميز – تقوى ونستعرض هذا التدرج الرائع:
أولاً الذكر أعم من التسبيح والتسبيح هو ذِكر. الذِكر أعم يشمل التسبيح والتحميد والتهليل فهو علم والتسبيح قسم منه فإذن التسبيح أخص من الذكر فكل تسبيح ذكر وليس كل ذكر تسبيح. فهو نوع من أنواع الذكر إذن الذكر أعمّ. نرى كيف يستعمل القرآن الذكر (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٥٥) غافر) (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (٤١) آل عمران) الذكر لم يجعل له وقتاً (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا) وخصص في التسبيح (وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ) فلما كان التسبيح أخص خصص الوقت. مثلها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٤٢) الأحزاب) الأخص خصص والأعم أطلق. أما لماذا قدّم التسبيح في آية سورة طه (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (٣٤)) كان موسى في حالة خوف أو في حالة ترقب خوف (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى (٤٥) طه) في حالة خوف أن يفعل بهم فرعون ما يفعل من سوء والتسبيح ينجي من الغم وينجي من الكرب وربنا أخبر عن ذي النون (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨) الأنبياء) وربنا قال للرسول (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) الحجر) لأن التسبيح ينجي من الضيق والغم ويذهب الهم والكرب والخوف.
كل) لها قواعد في التعبير. (كل) إذا أضيفت إلى نكرة هذا يراعى معناها مثل (كل رجل حضر) (كل امرأة حضرت) (كل رجلين حضرا) إذا أضيف إلى نكرة روعي المعنى وإذا أضيفت إلى معرفة يصح مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى، مثال: (كل اخوتك) اخوتك جمع يجوز أن يقال كل إخوتك ذاهب ويقال كل إخوتك ذاهبون، يجوز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى. إذن إذا أضيفت إلى نكرة روعي المعنى كل رجل حضر، كل رجلين حضرا، كل امرأة حضرت. (كل) لفظها مفرد مذكر ومعناها تكتسبه بحسب المضاف إليه. إذا أضيفت لنكرة يراعى المضاف إليه وإذا أضيفت لمعرفة يجوز مراعاة اللفظ والمعنى. نوضح القاعدة: كل الرجال حضر وكلهم حضر، إذا قطعت عن الإضافة لفظاً جاز مراعاة اللفظ والمعنى (كلٌ حضر) (كلٌ حضروا) يجوز، (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ (٢٨٥) البقرة) (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣) الأنبياء) (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) ق) مجموعة قوم نوح وعاد وفرعون قال كلٌ كذب الرسل، (كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (١١٦) البقرة). إذن من حيث القاعدة النحوية أنه إذا قطعت عن الإضافة هذا سؤال (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) لفظاً جاز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى يمكن أن يقال كلٌ في فلك يسبح وكلٌ في فلك يسبحون لكن هل هنالك اختلاف في المعنى في القرآن ليختار هذا أو ذاك؟ هذا هو السؤال. من حيث اللغة جائز. القرآن استخدم الاثنين (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (٩٣) الأنبياء) (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ (٨٤) الإسراء) (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) ق). مما قيل في هذا الخلاف قال: الإخبار بالجمع يعني عندما يقول قانتوت حاضرون يسبحون يعني كلهم مجتمعون في هذا الحدث ولما يفرد يكون كل واحد على حدة ليسوا مجتمعين. لما يقال كلٌ حضروا يعني مجتمعون ولما يقال كلٌ حضر يعني كل واحد على حدة.
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) كيف؟ كأن أقول إن الطلاب والمعلمون! لا يصح! إن الطلاب والمعلمين كيف يأتي القرآن الكريم مرتين إن الطلاب والمعلمين وهذا صح على القاعدة وإن الطلاب والمعلمون قد حضروا كيف يعني؟ هكذا هي في القرآن الكريم، هي ثلاث آيات آية في الحج تلك آية البقرة (وَالصَّابِئِينَ) وفي آية المائدة (وَالصَّابِئُونَ) وفي آية الحج (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴿١٧﴾ الحج) أضاف المجوس ومعها والذين أشركوا طيب فهمنا اليهود والنصارى والمسلمين الذين آمنوا أصحاب كتاب لا ينكر أنهم أصحاب كتب سماوية ولم ينحرفوا إلى الوثنية بينما هناك فِرَق انحرفت في هذه الآيات لماذا قال الصابئين والمجوس ومرة قال صابئون ومرة قال مجوس؟ هذه الآيات الثلاث تتكلم عن حسن الخاتمة وحسن الخاتمة نظام رباني (ومنكم من يعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة) ولو قبل الموت بساعة بدقائق قبل أن يغرغر يقول لا إله إلا الله محمداً رسول الله انتهى نجا (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) هذه قاعدة ربانية لا تختلف، كل مسيء إذا أحسن قبل الموت فقد نجا كما قال النبي ﷺ (الأعمال بخواتيمها) وكما قال (إنما يبعث المرء على ما ختم عليه) هذه قضية ثانية. إذاً رب العالمين في هذه الثلاث آيات يعطينا عدة أنظمة.
أفرأيت العلو في الاختيار والجلالة فيه، إنه لا يؤدي تعبير آخر مؤداه.
إنه لم يقل: (فأولئك هم الضالون) أو (أولئك هم الخاطئون) أو (الفاسقون)، مما إلى ذلك مع أنهم منهم، لأن هذه صفات فردية، وليس فيها إشارة إلى العدوانية، كما ليس فيها إشارة إلى الخطر الهائل الذي يحيق بالمجتمع من جراء ذلك.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إن ذلك أنسب مع قوله: (غير ملومين) فإن المعتدي ملوم على عدوانه أكثر من صاحب الأوصاف التي ذكرناها.
وهناك أمر آخر لاءم بين ذكر هذه الصفات، هو أن الصفات المذكورة كلها ذات علاقة بالآخرين، وليست فردية، فالذي لا يحفظ فرجه، إنما يرسله فيما لا يحل له من أفراد المجتمع، وقوله: (غير ملومين) كذلك فغن الملوم يقتضي لائماً، وقد فعل ما يقتضي اللوم من الآخرين، وقوله: (هم العادون) كذلك فإن العادي يقتضي معتدى عليه، ولا يسمى عادياً حتى يكون ثمة معتدى عليه. فالصفات هذه كلها كما ترى ليست فردية. فانظر التناسب اللطيف بينها.
ثم انظر كيف اختار التعبير عن هذه الصفات بالصيغة الاسمية فقال: (حافظون) و (ملومين) و (العادون) للدلالة على ثبات هذه الصفات. فقوله: (والذين هم لفروجهم حافظون) يفيد ثبات الحفظ ودوامه وعدم انتهاكه على سبيل الاستمرار، لأن هذا لا ينبغي أن يخرم ولو مرة واحدة.
ومن فعل ذلك على وجه الدوام فإنه غير ملوم على وجه الدوام، أيضاً فإن خالف ليم على ذلك. والذي يبتغي وراء ذلك، ويلهث وراء الفاحشة، فهو معتد على وجه الثبات أيضاً، وقد يثبت هذا العدوان، فلا يمكن إزالته أبداً، وذلك ببقاء آثاره على نفسه وعلى الآخرين.
فانظر رفعة هذا التعبير وجلاله.
ثم قال بعدها: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)
ليس بالضرورة قد يختلف الحُكم. لو قلنا المسلمات للمسلمين والمسلمون للمسلمات، المسلمات للمسلمين صح والمسلمون يصح أن يكون لغير المسلمات، هذا حكم آخر والحكم الأول مختلف عن الحكم الثاني، ليس بالضرورة أن التكرار بالتقديم والتأخير سيعطي نفس الحكم، قد يأتي حكم جديد فإذن هي ليست نفسها. يعني نقول الضالون للضالات والضالات ربما يكنّ لغير الضالين، هذا ليس حكماً هنا في الآية جمع الحكم وأكّده أن هؤلاء لهؤلاء وهؤلاء لهؤلاء. لكن ما معنى الآية؟ أصلاً هم مختلفون في تفسير الآية فيقولون الكلمات والفعلات الخبيثة للرجال الخبيثين، ومن معناها النساء الزانيات للرجال الزناة، هذا من الآراء وإنما هي مجموعة آراء وكثير من المفسرين يذهبون إلى الرأي الأول أن الكلمات والفعلات الخبيثة لا يقولها ولا يرضاها إلا الخبيثون من الناس، الكلمات الخبيثة من القول للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات يحتمل السياق اللغوي ذكر الصفة ولم يذكر الموصوف. هذا في سياق القذف ففيها كلمات ورمي بالكلمات (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (١٥) النور) هذا قول قذف المحصنات الغافلات (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٢٣) النور)، السياق يحتمل كثيراً هذا المعنى.
*لماذا قدّم تعالى الخبيثات على الخبيثين في سورة النور؟ (د. فاضل السامرائى)
الذوق والمس يأتي للضر وغير الضر، الذوق هو إدراك الطعم والمسّ هو أي إتصال. أما كون المس يأتي مع الشر فغير صحيح لأن المس يأتي مع الرحمة أيضاً (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١) المعارج) (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ (١٢٠) آل عمران) (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ (١٧) الأنعام) وكذلك الإذاقة تأتي مع العذاب ومع الرحمة (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) السجدة) (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا (٤٨) الشورى) (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (١٩) الفرقان) ليس هنالك تقييد في الاستعمال.
آية (٣١):
*الهداية والضلالة: (د. فاضل السامرائى)
فعل الهداية والضلالة: (وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (٢٧) ابراهيم) (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (٣١) الفرقان) (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦) المائدة)
الهداية جاءت بالاسم والفعل أما الضلالة فجاءت بالفعل (ويضل الله من هو مسرف مرتاب) أما في الحديث عن الشيطان (إنه عدو مضل) (إنه يضل) (لأضلنّهم)
صفة الله تعالى الثابتة والمتجددة هي الهداية (وكفى بربك هادياً ونصيرا) وهو يهدي حالته الثابتة والمتجددة هي الهداية ولا يضل إلا مجازاة للظالم. أما صفة الشيطان الثابتة والمتجددة هي الإضلال فجاءت مضلّ بالاسم الثابت وبفعل التجدد. ولم يقل تعالى عن نفسه مُضلّ وإنما قال (يُضل الله الظالمين) مجازاة لهم.
