الثمن القليل جاء حيثما ورد في الكلام عن حق الله سبحانه وتعالى ومعنى ذلك أن العدوان على حق الله سبحانه وتعالى مهما بلغ فهو ثمن قليل. لما يكون الكلام عن الآيات (وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) البقرة) أي ثمن يناسب آيات الله عز وجل؟ لا شيء. فكل ثمن هو يقل في شأن آيات الله سبحانه وتعالى. أياً كان الثمن فهو قليل. فحيثما ورد الكلام عن آيات الله وعن عهد الله سبحانه وتعالى كله ثمن قليل لا يقابل. وليس معنى ذلك ثمن قليل أنه يمكن أن يشتروا به ثمناً كثيراً. كلا، وإنما بيان إلى أن هذا الثمن الذي أخذتموه لا يقابل آيات الله فهو قليل في حق الله سبحانه وتعالى وكل ثمن يؤخذ مقابل ذلك فهو قليل مهما عظُم لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) البقرة) هذا الذي اشتريتموه هو قليل وإن كان في نظركم كبيراً. لما يبيع الإنسان دينه بدنياه، بدنيا عظيمة يريد أن يبيعه، فيقول القرآن له: هذا الذي بعت به هو قليل. (أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) لأنهم أكلوا ثمن شرائهم مقابل آيات الله سبحانه وتعالى فسماه قليلاً مهما كان نوعه.
أنت في صحراء وتتوه ثم تصرخ يا رب فلا تدري من أين يأتيك الفرج تمر بك قافلة أو يأتيك فرج من السماء (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (١) الطلاق) هذا (وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) لذلك عليك أن تستمطر هذا الفضل الذي لا تعرفه هذا هو اللطف والسداد والتوفيق والبركة يعني أنت عندك ملايين لكن ليس فيها بركة وغيرك عنده دريهمات فيها بركة. واحد يعمل لك مائدة عظيمة لكن لا تشتهي أن تأكل وآخر يضع لك لقيمات لا تشبع منها من لذتها، هذا (وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) ولذلك عليك أن تستمطر هذا الفضل الذي لا تعرفه والتاريخ مليء.
من هي المرجعية التي يكون كلامها هي الفصل؟ عند الخصومة في الدنيا القاضي هو الذي ترجع إليه الأمور تذهب أنت والخصم عندك محامي وهو عنده محامي وتذهب إلى المحكمة وأوراق ودعاوى ثم يقف الخصمان أمام القاضي فالقاضي هو الذي يحكم بينكما فترجع الأمور إلى القاضي الذي يقوله القاضي هو الصح ليس هناك غيره، هذا في الدنيا إلى القاضي ترجع الأمور يوم القيامة لمن ترجع الأمور؟ إلى الله عز وجل. فهذه تتكلم لما رب العالمين ينزل كما في الحديث ثم بعد المحشر ينزل الله سبحانه وتعالى للفصل بين العباد، هذا الفصل الحساب ثم إصدار الحكم هذا (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ثم حكم عليه، صدر الحكم المرجعي صدر الحكم من مرجعيته المباشرة وهو الله عز وجل إلى أين نتوجه؟ قال ستتوجهون حتى النهاية (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) إما خالدٌ في الجنة أو خالد في النار، فلما تمشي من ساعة الحساب ثم تعبر الصراط وعلى الصراط هناك مشاكل وبعد الصراط حوض الكوثر وبعد حوض الكوثر دخول الجنة ثم يستقبلونك على الباب ويكون لديك مدير أعمال يأخذوك إلى دارك هذا الممشى (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) العاقبة آخر شيء، عقب الإنسان آخر شيء، إلى الله في الطريق وأنت ذاهب إلى أن تستقر استقراراً نهائياً إما في الجنة خالداً أو في النار خالداً (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الذي يدخل النار ثم يخرج منها هذا إلى العاقبة على أن يخرج من النار ثم يغتسل ثم يذهب إلى الجنة في الطريق كل هذا إلى الله (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) المرحلة النهائية لما يصل كل واحد منا إلى داره إلى سكناه ويدخل القصر واستقبال حافل كما جاء في الكتاب والسنة (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴿٤١﴾ الحج). هذا الفرق بين (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) وبين (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