آية (٣٢):
ولذلك لما قال أرسل قال (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ) هم بالآلاف ولما قال ابعث قال (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) يعني أئمة السحرة وقادة السحرة والمهمين بهم، هذا الفرق بين (أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴿٣٦﴾ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) وبين (أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴿١١١﴾ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ). هاتان الكلمتان المختلفتان ترسم صورتين مختلفتين من حيث أن فرعون طلب منه أن يخاطب عامة الناس وأن يخاطب الملأ الأعلى والشخصيات المهمة والطبقة الراقية كما يسمونها الذين هم أنصار الملك.
آية (٣٨):
*(فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (٣٨) الشعراء) (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (٥٠) الواقعة) ما الفرق بين استخدام اللام وإلى؟(د. فاضل السامرائى)
اللام قد تكون للتعليل، من معانيها التعليل مثل قولنا جئت للإستفادة هذه لام التعليل وقد تأتي للإنتهاء. أما (إلى) معناها الأساسي الإنتهاء أما اللام فقد تأتي للإنتهاء وضربنا مثلاً في حلقة سابقة (كل يجري لأجل مسمى) و(كل يجري إلى أجل مسمى). تقول أنا أعددتك لهذا اليوم، كنت هيأتك لهذا اليوم، (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (٣٨) الشعراء) جمعناهم لهذا اليوم لغرض هذا اليوم وما فيه حتى نبين حقيقة موسى - عليه السلام -، أعددناهم لهذا ليوم أما تلك الجمع بمعنى الانتهاء إلى يوم القيامة وقسم يقول بمعنى السَوْق -السَوْق إلى ميقات يوم معلوم- (لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (٥٠) الواقعة) أي مسوقون إلى ميقات يوم معلوم، يخرجون من الأجداث سراعاً يتبعون الداعي لا عوج له ثم يأتون إلى مكان محدد يجتمعون فيه، منتهى الغاية. اللام لا تدل على هذا الانتهاء ولها دلالات أخرى:
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (٣٢) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣)).
من هذين النصين تتبين طائفة من الاختلافات في التعبير أدوّن أظهرها:
النمل... القصص
إني آنست نارا... آنس من جانب الطور نارا
ـــــــ... امكثوا
سآتيكم منها بخبر... لعلي آتيكم منها بخبر
أو آتيكم بشهاب قبس... أو جذوة من النار
فلما جاءها... فلما أتاها
نودي أن بورك... نودي من شاطئ الواد الأيمن
وسبحان الله رب العالمين... ـ
يا موسى... أن يا موسى
إنه أنا الله العزيز الحكيم... إلي أنا الله رب العالمين
وألق عصاك... وأن ألق عصاك
يا موسى لا تخف... يا موسى أقبل ولا تخف
إني لا يخاف لدي المرسلون... إنك من الآمنين
إلا من ظلم... ـــــ
وأدخل يدك في جيبك... اسلك يدك
في تسعِ آيات... فذانك برهانان
ـ... واضمم إليك جناحك ممن الرّهْب
إلى فرعون وقومه... إلى فرعون وملئه
الفؤاد بعضهم قال هو القلب نفسه فالفؤاد هو القلب. وبعضهم قال لا، الفؤاد ليس القلب أي اللب وإنما غشاء القلب. غشاء القلب هو الفؤاد هذا الغشاء لأن العربية دقيقة أحياناً تسمي الأجزاء كل جزء تسميه بإسمه. فالذي يترجح لدينا من وجود حديث للرسول - ﷺ - يترجح أن الفؤاد هو غشاء القلب لكن لما يتحدث عن الفؤاد يعني الغشاء وما في داخله لأن هو أصل الفؤاد من التفؤد ويعني التوقّد والإشتعال والحرقة فكأن القلب هو موضع هذه الأشياء فلذلك إستعمل هكذا في هذا المكان. الحديث يقول - ﷺ - :" أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً" والرسول - ﷺ - كان يحب أهل اليمن ويقول "الإيمان يمان". في اللسان: فأد الخبز في الملّة يفأدها فأداً شواها. القلب يشتوي أحياناً بما يسمع وما يقال له وليس على سبيل الشواء الحقيقي والفؤاد القلب لتفؤده وتوقده وقيل وسطه وقيل الفؤاد غشاء القلب وهذا الذي إخترناه عندما نقول إخترنا هذا المعنى لا نعني أننا نلغي المعاني الأخرى لأن هذا كلام وآراء علمائنا، لكن لنا أن نختار عندما يقال كذا وكذا وعندنا أكثر من رأي للعلماء من خلال إطلاعهم على لغة العرب. الشاهد الذي بين أيدينا يقوي الإختيار: ففي الحديث " أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً" ذكر الفؤاد والقلب وذكر الفؤاد بالرقّة وهي الشفافية الشيء الرقيق واللين للشيء السميك الذي له بُعد فالقلب ليّن والفؤاد رقيق.
لاحظ قبل كل شيء الله ما قال وصينا المؤمنين بل وصينا الإنسان عموماً. يريد الله عز وجل أن يقول أن هذا علاقة الأبناء بالآباء وعلاقة الآباء بالأبناء هي من خصائص هذا الإنسان لا تجد هذه العلاقة بين كل الأحياء الأخرى، الحيوانات نعم هناك أمٌ تعرف أطفالها ولكن الأب لا يهتم من هو ابنه والابن لا يهتم من هو أبوه بل أن الابن لا يهتم من هي أمه وحينئذٍ الأم فقط في المخلوقات الحية هي التي تهتم بأطفالها إلى حين. من أجل هذا هذا من خصائص الإنسان إحترام الأبوين وتقديرهما وتقديسهما وحسن التعامل معهما هذا من خصائص الإنسان لأن الله تعالى وصاه بذلك، رب العالمين هو الذي غرس في هذا الإنسان من جملة عناصر أنسنته عندما خرج من المملكة الحيوانية فوهبه الله سبحانه وتعالى العلم (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴿٣١﴾ البقرة) (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ﴿١٢﴾ التحريم) وحينئذٍ تأنسن الحيوان وحينئذٍ من عناصر أنسنة هذا المخلوق هو أن يكون باراً بوالديه (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ ﴿١٤﴾ المؤمنون). (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) أي العطاء أن تطعمه وأن تسقيه وأن تقدم حاجاته أن تقدم له حاجاته ما يحتاجه من مأكلٍ ومطعمٍ وملبس هذا الإحسان. وفي الآية (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) هذا لا يكون بالعطاء وإنما بحسن التعامل، كيف تحترمه؟ أنت قد تعطي أباك لكنك تشتمه ولا تحترمه أو تتكلم معه بدون احترام هذا أنت أعطيته أنت بريّت به وهذا الفرق بين الحسن والبر. البِرّ أن تعطيها ما تحتاجه وأن تعطي أباك ما يحتاجه، الإحسان أن تعطيه بشكلٍ جيد هذا الفرق بين البر والإحسان.
النصف الثاني من السورة: يتحدث هذا القسم عن غزوة أحد لأنها تركت في نفوس المسلمين أثراً شديدا من جرّاء عصيانهم لأوامر الرسول - ﷺ - ونلاحظ تسلسل قصة غزوة أحد وتثبيت المسلمين تأتي على سياق غاية في الحكمة سبحانه، أولاً يذكر الله تعالى فضله على المسلمين (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ) (الآيات من ١٢١ - ١٢٤) ثم يرفع من روحهم المعنوية فيخفف عنهم ثم يلوم المخالفين لوماً رقيقاً (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (آية ١٥٢) ثم يرفع روحهم المعنوية مرة أخرى (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ
اختلفوا في تفسير الآية فقسم قالوا تكون الحياة من موادها الميتة فيخرج حياة من مواد ميتة من التراب من غيره وقسم قالوا البذرة من الشجرة واالنواة من النخلة والبيضة من الفرخة ويقولون المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن لأن الله تعالى سمى الإيمان حياة والكفر موت (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ (١٢٢) الأنعام) قال قسم من المفسرين يخرج الحي من الميت أي المؤمن من الكافر وتخرج الميت من الحي أي الكافر من المؤمن.
آية (٣٦):
*ما الفرق بين بما قدمت أيديكم وبما كسبت أيديكم ؟(د. فاضل السامرائى)
الأصل في اللغة العربية أن يتقدم الفعل ثم تأتي المعمولات الفاعل والمفعول به والمتعلق من جار ومجرور والتقديم لا بد أن يكون لسبب وهنا قدم (وبالآخرة) وكذلك في البقرة (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) لأن الإيقان بالآخرة صعب ومقتضاه شاق أما الإيمان بالله كثير من الناس يؤمنون بالله لكن قسم منهم مع إيمانه بالله لا يؤمن بالآخرة مثل كفار قريش (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ (٣٢) الجاثية) (إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) سبأ) (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) النمل) وهم مؤمنون بالله (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (٢٥) لقمان) إذن هم مؤمنون بالله لكن غير مؤمنين بالآخرة ولذلك هنا قدم الآخرة لأهميتها فقال (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) الإيمان بالله كأنه متسع لكن اليقين بالآخرة ليست متسعة والتقديم هنا للإهتمام والقصر.
الآية في لقمان تختلف عن الآية في سورة البقرة، صفات الذين تحدثت عنهم سورة البقرة غير صفات الذين تحدثت عنهم سورة لقمان لكن كانت النهاية واحدة (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
حق القول في القرآن معناه ثبت لهم العذاب. القول هو قوله تعالى (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) السجدة). كلمة حق القول إشارة إلى حق القول مني. الذي ورد في القرآن الكريم طبعاً عموم النحاة كلهم يذكرون أن حق القول المقصود به (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) السجدة) أو (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥) ص) حق القول في القرآن الكريم وكذلك حقت الكلمة لم ترد إلا في ثبوت العذاب هذا يمتد في جميع القرآن استقصاء بإلا بمعنى وجب لهم العذاب أو ثبت لهم العذاب مثال (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (٦٣) القصص) (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (٢٥) فصلت) (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (١٨) الأحقاف) (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) السجدة) (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٧) يس) (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧٠) يس) (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (٣١) الصافات) (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ (١٩) الزمر) (وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ
قال تعالى في سورة الأحزاب (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (٢٦)) حالة القتل التي وردت في هذه الآية هي أغرب حالات القتل وأندرهاز والإنسان يدافع عادة عن نفسه، عن ماله، عن عرضه، عن ماله، عن داره، عن أهله، عن أرضه فإذا اجتمعت كلها يدافع عن كل شيء. فكيف إذا جاء أحدهم وقال لك أعطني سيقك لأقتلك وآخذ مالك وأرضك وأموالك وكل ما تملك ؟ هذه تعتبر من أغرب حالات القتل وأندرها. فما بالك إذا كان هذا الشخص في حصن فاقيل له انزل حتى أقتلك ؟ هذه حالة أعجب! والحالة في الآية المذكورة تقول أنه أنزلهم من الحصن وألقوا أسلحتهم وأخذ أراضيهم وديارهم وأموالهم وأولادهم فهل هناك أعجب وأغرب من هذه الحالة؟ كانوا ٦٠٠ رجل في الحصن ألقوا اسلحتهم من غير قتال وكانوا في حالة رعب عجيبة فسلّموا كل ما عندهم سيوفهم ونزلوا من حصونهم وأخذ أرضهم وديارهم وأموالهم وأسر نساءهم وذريتهم فقدّم فريقاً في حالة القتل لأنها حالة عجيبة من الرعب والذعر (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) وصياصيهم بمعنى حصونهم. أما مع الأسر فلا داعي هنا لتقديم فريقاً على تأسرون لأنه ليس هناك مقاتلة وإنما أسروا النساء والأطفال فهذا الفريق الثاني ليس بينهم مقاتل أصلاً وهذه الحالة لا تستدعي التقديم. أما الأولى فهي أعجب وأندر وأغرب حالات القتل.
* ما دلالة استخدام صيغة المضارع في فعل (تقتلون وتأسرون) بينما استخدمت باقي الأفعال في الآية بصيغة الماضي (أنزل، قذف)؟ (د. فاضل السامرائى)
لو قال اشكروا لصار شكراً مفعول مطلق لكن (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا) ما معناها وما إعرابها؟ إعملوا شكراً احتمال مفعول به وليس مفعول مطلق إعملوا الشكر وهو إشارة أن الشكر يُعمَل عمل وليس لساناً فقط إعملوا الشكر مثل اعملوا طاعة الشكر أيضاً عمل أنت إذا لم تعمل بما أعطاك الله من النعم فلست بشاكر ولو بقيت تقول بلسانك الشك لله طول الوقت يعني إذا كان عندك مال ولم تؤدي حقه فلست بشاكر إذن شكر النعمة تأدية حقها وتقول باللسان والعمل فإذن الشكر عمل عندما تعمل شيء في مالك تفيد الآخرين هذا عمل هذا من الشكر هذا الأمر الأول لو قال اشكروا شكراً ليس له هذه الدلالة. الآن قال اعملوا شكراً إشارة أن الشكر هو ليس فقط كلاماً وإنما عمل أيضاً. ويحتمل أن يكون شكراً مفعول لأجله، اعملوا لأجل الشكر أنتم أعطاكم نِعَم فاعملوا لتشكروه اللام لام التعليل، إذن صار مفعولاً لأجله. إذن يمكن أن يكون مفعول به أو مفعول لأجله وقد يكون مفعول مطلق أو حال إعملوا شاكرين المصدر بمعنى الحال مثل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً (١٥) الأنفال) زحفاً حال. إذن اعملوا شكراً فيها جملة معاني وهي مقصودة ومرادة لو قال اشكروا شكراً لكان معنى واحد تحديداً بينما هنا المفعول به والمفعول لأجله والمفعول المطلق والحال أيُّ الأشمل؟ اعملوا أشمل اتسعت دائرة الدلالة. وأيضاً قال اعملوا وليس افعلوا لأن العمل بقصد ولو قال افعلوا آل داوود شكراً ليس بالضرورة أن يكون بقصد (إنما الأعمال بالنيات) الله تعالى حكمه عام كيف يشاء لا أحد يحاسبه.
فى إجابة أخرى للدكتور فاضل:
فحينئذٍ رب العالمين يضرب المثل للصالحين من عباده بأنكم ستأخذون جزاءكم كاملاً ولن تظلموا بقدر هذه النقطة التي في ظهر النواة التي تتركها في فمك تمصها كلنا لما نأكل التمر بجميع أنواعه نتركها في فمنا إلى أن نظل نمص بالنواة إلى أن نخرجها من فمنا بتلذذ ثم نرميها بمهل قد ما هي عنده محترمة قال (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) فعندما رب العالمين يضرب للناس مثل بالقلة وناس وسخين في أعمالهم وسلوكهم قال (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) لما يضرب المثل لناس صالحين ناس حلوين يضرب لهم المثل بشيء حلو وجميل أحلى ما في هذا الكون هو التمر وأحلى ما في التمرة عندما تمص النواة لاحظ فالذواقة في أكل التمر يتلذذ في أنه يلوك بالنواة في فمه إلى أن يلقيها بشكل رقيق. إذاً هذا الفرق بين (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) و (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا). ثم يقول تعالى (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) القطمير الغشاء الشفاف الذي على النواة ما قيمته هذا؟ فرب العالمين لما تكلم عن الملوك قال أنا رب العالمين أنا الذي أنعمت عليكم كل هذه النعم وملكي لا حدود له هذا الذي تعبده ما الذي لديه؟ حتى قطمير ما يملك، هذا الصنم أو العبد أو آلهتكم التي تصنعونها التي تدعونها من دون الله لا يملكون من قطمير، هذا ضرب المثل باللاشيء. القطمير شيء شفاف يكون غشاء النواة غشاء وحينئذٍ ماذا يمكن لك أن تجني من هذا الغشاء؟ (مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ).
آية (١٤):
*انظر آية (١٢). ؟؟؟
آية (١٨):
*هل الإنذار خاص بالكافرين في القرآن؟(د. فاضل السامرائى)
فرق بين إنك رسول وإنك من المرسلين، قوله (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) يدل على أنه واحد من جماعة مشتركين في هذا الوصف، أنه واحد منهم واحد من الأنبياء، لو قال إنك رسول هذا إخبار بالصفة بغض النظر إذا كان أحد يشاركه أو لا يشاركه، ذكر صفته التي يكذبونها هم أنه رسول بينما قال (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) يعني أنت واحد من جماعة أرسلوا بهذا الأمر. يعني فرق أن تقول هو ناجح أو هو من الناجحين، هو ناجح يعني أنه نجح بغض النظر عما إذا كان هناك ناجح آخر غيره قد لا يكون هناك ناجح غيره بينما من الناجحين يدل على أن هناك من اشتركوا بهذا الوصف، هو ناجٍ تحتمل أن يكون هو الوحيد الناجي أما هو من الناجين قطعاً يكون هناك ناجون آخرون (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) هود) إبن نوح ليس هو المغرَق الوحيد. إذن (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) يدل على أنه هو واحد من جماعة وليس بدعاً من الرسل (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ (٩) الأحقاف) أنا سائر في هذا الطريق كما سار غيري من الأنبياء أنا واحد منهم لست بدعاً.
آية (٤):
(عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (٤))
*ما دلالة ترتيبها مع ما قبلها؟
(يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (٤)) هذا التعبير من حيث الترتيب النحوي واللغوي يحتمل أمرين: يحتمل أن يكون خبراً بعد خبر والأخبار قد تتعدد (إنك لمن المرسلين وإنك على صراط مستقيم)
أخبروا باثنينِ أو بِأكثَرا عن واحدٍ كَهُم سَراةٌ شُعَرَا
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) جاءت النجدة: تسبّح وتلجأ إلى الله سبحانه وتعالى في كل ضيق وفي كل شدة وهذا درس ولولا ذلك للبث في بطن الحوت إلى يوم يبعثون (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (١٤٨)) الكلام ابتعد لا يستقيم أيضاً أن يقول (وتركنا عليه في الآخرين) لأن الكلام صار على قومه والسفينة وانتقل الكلام ولا يستقيم أن يقول (وتركنا عليه في الآخرين). إنتقل الكلام (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (١٥٠) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٥٧)). حين كان الكلام متصلاً بالنبي ذكر (سلام على فلان في العالمين) ولما ابتعد الكلام عنه أرجأ كلمة السلام لأنه قال عنهما أنهما من المرسلين فجاءت الآية في آخر السورة (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٢)) كلهم ومن ضمنهم لوط ويونس عليهما السلام. لكن بتأخير نظم الكلام أو جاء لما وقع منهما كما ذكرنا.
الآن داوود عليه السلام حكم (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) ثم لما إختفى الجميع فجأة علِم أنهم ملائكة جاءوا يعلّمونه كما جاء حبريل - عليه السلام - يعلم المسلمين أمور دينهم ثم إختفى، علِم داوود أنه قد إمتُحِ، ولم ينجح في الإمتحان و(وظنّ) بمعنى تيقّن (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ﴿س﴾(٢٤)) لاحظ التعقيب يؤكد (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (٢٥) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦)) وليست القضية قضية نسوان. القضية قضية حكم (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (٢٥) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) لذلك وهذا مبدأ عام عند المسلمين أن القاضي مهما تبيّن له أن الذي يعرض عليه المشكل أنه هو صاحب الحق لا يقضيه حتى يسمع الثاني لذلك ضربوا في الأمثال إذا جاءك من فُقئت عينه فلا تقضي حتى تسمع من الثاني فربما فقئت عيناه. فإذن هذا درس للمسلمين لذلك السجدة ما دامت ثبتت بالمصحف نسجد ونفقأ عين الشيطان لأن الشيطان يبكي يقول أُمروا بالسجود فسجدوا وأُمرت بالسجود فلم أسجد. والنية عند هذه السجدة هي نسجد لله تعالى كأي سجدة أخرى.
آية (٣٠):
*ما هو إعراب كلمة نِعْمَ؟(د. فاضل السامرائى)
في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر. (من عندنا) يستعملها خاصة و (منا) عامة. حتى (نعمة منا) و (نعمة من عندنا)، يستعمل (منا) عامة و (نعمة من عندنا) خاصة مثل (فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ (٤٩) الزمر) (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ (٨) الزمر) (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ (٣٥) القمر).