هنا جريمة قتل لا تمحى ولا تغفر مهما حصل (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) يقتله مع أنه مؤمن يقتله على عقيدته على أنه كافر كما يحصل اليوم وحصل من أول أيام الإسلام قتل سيدنا عثمان وسيدنا علي وسيدنا عمر وقتل الصحابة والتابعيين وتابعين التابعيين والآن يقتل كثير من العلماء والصالحين والكتاب والمسلمين والموحدين وأهل المساجد يقتلون على أنهم مشركون هذه الآية تتحدث عنهم (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) يؤمن أنه لا إله إلا الله (فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) فرق بين أعد لهم عذاباً عظيماً في آية وآية أخرى (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴿٦﴾ الفتح) ما الفرق؟ من يقتل مؤمناً متعمداً اختار الله له من عذابات جهنم كثيرة عذابات جهنم لا حصر لها حر وبرد وأفاعي وعقارب وتجويع وهناك عذاب مهين يعني يجعلونه هزؤ وهناك عذاب كبير وهناك عذاب أليم يعني لا حصر لعذابات جهنم نعوذ بالله منها ولهذا رب العالمين ما ادخرها إلا لمشرك (لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ﴿١٥﴾ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴿١٦﴾ الليل) افهموها جيداً، هذه جهنم الرهيبة الأساسية الأصلية خاصة للمشركين (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ﴿٨﴾ الهمزة) (لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ﴿١٥﴾ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) نار المؤمنين شيء ثاني خليكم واقعيين هناك فرق بين أشغال شاقة وبين توقيف في مركز الشرطة أيّ جنحة أيّ مخالفة أيّ تحقيق يتركك يوم يومين بالتوقيف أما الأشغال الشاقة مأساة تتمنى الموت عشرين ثلاثين سنة أشغال تكسر حجر طوال النهار في الشمس فكيف يوم عذاب جهنم؟ (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) (لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى) الذي كذب برسوله وبالله وما إلى ذلك.
هذا أمر آخر، يجوز أن يقال خارج القرآن لا تقولوا على الله غير الحق لكن لا يمكن أن يقال لا تغلوا في دينكم إلا الحق.
د. أحمد الكبيسى :
هذا ليس عبثاً. في آية النساء يخاطب اليهود يقول لهم يا يهود يا أهل الكتاب أنتم عندكم الحقائق والتوراة والإنجيل مليئة بالحقائق لماذا تكذبون على التوراة والإنجيل وتقولون كلاماً آخر؟ ليس من الحق، فأنتم ابحثوا عن الحق الذي في الكتاب وقولوه (وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) فرب العالمين يقول لأهل الكتاب ابحثوا في كتبكم عن الحق المتعلق بنبوة محمد نبي آخر الزمان وقولوها (وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) هذا أمرٌ بأن يقولوا الحق. الثانية نهي بأن لا يقولوا غير الحق (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) فرب العالمين نهاهم عما قالوا لأنهم قالوا غير الحق وأمرهم أن يقولوا جديد الحق نفسه قال لا تقولوا إلا الحق ففي سورة النساء فيها أمر بأن يقولوا الحق وفي المائدة نهي أن يقولوا غير الحق لأن في ناس سكتوا فقال قولوا الحق وناس قالوا كذباً فقال لا تقولوا غير الحق إذاً هذا خطاب لجماعة من أهل الكتاب وهذا خطاب لجماعة أخرى من أهل الكتاب.
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ (٧٧) المائدة) انظر كيف عدل الله تعالى عن قوله (لا تغلوا في دينكم باطلاً) إلى قوله (لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) لما في وصف (غير الحق) من تشنيع الموصوف إذ المعنى أنه مخالف للحق المعروف ومن ثم فهو مذموم لأن الحق محمود فغيره مذموم.
آية (٧٨):
قال تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿٦٣﴾) وقال في سورة النساء (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً ﴿١٥٤﴾) وقال في سورة الأعراف (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٧١﴾).