آية (١٠):
*ما الفرق بين (عباد) و(عبادى)؟(د. فاضل السامرائى)
الجعل في الغالب حالة بعد الخلق فالخلق أقدم وأسبق. جعل الزرع حطاماً ليست مثل خلق الزرع حطاماً. جعل بمعنى صيّر، هو خلقه ثم جعله (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ (٦٠) المائدة) لا يعني خلقهم وإنما يعني صيّرهم. إذن في الغالب الجعل بعد الخلق (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (١٢٤) البقرة) صيّره إماماً وليس خلقه إماماً. إذن هذا الأمر العام ولذلك كل (جعل زوجها) بعد الخلق، نلاحظ في سورة النساء قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء (١)) هذا في آدم وحواء، هذا خلق. (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) الأعراف) هذه ليس آدم وحواء وإنما بعد، ذاك خلق وهذا جعل، جعل هذه زوج هذه. في سورة الزمر قال (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)) خلقكم من نفس واحدة آدم وهذا الأصل لكن جعل زوجة جعل فلان زوج فلان، (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) يقصد حواء و (جعل منها زوجها) الكلام عن الذرية فلما ذكر حواء قال (خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) ولما ذكر الذرية قال (جعل منها زوجها).
في سورة الحج (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)) قال قبلها (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ (٤٥)) الذي قبلها سبب لما بعدها ووراءها (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (٤٧)).
بالنسبة للواو قال تعالى في سورة الروم (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩)) قبلها هل هو سبب لما بعدها؟ ما قبلها (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (٨)) ليست سبباً لما بعدها.
خلق تعالى الأرض أولاً ثم خلق السماء ثم قال (قال لها وللأرض إئتيا طوعاً أو كرهاً) لم يقل (لهما) لأن كل واحدة تختلف في كيانها عن الثانية فأُريد أن يُعطى لكل واحدة كيانها الخاص. ولما كان الحديث عن السماء (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) لأن العبارة تتحدث عن السماء ولو قال (لهما) فيه نوع من الإيجاز المُخِلّ لكنه تكلم عن السماء (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) إبتعد الكلام عن الأرض (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ (١٠)) ابتعدت كلمة الأرض فقال (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) ذكر الأرض التي سبق الكلام عليها وإلا يكون هناك إيجاز مُخِلّ.
آية (١٤):
*ما دلالة استخدام كلمة ربنا في السؤال والله في الجواب وكلمة أنزل في السؤال في الآية (إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (١٤) فصلت)؟(د. فاضل السامرائى)
يقال : عفا عن أخيه وعفا عن ذنبه. العرب تستعمل الإثنين معاً. عفا عن أخيه بمعنى صفح، وعفا عن ذنبه أيضاً بمعنى محى ذنبه ويبقى فكرة الانفصال هذه، عفا عن السيئة بمعنى فصل السيئة عنه أي أبعدها عنه ومحاها.
(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ): الفعل (قبِل) استعمل باستعمالات متعددة في القرآن الكريم بهذه الصور بعده حرف الجرّ : إما تأتي اللام جاءت مرة واحدة (لا يقبل له) بمعنى قبل له وقبل منه، وقبل عنه وقبِله بدون حرف جر. والفعل متعدٍّ يقال قبل الشيء وقبل لك الشيء وقبل منك وقبل عنك. في القرآن استعمل في موضع (قبل له) واللام للملك، ومواضع أخرى متعددة استعمل (منه) وثلاثة مواضع استعمل (عنه) هذه المواضع الثلاثة التي استعمل (عن) كلها يجمعها أن الكلام فيها من الله تعالى عن نفسه إما بصيغة الغائب أو المتكلم أما المواطن الأخرى تكون بالبناء للمجهول أو على لسان أحد من عباده.
صراط الجحيم يعني طريق الجحيم، هذا المستقيم الصراط هو الطريق الواسع والمستقيم وصف آخر للصراط، المستقيم هو أقرب الطرق الموصِلة إلى المراد أيّاً كان هذا المراد فهو أقرب الطرق إليه فليس هنالك أقرب منه طريق قويم ومستقيم وأقصر الطرق الموصلة إلى المراد ولا يحمل إيجاباً أو سلباً أو وصفاًً طيباً أو غير طيب. المستقيم الاستقامة أنه طريق مستقيم قويم التي توصلك إلى المطلوب بأقصر طريق وأقرب وأيسر طريق.
(فاستقم) استقم معناها كن معتدل الأمر لا تميل إلى الباطل أو كذا ما أراد ربنا من الأمور القويمة.
طبعاً لا يمكن. (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) و (عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) كل واحدة وردت في موطن بينما وردت في يس معاً كل واحدة في سياقها (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) في سورة البقرة في سياق إثبات الرسالة وليست في سياق الدعوة بينما في الزخرف في سياق الدعوة ثم ذكر أنه رسول (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ).
آية (٤٦):
* ما الفرق من الناحية البيانية في استخدام لفظة ( إنّا رسول، إنّا رسولا، إني رسول) في قصة موسى وهارون؟(د. فاضل السامرائى)
ورد مثل هذا التعبير في ثلاث مواقع في القرآن الكريم: قال تعالى في سورة طه (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴿٤٧﴾) وفي سورة الشعراء (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٦﴾) وفي سورة الزخرف قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٤٦﴾).
أولها (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣)) ثم يقول (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٩)) هذه أوائل السورة، نلاحظ ماذا يقول في الآخر (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (٣١)). (تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ) هذا في الآخر، في الأول (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا) هذا تناسب طيب. قال (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا) يصف الأفاك الأثيم في الأول والأفّاك صاحب الإفك أي الكاذب، ذكر أموراً وصف الأفاك الأثيم بها. في الآخر قال (ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥)) وفي الأول (وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا) هذا عن الأفاك الأثيم، هذا تناسب جيد ظاهر. هزوا بمعنى استهزاء وسخرية. في البداية قال (أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٩)) وفي الآخرة (فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥)) العذاب يكون في النار فاليوم لا يخرجون من النار أي خالدين ولا يقبل منهم اعتذارٌ أصلاً وهذا عذاب مهين.
ختام السورة: مراجعة العقود يوم القيامة: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩)).
وقد اشتملت السورة من أولها إلى خاتمتها بالعقود وأهمية الوفاء بها: بداية السورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ (١)) ووسطها (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧)) ونهايتها (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(١١٩)).
وآخر سورة المائدة مرتبط بأول السورة ايضاً (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(١١٩)) فالذين يصدقون هم الذين يوفون بالعهود وهم المؤمنون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ(١)).
***من اللمسات البيانية فى سورة المائدة***
آية (١):
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ (١) المائدة) لِمَ أمرنا الله تعالى الوفاء بالعقود ولم يقل لنا إلتزموا أمر الله؟ (ورتل القرآن ترتيلاً)
إذن (نزّل) سيكون معناها أهمّ من (أنزل)، كيف تكون أهمّ؟ ولماذا غاير بين الصيغتين؟ قال تعالى (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ) تنزيل القرطاس يوحي بصورتين: إما أن ينزل القرطاس وحده من السماء ثم يأتي إلى يد الرسول وإما أن ينزل به ملك ثم يسلمه للرسول. إذن تنزيل القرطاس وحده أعجب، أن ينزل القرطاس من السماء ثم يأتي بنفسه ليد الرسول عجيب، الملك عاقل. (وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا) سيكون أمرين: قرطاس وحده عجيب أن ينزل أو ينزل به ملك أهمّ وآكد من إنزال ملك وحده إذن كيفما أخذناها ستكون أعجب ثم قال (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ) تنزيل القرطاس أمر ظاهر أما الملك فكيف يرونه؟ تنزيل القرطاس أهمّ وآكد وأغرب من تنزيل الملك لذا قال نزّلنا وأنزلنا.
*ما الفرق بين المعنى هنا وقوله تعالى فى سورة الإسراء (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل)؟
الفرق ليس في المرتبة، هنا عندنا فعل أنزل ونزل، أنزل فعل متعدي ونزل فعل لازم (نزل من تلقاء نفسه). وهناك فرق بين أنزل ونزّل، قسم يقولون أنزل أي كله جملة واحدة ونّزل منجماً لكن قسم من النحاة ردوا على هذا القول وقالوا ربنا تعالى قال (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً (٣٢) الفرقان). وقسم قالوا أنزل عام ونزّل خاص. قسم قالوا عموماً أنزل يكون لما أُنزل جملة واحدة ونزّل بالتدريج ولذلك قالوا أنزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا دفعة واحدة.
قصة آدم عليه السلام في سورة البقرة تبدأ من أقدم نقطة في القصة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴿٣٠﴾) لم تُذكر هذه النقطة في أي مكان آخر في القرآن وهي أول نقطة نبدأ فيها القصص القرآني:
القصة في سورة البقرة واردة في تكريم آدم عليه السلام وما يحمله من العلم والقصة كلها في عباراتها ونسجها تدور حول هذه المسألة فهل كان التكريم لآدم أو لما يحمله من العلم؟
وقوله تعالى (علّم آدم) ينسحب على ذريته في الخلافة في الأرض. والخلافة تقتضي أمرين: الأول حق التصرف (خلق لكم ما في الأرض جميعا)، والثاني القدرة على التصرف وهل هو قادر على القيام بالمهمة أو لا (أثبت القدرة بالعلم). وهل الإنسان أكرم من الملائكة؟ الإنسان الصالح التقي المؤمن أكرم عند الله تعالى من الملائكة (ولقد كرّمنا بني آدم) فالله تعالى كرّم الإنسان بالعلم والعقل.
أما في سورة الأعراف فورود قصة آدم ليست من باب التكريم (قليلاً ما تشكرون) عتاب من الله تعالى على قلة شكرهم.
إفتتاح كل قصة:
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴿١٠﴾) سورة الأعراف ثم قوله تعالى (قليلاً ما تشكرون) فيها عتاب وهذا لم يرد في البقرة.
التكريم في البقرة أكبر وأكثر مما هو عليه في الأعراف (قليلاً ما تذكرون) في الأعراف.