أما من حيث التقديم والتأخير هو قائم على الإهتمام الذي يقتضيه سياق الآيات سواء كان ـفضل أو مفضول وإنما للأهمية. في سورة البقرة (ورفعنا فوقكم الطور) فوقكم أهمّ من الطور نفسه لأن سياق الآيات في السورة هو في الكلام عن بني إسرائيل أما آية سورة الأعراف فالجبل أهم من فوقهم.
في آية سورة الأعراف وصف تعالى الجبل كأنه ظُلّة وذكر (وظنوا أنه واقع بهم) ومعنى واقع بهم أي أوقع بهم أو أهلكهم وهذا كله له علاقة بالجبل فالجبل في الأعراف أهمّ. ولم يذكر عن الطور شيئاً آخر في سورة البقرة أو النساء.
آية البقرة والنساء يستمر الكلام بعد الآيات على بني إسرائيل حوالي أربعين آية بعد الآية التي جاء فيها ذكر الطور لذا قدّم فوقهم في النساء وفوقهم في البقرة على الطور للأهمية. أما في سورة الأعراف فبعد الآية التي تحدث فيها عن الجبل انتهى الكلام عن بني إسرائيل ولم يذكر أي شيء عنهم بعد هذه الآية لذا قدّم الجبل.
سورة مكيّة وهي سورة في غاية الإيجاز في اللفظ وفي غاية الشمول من حيث المعنى ويقول الإمام الشافعي في هذه السورة: لو لم ينزل الله تعالى من القرآن سوى سورة العصر لكفت الناس. لأن الإسلام في النهاية يرتكز على أربعة أمور فهو إيمان وعمل الصالحات والتواصي بالحق لنصرة الدين في الأرض والتواصي بالصبر لأن نصرة الدين تعرّض صاحبها للمتاعب والمشقة فيحتاج إلى الصبر لتحملها في سبيل نصرة الدين والدعوة إلى الله. والذي لا يسير على المنهج الذي ارتضاه الله تعالى يكون من الخاسرين (إن الإنسان لفي خسر) وهذه السورة تأتي مقابل سورة الفاتحة فقوله إهدنا الصراط المستقيم مقابل قوله وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. وهذه السورة فيها كل مقومات الحضارة وهي الإهتمام بالزمن والعمل فالوقت عامل أساسي لقيام الأمم والحضارات فالإهتمام بالوقت وبالعمل والتواصي بالحق والصبر هي من أهم مقومات الحضارة الإنسانية. والقسم في هذه السورة بأحد مخلوقات الله تعالى (والعصر) وهو الدهر والزمان كما جاء في كثير من آيات هذا الجزء.
**اللمسات البيانية في سورة العصر للدكتور فاضل السامرائى**
(وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣))
*موقع السورة في سياقها في القرآن الكريم:
المفارقة ليست بين سابقوا وسارعوا فقط وإنما في الآية كلها فهو قال (كعرض السماء) في آية الحديد جاء بكاف التشبيه والسماء مفردة وفي آل عمران لم يأت بكاف التشبيه وقال السموات جمع. في آل عمران قال أعدت للمتقين وفي الحديد قال للذين آمنوا بالله ورسله. ثم أضاف في آية الحديد (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء). إذن ليست مسألة سابقوا وسارعوا فقط.
الحديد... آل عمران
سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ... وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ
عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ... عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ... أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء
*سابقوا وسارعوا:
المسارعة أنت قد تسارع بنفسك إلى الأمر (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ (٩٠) الأنبياء) أما المسابقة فتقتضي أكثر من واحد حتى تكون مسابقة. لا بد أن يكون أكثر من متسابق. المسارعة قد تكون لوحدك أنت تسارع إلى الامتحان لكن المسابقة تسابق غيرك للوصول إلى المركز الأول. المسارعة سرعة أما المسابقة هي سرعة وزيادة.
**(كعرض السماء) (عرضها السموات والأرض):
قدّم المغفرة على الجنة لأن المغفرة تسبق دخول الجنة.
ما الفرق بين السماء والسموات؟ إذا عرفنا الفرق نفهم التشبيه لِماذا حصل. السماء في القرآن وفي اللغة إما أن يكون :
o واحدة السموات السبع (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ (٥) الملك) السموات السبع كل واحدة منها تسمى سماء السماء الأولى إلى السابعة.


الصفحة التالية
Icon