هناك شهوات آسرة فأنت عندما تسمع كلام النبي ﷺ (لعن الله شارب الخمر وحاملها وعاصرها وبايعها والمحمولة إليه وووالخ) (لعن الله من نظر إلى المرأة ومن اختلى بها ومن لمسها وووالخ) هذه المنظومة الهائلة من الشهوات الآسرة (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (١٤) آل عمران) قال (احذروا) تنزلقون بسرعة فكُن مع السُنة ما الذي يقوله لك النبي ﷺ لا تختلي لا تهمس لا تكلم لا تلمس لا تخضعي بالقول انظر ماذا احتاط النبي ﷺ في سنته لمنظومة الشهوات الآسرة والآية تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٩٢) المائدة) إذاً (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) وأطيعوا الرسول طاعة ثانية طاعة خاصة بالرسول ﷺ في سننه فيما أمر فيما شرع فيما نهى واحذروا عندما ينهاكم لأنه ينهاكم عن مزالق كثيرة.
الأسلوب الرابع:
الثمن القليل جاء حيثما ورد في الكلام عن حق الله سبحانه وتعالى ومعنى ذلك أن العدوان على حق الله سبحانه وتعالى مهما بلغ فهو ثمن قليل. لما يكون الكلام عن الآيات (وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) البقرة) أي ثمن يناسب آيات الله عز وجل؟ لا شيء. فكل ثمن هو يقل في شأن آيات الله سبحانه وتعالى. (اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩) التوبة) أياً كان الثمن فهو قليل. فحيثما ورد الكلام عن آيات الله وعن عهد الله سبحانه وتعالى كله ثمن قليل لا يقابل. وليس معنى ذلك ثمن قليل أنه يمكن أن يشتروا به ثمناً كثيراً. كلا، وإنما بيان إلى أن هذا الثمن الذي أخذتموه لا يقابل آيات الله فهو قليل في حق الله سبحانه وتعالى وكل ثمن يؤخذ مقابل ذلك فهو قليل مهما عظُم لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً. لما يقول (وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) البقرة) أي ثمن سيكون قليلاً مقابل التضحية بآيات الله سبحانه وتعالى. لا يُفهم أن أشتري به ثمناً كثيراً لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً: ستأتي آيات أنهم اشتروا بها ثمناً قليلاً أياً كان الثمن عظيماً سمّاه قليلاً. ً مع آيات الله سبحانه وتعالى فمهما كان الثمن فهو ثمن قليل (ليشتروا به ثمناً قليلاً) أياً كان الثمن فهو قليل.
في تسع آيات وصف الثمن بأنه قليل تحقيراً لشأنه وتهويناً من قدره، تسع آيات تتحدث عن الشراء بثمن قليل: إما أن ينهاهم عن ذلك أو يثبته لهم بأنهم فعلوا ذلك وما قبضوه قليل. أما في قضية الوصية والشهادة فتركه مجملاً (ثمناً) ليشمل كل الأشياء المادية والمعنوية وحتى لا يكون هناك نوع من التحايل.
أقصى ما قال في الآية الثانية في سورة المعارج (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) هذه يشاهدونها، يسرعون إلى أصنامهم حالة مألوفة لكن لما قال (إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ) هذا غير مألوف شديد النكارة غير معروف (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨)) أيها الإنسب لمن يعرف اللغة أين نضع خشعاً وخاشعة؟ يضعها في مكانها هذه موازين كالمعادلة الرياضية قدم خشعاً وخاشعة على الإبصار أما في آية (أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (٩) النازعات)هذه إخبار مبتدأ وخبر.
آية (٢٤):
*في قوله تعالى على لسان فرعون (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤) النازعات) هل كان فرعون يتكلم العربية؟ هل كان الأنبياء يتكلمون باللغة القرآنية الفصحى؟ وهل الصحابة كانوا يتكلمون اللغة العربية الفصحى؟(د. فاضل السامرائى)
أدق ترجمة لما كان يقوله القدامى بأسلوب فني رفيع. (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (٤) إبراهيم) لكن رب العالمين يترجمه بحسب السياق وحسب ما يرد لكن ترجمة دقيقة كما يحصل عندنا الآن مثل رباعيات الخيام على سبيل المثال ترجمت عدة ترجمات ترجمت شعراً ونثراً لا نقول هذه ترجمة صحيحة وغير صحيحة لكن نقول هذه ترجمة أفضل من ترجمة من حيث الصياغة والتراكيب والتعبير. فإذن القرآن يترجم بأسلوب فني بحسب ما يقتضيه المقام والسياق فيختار الكلمات بحسب ما يقتضيه السياق فهي أدق ترجمة ثم يمثل ما ورد في الحادثة كما هي لكن مصوغة بأسلوب فني رفيع عالي مناسب للمقام. الكلام من عند الله تعالى ترجمة دقيقة للموقف لكن اختيار الكلمات مصوغة صياغة فنية معجزة.
آية (٣٤):
*ما الفرق بين أتى وجاء في سورة مريم (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧))؟(د. فاضل السامرائى)
قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) المائدة) في القرآن يستعمل (من) مع الجهة التي يُتقبّل منها والتي يصدر عنها العمل (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا (١٢٧) البقرة) أي نحن الجهة التي يصدر من عندنا العمل. لما يقول (عنهم) يتكلم عن العمل نفسه. في الأحقاف قال (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) ذكر العمل، أحسن ما عملوا أي العمل الصادر عنهم، يتقبل أحسن ما عملوا. يأتي بـ (عن) مع العمل الصادر و(من) مع الجهة التي تعمل العمل، مع الأشخاص. (عن) مع الشيء المتقبل في حد ذاته و(من) مع الشخص المتقبّل منه (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي (٣٥) آل عمران) (فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ (٢٧) المائدة) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ (٣٦) المائدة) من الشخص، (قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) المائدة) ربنا يستعمل (من) مع الجهة التي تعمل العمل صاحبة الشيء إنما (عن) مع العمل نفسه الذي يقبل الله عز وجل.
د. حسام النعيمى :
التعزير القوة والنصر، عزّره أعانه، نصره، قوّاه. أما التوقير فهو التعظيم. فإذن التعزير فيه معنى التأييد والنصر وذلك قالوا كل الضمائر تعود على الله سبحانه وتعالى (لتعزروه) أي تنصروه بالسيف (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ (٧) محمد) وتوقّروه تعظموه، وتسبّحوه وإن كان قسم قال تعزروه وتوقروه للرسول - ﷺ - وتسبحوه لله تعالى. الخلاف على من يعود الضمير؟ ليس بالضرورة أن يعود الضمير على الأقرب فقد يعود الضمير على الأبعد (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا (١١) الجمعة) التجارة أبعد لكن ما يقتضيه المعنى. (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) لما قال (وَتُسَبِّحُوهُ) هذه خالصة لله تعالى. قسم قال كل الضمائر تعود لله التعزير النصر والنصر لله (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ (٧) محمد)، توقروه تعظيم والتعظيم لله (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ (٣٢) الحج) والتسبيح لله فكلها تعود على الله. وقسم قال تعزروه وتوقروه للرسول وتسبحوه لله. أنا أميل أن الضمائر تعود على الله تعالى التعزير والتوقير والتسبيح لله لأن اللغة تحتمل.
*ما دلالة قوله تعالى (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ (٩) الفتح) بدون الباء مثلما جاءت فى سورة التوبة (بالله وبرسوله) ؟(د. أحمد الكبيسى)
خاتمة سورة ق في يوم الحشر وكذلك في أول الذاريات. في أواخر ق قال (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢)) وفي الذاريات (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (٦)) كأنما استكمال لـ ق. واستمر في الذاريات ذكر عاقبة المكذبين وعاقبة المؤمنين (يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)) (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥)) كذلك في ق ذكر الصنفين (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤)) تقابل المكذبين (يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)). (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤)) في مقابل الكفار يسألون أيان يوم الدين (يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣))، ألقيا في جهنم – يوم هم على النار يفتنون. ثم ذكر (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥)) مقابل (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١)) في سورة ق، المشهد هؤلاء الحشر في الآيتين ثم ذكر الصنفين الكفار والمؤمنين في الآيتين وجزاء كل منهما.
سؤال: هل يمكن للدكتور أن يشرح عن الملكين رقيب وعتيد وكيف يسجلا أعمالنا؟
هما ملكان، هذه صفتهما، رقيب يرقب قوله وفعله ويكتب ما كان خيراً أو شراً فإذا كان خيراً فهو صاحب يمين وعتيد يعني حاضر مهيأ، العتيد يعني الحاضر (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً (٣١) يوسف) يعني جهزت، عتيد يعني جاهز للكتابة، رقيب وعتيد وصفان لملك هناك ملكان عن يمين وعن يسار لكن كلاهما رقيب عتيد كلاهما مهيأ ويكتب. كيف يكون علماً وكل المليارات من البشر؟ إذن هذا وصف للملك.
عسى طمع وترجي وذكرنا (فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ (٥٢) المائدة) يكون الإنسان راجياً يقول (قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ (٢٢) القصص) وقد تأتي للتوقع (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢) محمد) هل عسيتم أي هل توقعتم أن تفعلوا. الفيصل في تحديد المعنى هو السياق والمعجم يعطي معنى الكلمة مفردة. ولا يصح الإستناد إلى المعجم وحده للفهم حتى في كل اللغات لا يمكن ترجمة النص من مجرد المعجم وإنما السياق.
آية (٢٤):
*ما دلالة (أم) في قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤) محمد)؟ هل هي متصلة أو منقطعة؟(د. فاضل السامرائى)
تكلمنا في الحلقة الماضية على مفتتح سورة الحديد (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وذكرنا بعض الأمور التي تتعلق بالتقديم والتأخير وذكر (ما) وعدم ذكرها وتوقفنا في نهاية الحلقة عند (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وقلنا أن معنى العزيز هو الغالب الممتنع والحكيم فيها إحتمالان فعيل من الحِكمة أو من الحُكم. الحكمة هي وضع الشيء في محله قولاً وعملاً ويقولون (توفيق العلم بالعمل). بالنسبة للناس إذا يتكلم واحد في غير مكانه وفي غير مقام فهو ليس بحكيم وإنما ينبغي أن يختار الوقت المناسب مع الأشحاص المناسبين ويتكلم بما هو في مستواهم ولا ينبغي أن يقول شيئاً ويفعل ضده فهذا ليس بحكيم. إذن الحكمة وضع الشيء في محله قولاً وعملاً. والله تعالى ذو الحكمة البالغة. الحكيم فيها اعتباران: قد تكون من باب الحكمة (الحكيم) وقد تكون من باب الحُكم (حكيم) والآية تجمعهما معاً وهذا يسمى باب التوسع في المعنى. أحياناً يؤتى بكلمة واحدة أو تعبير واحد يجمع عدة معاني كلها مرادة داخل سياق واحد. إذا أردت أن تعيّن لا بد أن تأتي أما بتعبير ذي دلالة واحدة قطعية أو تأتي بأمور أخرى حتى تصل إلى هدفك. مثال قوله تعالى: (وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا (١٦٠) النساء) ما المقصود؟ كثيراً من الناس؟ كثيراً من الصدّ؟ كثيراً من الوقت؟ يحتمل ولا يوجد قرينة سياقية تحدد أحدها وإنما أرادها الله سبحانه وتعالى جميعاً يصدون كثيراً من الناس وكثير من الصدّ، هذا يسمى التوسع في المعنى. (بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥) الفتح) هل قليلاً من الفهم؟ قليلاً منهم؟ يحتمل وهي مرادة. (
الحذف هناك يختلف عن الحذف هنا بحسب السياق. هناك حذف أهل وهنا حذف أهل. هناك فارق في الصورة هناك (وإسأل القرية) إخوة يوسف كانوا متهمين بأنهم ليسوا صادقين لأن عند أبيهم تجربة سابقة معهم لما جاءوا وقالوا أكله الذئب يوسف وهو لم يأكله فالآن يقولون إبنك سرق وقد يكون كذباً كالذئب فقالوا: (واسأل القرية التي كنا فيها) صحيح هي أهل القرية لكن كأنهم يريدون أن يقولوا له أن صدقنا ثابت في القرية حتى بجدرانها، حتى بحيوانها، إسأل القرية كاملة، القرية التي كنا فيها والبلدة كأنها جميعاً تشهد لنا ليس بناسها فقط وإنما حتى بجدرانها. وهذا ينسحب على العير أي القافلة (والعير التي أقبلنا فيها) العير ومن عليها ومن معها ومن فيها لأنهم كانوا يشكّون في أنفسهم. أما في آية سورة الذاريات (غير بيت) لو قال : غير أهل بيت تكثر. أهل البيت تصير كثير: القرية من بيوت فأراد أن يبيّن قلة الذين إتّبعوا لوطاً - عليه السلام - فقال (غير بيت) واحد ولو قال أهل بيت: الأهل مجموعة فتكون الصورة فيها كثرة فحذف هنا. هنا أراد الحذف حتى يبيّن القِلّة وهناك (في سورة يوسف) حذف حتى يبيّن الكثرة. ولكل حذف مكان بحسب السياق والله أعلم.
د. أحمدالكبيسى :
فى قوله تعالى عن قوم لوط (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٣٥﴾ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٣٦﴾الذاريات) يعني أي واحد يقرأ الآية يقول كيف استعمل المؤمنين أولاً ثم يرجع رجوع على المسلمين كأن قوم لوط لم يكن فيها مؤمنين كان فيها مسلمون فما الفرق؟ الأخت تقول عرفت وهو أن المؤمنين الذين هم آمنوا إيمان عام لكن (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي لوط لأن لوط نبي وهو من المسلمين ذلك الإسلام المطلق فكانت مداخلة جميلة.
آية (٤٠):
لا نعلم، ربما لمن هو دونهم. كل من يقول لا إله إلا الله موحد يدخل الجنة. الجنان هي جنان وذكر الآن جنتين، جنتان هما بستانان خارج القصر وداخله الجنة بمعنى البستان وذكر القدامى أنه تكرر فبأي آلآء ربكما تكذبنان في كل جنة ثماني مرات على عدد أبواب الجنة وأبواب الجنة ثمانية كما في الحديث. الأبواب هي واحدة.
استطراد من المقدم: ربما يكون المكان واحد لكن الدرجة وما بها من مميزات تختلف من واحدة عن الأخرى.
بالطبع (لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ (٤) الأنفال).
*(وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦) الرحمن) فما معنى جنتان؟ وهل هي جنة واحدة أم جنتان؟(د. فاضل السامرائى)
الجنة هي البستان (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ (٣٥) الكهف) (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ (١٧) القلم) داخل الجنة التي هي دار السعادة عموماً بساتين، لكل واحد عنده أكثر من جنة. الجنة معناها البستان وهي مفردة. ثم أطلقت على دار السعادة عموماً الجنة بما يقابل جهنم دار الشقاء وهي تضم ثماني درجات أما النار فسبعة. كل واحد في منزلته هو أكثر من جنة (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) بستانين في منزلته هو خاصة به، (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (٦٢) الرحمن) أي تحتهما وأقل منهما. ليس كما يقال أن الكافر كان له جنة فكفر فأخذها المؤمن. المهم له جنتان في منزلته هو، داخل قصره بستان وخارج قصره بستان كما يقولون.
آية (٥٤):
* ما دلالة استعمال الوصف (متكئين) لأهل الجنة خاصة؟(د. فاضل السامرائى)
الاتّكاء غاية الراحة كأن الانسان ليس وراءه شيء لأن الانسان لو وراءه شيء لتهيّأ له ولم يتكيء. والاتّكاء في القرآن ورد مع الطعام والشراب ومع الجلسات العائلية هذا أكثر ما ورد إلا في موطن واحد في سورة الكهف.
هذا سؤال صرفي يُدرس في الصرف ويسمى الإبدال عندما نصيغ على صيغة (افتعل) وتقلباتها مفتَعل ومفتعِل، والمشهور أن افتعل تأتب بالتاء مثل اختبر واجتهد واشتهر لكن مع بعض الحروف لا تأتي التاء فتُبدل دالاً (مع الدال والذال) مثلاً اذتكر هي صيغة افتعل من ذَكَر والمفروض أن نقول (مذتكر) هذا هو القياس وكذلك ادّعى المفروض أن نقول (ادتعى) على وزن افتعل لكن العرب تستثقل هذا فتُقلب الذال والدال دالاً فمع الزاي ومع الدال ومع الذال تتحول إلى دال تصير مذدكر ثم الذال تتحول إلى الدال وتدغم فتصبح مدّكر على وزن مفتعل. فيقولون (مدّكر) و(وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يوسف) بمعنى ذكر. وتبدل طاء مع الصاد والضاد مثل (اصطبر) والقياس (اصتبر) بالتاء يبدلون التاء طاء وكذلك اطّلع (اضتلع). ليس هناك في المعجم دكر وإنما ذكر وهذه قاعدة صرفية.
آية (١٩):
*ما الفرق بين كلمة ريح ورياح في القرآن الكريم؟(د. فاضل السامرائى)
كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر كما في قوله تعالى في سورة القمر (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ ﴿١٩﴾).
أما كلمة الرياح فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات كما في قوله تعالى في سورة النمل (أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿٦٣﴾).
*ما الفرق بين التزكيتين (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (٩) الشمس) (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (٣٢) النجم) وما معنى التزكية في القرآن الكريم؟(د. فاضل السامرائى)
كثير من الكلمات يسمونه من المشترك اللفظي بحيث له أكثر من معنى يصح في حال وآخر قديكون منهياً عنه. زكّى نفسه بها معنيين: طهّرها ومنه الزكاة (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا (١٠٣) التوبة) والزكاة هي النماء في الحقيقة والتطهير شيء آخر. قد أفلح من زكاها أي طهّر نفسه. (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ) زكّى نفسه أي نسبها إلى التزكية قال أنا جيّد أنا خير من كذا ففي هذه الحالة لا يجوز فقال تعالى لا تزكوا أنفسهم لا تقولوا أنا أحسن من هذا أنا أفضل لأنه تعالى أعلم بمن اتقى. مثل فعل قوّم بمعنى عدّل وقوّم بمعنى أعطى للشيء قيمة كم تقوّم هذه الساعة مثلاً؟ أو هذه السلعة؟ ثوّم السلعة أي بيّن مقدار قيمتها. قوّم ولا تقوّم يعني عدّلها لكن لا تقوم قيمتها فإذن هذه من المشترك وكل واحدة لها معنى. قد أفلح من زكاها أي طهّرها، لا تزكوا أنفسكم أي لا تفتخر بنفسك وكل واحدة لها معنى.
استطراد من المقدم: لاحظت أنك تقول مشترِك لفظي لا مشترَك فلماذا؟ يقال مشترِك، اشترك فعل لازم ليس متعدياً فاللازم إما أن يُبنى على حاله إذا جعلنا إسم المفعول يجب أن نقدر هنالك شيء إما جار ومجرور مشترك في التعبير كما نقول اشترك في كذا فيصير مشتَرك فيه يعني مشترَك في شيء أي المشترَك في أمر من الأمور أما إذا اشترك في المعنى يصير مشترِك لو قدّرنا الفعل لازماً بدون تقدير نقول مشترِك كما في قوله (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) الصافات).
آية (٤٥):
إضافة لما ذكره الدكتور عن آيات سورة الواقعة التي ربنا تحدث فيها (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠)) بمعنى أن هذا الحيوان المنوي نحن قادرون على أن نميته وهذا تحدي وكذلك بالنسبة للزرع (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥)) أنه تحدي كذلك ولما ذكر تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (٧٠)) هذا تحدي أيضاً لأن الماء المالح غير صالح للشرب أما النار فتغير الأسلوب وقال (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (٧٣)) ربنا لا يريد أن يطفئ هذه النار حتى تبقى تذكرة للناس بالعذاب إلى يوم القيامة.
آية (٥٠):
*(فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (٣٨) الشعراء) (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (٥٠) الواقعة) ما الفرق بين استخدام اللام وإلى؟(د. فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الأنبياء (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴿٩١﴾) وقال في سورة التحريم (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴿١٢﴾)
بين هاتين الآيتين أكثر من نقطة يجب الإلتفات إليها وهي كما يلي:
١. في سورة الأنبياء لم يذكر اسم مريم عليها السلام بينما ذكره في سورة التحريم. والسبب في ذلك هو أنه أولاً في سورة الأنبياء كان السياق في ذكر الأنبياء (ابراهيم، لوط، موسى، وزكريا ويحيى) ثم قال (والتي أحصنت فرجها) ولم يُصرّح القرآن باسمها في سورة الأنبياء لأن السياق في ذكر الأنبياء وهي ليست نبيّة أما في سورة التحريم فذكر اسمها لأن السياق كان في ذكر النساء ومنهم (امرأة فرعون، امرأة لوط وامرأة نوح) فناسب ذكر اسمها حيث ذكر النساء. والتصريح بالإسم يكون أمدح إذا كان في المدح وأذمّ إذا كان في الذّم. ونلاحظ في سورة التحريم أنها من أعلى المذكورات في سياق النساء ولهذا ذكر اسمها من باب المدح. أما في سورة الأنبياء فهي أقلّ المذكورين في السورة منزلة أي الأنبياء فلم يذكر اسمها وهذا من باب المدح أيضاً.
٢. ذكر ابنها في سورة الأنبياء ولم يذكره في سورة التحريم. وهذا لأن سياق سورة الأنبياء في ذكر الأنبياء وابنها (عيسى - عليه السلام - ) نبيّ أيضاً فناسب ذكره في السورة وكذلك لأن سورة الأنبياء ورد فيها ذكر ابني ابراهيم وويحيى ابن زكريا فناسب ذكر ابنها أيضاً في الآية ولم يذكره في التحريم لأن السياق في ذكر النساء ولا يناسب أن يذكر اسم ابنها مع ذكر النساء.
في خواتيم الجمعة ذكر الذين آمنوا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩)) وقبلها ذكر الكافرين من أهل الكتاب (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥)) وفي المنافقون (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (١)) فذكر الذين آمنوا في الجمعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) وذكر الكافرين من أهل الكتاب (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا)، إذا جاءك المنافقون المتظاهرون مع أهل الكتاب (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) هؤلاء كانوا يتظاهرون مع أهل الكتاب ضد الرسول هؤلاء المنافقون. إذن ذكر المؤمنين والكافرين من أهل الكتاب والذين يتظاهرون مع أهل الكتاب من المنافقين.
هذا من خلال النظر في جميع الآيات لكن هناك نظرية تحتاج لتنبيه أنه لما يأتي الوصف لله عز وجل لا يكون مؤقتاً لا بدنيا ولا بآخرة فلما يقول: (والله شديد العقاب) هذه صفة ثابتة عامة يعني هذه صفته سبحانه لكن لما يستعمل كلمة العقاب مع البشر يستعملها في الدنيا لم تستعمل في الآخرة. كذلك العذاب إستعملها للعذاب في الدنيا وفي الآخرة وإستعملها (وأن الله شديد العذاب) لأن العقاب فيه سرعة وردت في القرآن (إن ربك سريع العقاب) وليس في القرآن سريع العذاب. لذلك نقول هذه اللغة لغة سامية ينبغي أن تُعطى حقها فلا يجوز التنصّل عنها وهي بهذه الروعة وهذا السمو أن الحرف الواحد بتغير صوته تغير المعنى مع أن المعنى متقارب.
بعض الآيات التي تؤكد هذا الذي بيّناه:
ذلك هو الفوز العظيم) عرّف الفوز وجاء بضمير الفصل (هو) (وضمير الفصل يقع بين المبتدأ والخبر أو ما أصله مبتدأ وخبر أي إسم أن وخبرها وإسم كان وخبرها بين المفعولين حتى يفصل بين الخبر والنعت أو الصفة)، هذا هو ضمير الفصل وفائدته التوكيد والحصر. فلما يقول (ذلك هو الفوز العظيم) يعني ليس هناك فوز آخر وما عداه هو الخسران. ما قال ذلك فوز عظيم لأن معناه قد يكون هناك فوز آخر محتمل. هذا ربح وليس معناه أنه ليس هناك ربح آخر، هذا نجاح وليس معناه أنه ليس هناك نجاح آخر. فلما قال (ذلك هو الفوز العظيم) تحديداً أي ليس هناك فوز آخر وما عداه خسران. وجاء بـ (هو) زيادة في التوكيد والحصر. ويقول في آيات أخرى (ذلك الفوز العظيم) هذه فيها حصر وأحياناً تأتي بؤكد واحد أو مؤكدين تكون أقوى. في نفس السؤال نضرب مثلاً في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) الصفّ) ما قال (هو)، قال (تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله)، ثم ذكر يغفر لكم ذنوبكم ويدخلهم جنات، طلب منهم الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات.
هل هناك لمسة بيانية بين الفعلين يتق ويتوكل؟ التقوى هو تجنب كل ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى كما يتجنب الإنسان ما يسيء إليه إذا سار في أرض مشوكة يشمّر ويسير فمن يتق الله أي من يتجنب معصية الله سبحانه وتعالى وإغضاب الله عز وجل. التقوى ليس خوفاً وإنما هي خشوع في القلب وتجنب لما لا يرضي الله سبحانه وتعالى. الإنسان يتجنب هذا الذي يغضب ربه عز وجل، إتق الله يعني تجنب أن تسقطه، خف منه، فيها معنى الخوف، معنى الخشوع والهيبة وليس الخوف الإعتيادي الذي فيه خوف مع بغضاء وإنما هذا خوف مع حب، أنت تحب الله تعالى وتخشاه وتستحي منه. الخشية والخوف والإستحياء كله ينجمع في التقوى. أما التوكل أنك وأنت خاشع خاضع متجنب للمعاصي متقي تُلقي بأمور حياتك كلها إلى اله تعالى تقول يا رب تولّى هذا الأمر أنت وأنا قدمت الأسباب أنجح أو لا أنجح لا أدري لكن أنت كن وكيلي ولله المثل الأعلى نحن نقول فلان وكيلي فيقوم مقام نفسي فما تظن بالله سبحانه وتعالى عندما يكون مقام نفسك كيف سيعاملك، كيف سيختار لك؟ ولا شك كل ما يختار لك خير حتى ما يبدو في ظاهره أنه فيه أذى لكن هو فيه خير لك يقيناً.
السورتان المباركتان الثامنة والخمسون والتاسعة والخمسون المجادلة والحشر. قال في خواتيم المجادلة (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)) وفي أوائل الحشر (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (٢)) أولئك في الأذلين - هو الذي أخرج، (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)) - (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) الغالب هو الله تعالى، هذا الرسول رسوله وهو الله غالب (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (٢)) كأنما توضيح لما هدّد به، (أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) كيف أذلهم
كثير من المفسرين يقولون (عسى) من عند الله واجب، قسم يقولون (عسى) في القرآن واجب، وهذا ليس صحيحاً لأن الكفار قالوا عسى (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) الشعراء) (لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤) طه) ليست واجبة وهو لم يتذكر ولم يخشى، (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) غافر ) ليس واجباً. قسم قيدوها وقالوا هي من الله واجبة وليست في القرآن واجبة. عسى ولعل من أفعال الترجي ويقولون (لعل) فيها معنى الإطماع والإشفاق وخاصة في (لعل) فيها الإشفاق. فهي الترجي، فقسم قالوا هي من عند الله واجبة (فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ (٥٢) المائدة) (قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ (١٢٩) الأعراف) (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ (٥) التحريم) وقسم قالوا ليست واجبة حتى إذا أُسند ذلك إلى الله تعالى وإنما يذكره الله تعالى ليكون الإنسان راجياً من الله (وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (٤٥) الأنفال) أي اذكروا الله راجين الفلاح من الله حتى يبقى الإنسان خائفاً من ربه. فقسم من أصحاب التفسير قالوا ليست هي واجبة وإنما المقصود الرجاء من الله سبحانه وتعالى وتقدّر كل حالة بقدرها وليس هناك حكم مطلق بخصوص عسى ولعل. المعنى العام واضح لكن هل هو واجب؟ هذا بحسب السياق. عسى و (لعل) من الرجاء و(لعل) قالوا فيها إشفاق (لا تتأخر لعله يؤذيك) فيها إشفاق وعسى فعل ولعلّ حرف.
آية (١٠):
*ذكر التأنيث والتذكير في القرآن المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات والصابرين والصابرات والمنافقين والمنافقات وذكر الكافرين ولم يذكر الكافرات وإنما ورد الكافرين فقط؟(د. فاضل السامرائى)
والجواب: أنة هذا مما يسميه النجاة (العطف على المعنى) وقد يسمى فير غير القرآن (العطف على التوهم). ذلك أن (أصدق) منصوب بعد فاء السببية، و(أكن) مجزوم على أنه جواب للطلب، والمعنى: إن أخرتني أكن من الصالحين ونحو ذلك أن تقول: (هلا تدلني على بيتك أزرك)، فـ :(أزرك) مجزوم بجواب الطلب والمعنى، إن تدلني على بيتك أزرك ولو جئت بفاء السبب لنصت، فقلت: (هلا تدلني على بيتك فأزورك)، وإن أسقطت الفاء وأردت معنى الشرط جزمت.
جاء في (البحر المحيط): "وقرأ جمهور السبعة (وأكن) مجزوماً قال الزمخشري: (وأكن) مجزوماً على محل (فأصدق) كأنه قيل: إن أخرتني أصدق وأكن وقال ابن عطية: عطفاً على الموضع لأن التقدير إن تؤخرني أصدق وأكن"
ففي الآية الكريمة جاء بالمعطوف عليه على إرادة معنى السبب وجاء بالمعطوف على معنى الشرط فجمع بين معنيي السبب والشرط فالغطف إذن ليس على إرادة معنى الفاء بل على إرادة معنى جديد.
جاء في (معاني النحو): "عطف (أكن) المجزوم على (أصدق) المنصوب، وهو عطف على المعنى وذلك أن المعطوف عليه يراد به السبب والمعطوف لا يراد به السبب، فإن (أصدق) منصوب بعد فاء السبب وأما المعطوف فليس على تقدير الفاء ولو أراد السبب لنصب، ولكنه جزم لأنه جواب الطلب نظير قولنا: (هل تدلني على بيتك أزرك؟) كأنه قال: إن تدلني على بيتك أزرك فجمع بين معنيي التعليل والشرط، ومثل ذلك أن أقول لك: (احترم أخاك يحترمك) و(احترم أخاك فيحترمك) فالأول جواب الطلب والثاني سبب وتعليل وتقول في الجمع بين معنيين (أكرم صاحبك فيكرمك ويعرف لك فضلك) وهو عطف على المعنى".
وقد تقول: ولماذا لم يسو بينهما، فيجعلهما نسقاً واحداً؟
إنا هديناه السبيل) عدّى الفعل بنفسه وفعل هدى قد يتعدى بنفسه كقوله (إهدنا الصراط المستقيم) وقد يتعدى بـ (إلى) كما في قوله تعالى (يهدي إلى الحق) بمعنى يدلّه ويرشده إليه، وقد يتعدّى باللام كما في قوله (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) و قوله (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) وقد تكلمنا باستفاضة عن فعل هدى في شرح سورة الفاتحة (اضغط هنا للرجوع إلى سورة الفاتحة). وفي هذه الآية قال تعالى (إنا هديناه السبيل) لأن التعدية بالفعل بإلى تقال لمن لم يكن في الطريق فتدله وترشده إليه فإذا وصل إلى الطريق يحتاج لمن يعرّفه به وبماذا في الطريق فحينها يتعدى الفعل باللام أما تعدية الفعل بدون حرف جر فتقال لمن كان في الطريق فتبين له مراحل في الطريق ومن لم يكن في الطريق أو كان بعيداً عنها فترشده اليها وتدله إليها. وقال تعالى مخاطباً رسوله - ﷺ - (ويهديك صراطاً مستقيما) والرسول - ﷺ - سلك الطريق وقال تعالى على لسان الرسل (وقد هدانا سبلنا) وهم أيضاً كانوا في الطريق. وقال تعالى (فاتبعني أهدك صراطاً سويا) في خطاب ابراهيم - عليه السلام - لأبيه الذي لم يكن في الطريق وكذلك قال تعالى مخاطباً المنافقين (ولهديناهم صراطاً مستقيما). إذن عدم تعدية الفعل في الآية بحرف جر جمعت المعنيين وبذلك أتمّ تعالى نعمته على الإنسان بأن يدلّه ويرشده إلى الطريق لما كان بعيداً عنها ويبيّن له معالم ومراحل الطريق عندما يصل إليها وقامت الحجة على الجميع إذن فالله تعالى يستحق الشكر على ذلك.
يبقى سبب الاختلاف: نحن ذكرنا أن الحق أعم من الرشد والرشد معناه الصلاح في الدنيا وقد يكون في الآخرة. ما ذكره في الأحقاف (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) سياق الآية أعم مما في آية الجن وأوسع وأشمل فناسب ذكر الحق الذي هو أوسع وأشمل. في سورة الجن قال (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (٢)) ثم انصرف إلى أقسام الجن ومعتقداتهم وأنهم كانوا يقعدون مقاعد للسمع ليس لها علاقة بالقرآن أما في الأحقاف فاتسع الحديث عن القرآن والتأثير فيهم هم سمعوا القرآن وآمنوا به لم يكتفوا وإنما ذهبوا إلى قومهم منذرين ويدعوهم إلى الإيمان (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١)) الكلام عن القرآن متسع في الأحقاف وهذا جزء من آية في سورة الجن، في الأحقاف الكلام متسع إذن تناسب كلمة الحق التي هي أوسع من الرشد لما كان الكلام متسع أتى بالكلمة التي هي مناسبة والتي هي الحق. هذا من ناحية، من ناحية أخرى كلمة الحق نفسها وردت في سورة الأحقاف ست مرات ولم ترد في سورة الجن وكلمتا الرُشد والرَشد وردتا في سورة الجن أربع مرات ولم ترد في سورة الأحقاف. إذن من هذه الناحية صارت مناسبة.
في أواخر القلم قال (فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥)) وضرب مثلاً لهؤلاء في الحاقة (ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (٤) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (٦)) إستدرجهم وأملى لهم حتى أهلكهم. أُملي لهم يعني أؤجل لهم أدعهم يفعلون إلى أن أهلكهم. أملى لهم واستدرجهم إلى أن أهلكهم. إذن ضرب مثلاً من كذب ثم استدرجهم فأملى لهم. قال في أواخر القلم ذكر المتقين والكافرين (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤)) وذكر الكافرين (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢)) وقال في أول الحاقة ذكر من أوتي كتابه بيمينه ومن أوتي كتابه بشماله، ذكر المتقين وذكر يوم يطشف عن ساق وهذا في يوم القيامة والحاقة من أسماء يوم القيامة. هذا ما ذكره في المتقين وما ذكره في الكافرين هو إنما يكون في يوم القيامة الحاقة فقال (الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣)) ثم ذكر من أوتي كتابه بيمينه (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤)) وذكر من أوتي كتابه بشماله (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢)) فضرب المثالين في الحاقة. كل واحدة ذكر فيها جانباً من الجوانب استكمالاً لما يذكر أو للتوضيح والتبيين وليس من قبيل التكرار وإنما تضيف إطاراً به تكتمل الصورة العامة.
الله تبارك وتعالى أثبت الحكم في بداية السورة فهل لهذا دلالة، نفهم أنه ربما يأتي بقولهم ثم يكذب هذا القول؟
واختيار فعل الظن مناسب أحسن مناسبة لجو السورة والسياق مع أن الموطن موطن علم ويقين، وقد فسره أكثر المفسرين بالعلم واليقين، وذلك أن الإتيان بفعل الظن متناسب مع تأخير التوبة وإيثار العاجلة وتقديم الفجور، فإنه في الحياة الدنيا بنى حياته على الظن، فهو يظن أن سيمتد به العمر ويطول به الأجل، فيسوف بتوبته ويقم شهوته. وهذا الظن يرافقه إلى اليوم الآخر، فهو إلى الآن يظن وقوع الداهية ظناً، وهو إلى الآن في حال ظن وأمل لا في حال علم وبصيرة، فهو لا يرى إلا اللحظة التي هو فيها، وما بعدها فهو عنده ظن لا يقين كما كان شأنه في الدنيا يقدم شهوته ويؤثر عاجلته ويقول: أيان يوم القيامة؟
فانظر هذا الاختيار الرفيع لفعل الظن في هذا الموقف، وانظر تناسب ذلك مع النفس اللوامة التي لا ترى إلا ما هي عليه حتى تفوتها الفرصة، ويفوتها معها الخير، ويدركها سوء العاقبة، فتلوم نفسها على ما فرطت في جنب الله.
وذكر لاختيار فعل الظن سبب آخر هو أن الظان لا يعلم نوع العقوبة، ولا مقدارها فيبقى رجلاً أشد الوجل، خائفاً أعظم الخوف من هذا الأمر الذي لا يعلم ما هو ولا مداه ولا كيف يتقيه ألا ترى أن الذي يعلم ما سيحل به يكون موطناً نفسه على ذلك الأمر بخلاف الذي لا يعلم ماذا يتقي، وما مداه وما نوع تلك الفاقرة.
جاء في (روح المعاني):

"وجيء بفعل الظن ههنا، دلالة على أن ما هم فيه، وإن كان غاية الشر يتوقع بعده أشد منه وهكذا أبداً وإذا كان ظاناً كان أشد عليه مما إذا كان عالماً موطناً نفسه على الأمر".
ولاختيار الفاقرة دون غيرها سبب سنذكره في مكانه.
ربنا لما ذكر (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) المعارج) لم يذكر الأب والأم بينما في سورة عبس ذكر في الفرار الأم والأب. في الفداء قال (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) عبس) يفتدي من العذاب، يفدي نفسه من العذاب فلا بد أن يقدم شيئاً ما فيقدّم بنيه بدلاً منه وصاحبته أي زوجته وأخيه وفصيلته التي تؤويه أي عشيرته ومن في الأرض جميعاً ولم يذكر الأم والأب لأنه لا يستطيع أن يقدمهما لأن ذلك سيغضب ربه. يقول أنا أمرتك بالإحسان إليهما فكيف يفتدي بهما؟ هذا لعظيم منزلة الأبوين عند الله المجرم لا يجرؤ أن يفتدي بالأم والأب والله تعالى أمر بالإحسان إليهما وكأن هذا الإحسان دنيا وآخرة. أنت عندما تفتدي عند صاحب الأمر والنهي تفتدي بما يحب لا بما يكره، فربنا يكره أن تفتدي بالأب والأم لا يحب ذلك وإنما ينبغي الإحسان إليهما. فهذا يدل على عظيم مكانة الأبوين عند الله.
إذا كان الله تعالى يحب الأبوين هكذا فلم لا نقدمهما فداء؟
يقدمهم فداء حتى يدخلوا النار مكانه؟! هل هذا جزاء الإحسان إليهما؟ وهل يدخلهما النار مكانه؟!
* ما دلالة صيغة المبني للمجهول في قوله تعالى (يُبصّرونهم) في سورة المعارج؟(د. فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة المعارج (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١)). ليس فيها ما يدعو للغرابة. يُقال في العربية بصُر به وهو فعل لازم غير متعدي (كل صيغة فَعُل فهي لازمة).
أبصَرَ: متعدي (وأبصرهم فسوف يبصرون).
بصّره: معناه أراه يتعدى إلى اثنين أو بالباء يُقال: بصّرته زيداً أي أريته إياه.
كل موطن في القرآن يذكر فيه المغفرة يجب أن يذكر فيه الذنوب والكافرين في سائر القرآن. لما يضيف المغفرة للأجر الكبير لا بد أن يسبقها أو يأتي بعدها الذنوب والكافرين، يذكر في السياق أمرين: الكافرين والذنوب. في سورة فاطر بدأ تعالى بقوله (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٨)) سوء عمله هذا ذنب، (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (١٠) فاطر) ذكر الكافرين مع الذنب، (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا) مباشرة بعده في سياق الكفر والذنب. نفس الأمر في سورة الملك (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (١١)) ذنب وكافرون، كلما يقول مغفرة وأجر كبير يسبقها أمران الكفر والذنب. في سورة الحديد لم يذكر الكافرين ولا الذنب فلم يذكر المغفرة.
آية (١٤):
*ما الفرق بين (ما) و (من) في الإستخدام اللغوي؟(د. فاضل السامرائى)


الصفحة التالية
Icon