هذه مجمل الاختلافات بين الآيتين وكلها تدور في حدثٍ واحد في مقطعٍ واحد في أرضٍ واحدة ولكن تركيب الآية أو الصياغة اللفظية تختلف اختلافاً شديداً بين الآيتين هذا ليس عبثاً. وكما نعلم أن هذا هو المتشابه وكل اختلافٍ من هذه الاختلافات يعطيك جانباً من الصورة إذا ألممت بها كثيراً فإنك حينئذٍ تكون قد عرفت تفاصيل القصة.
في آل عمران الآية تبدأ هكذا (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴿ ٨٣ ﴾ آل عمران) إلى أن قال قل يا محمد (قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿ ٨٤ ﴾ آل عمران) (وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) أولاً قُل وليس قولوا، قل (ما أُنزِل علينا). في البقرة طبعاً تجاوزناها هذا استدراك في الآية ١٣٦ (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿ ١٣٦ ﴾ البقرة) (قُولُوا) هناك قُل وهنا قولوا يا مسلمون قولوا (قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا). في آل عمران (وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) هنا (وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ) هذا الخلاف إذاً عندنا قُل وقولوا، علينا وإلينا، وفي الأخير (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) ما أوتي مكررة إذاً موسى وعيسى أوتوا شيئاً والنبيون أوتوا شيئاً آخر (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ). في آل عمران لم يذكر (وما أوتي) مكررة وإنما وردت فقط مرة واحدة (وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ). فروق دقيقة جداً ما من شيء في هذا الكتاب اختلاف ولو حركة إلا وهو رسمٌ جديد.
في سورة لقمان جعل غنى الله مرتبطاً بملك السموات والأرض وفي آية الحج جعلها من جملة ما يملك، هذه الواو استئناف وليست عاطفة، (وإنه غني) يعني حتى لو ذهبت لا يؤثر على غناه. أيها الأولى بالتوكيد؟ الآية في سورة الحج لذا لا يمكن أن نضع تعبيراً مكان تعبير بلاغياً بيانياً لأن الموازين في التعبير دقيقة جداً (إن الله غني حميد) (إن الله هو الغني الحميد) (وإن الله لهو الغني الحميد) المشركون لم يكونوا يتكلمون بهذه البلاغة وهي متفاوتة عندهم لكنهم كانوا يفهمون هذا الكلام ويستشعرون الفروق الموجودة واللمسات أكثر مما يستشعر كل كلمة عاشقة مكانها، في أماكن متباعدة كأنها لمحة واحدة بينما كل كلمة نزلت في آية نزلت في زمن متباعد بينما هي كلها وضعت في وقت واحد، لا يمكن أن نتصدى لآية مبتورة عن السياق لا بد أن نضعها في السياق.
*مرة يقول (لله ملك السموات والأرض) ومرة يقول (لله ما في السموات والأرض) فما الفرق؟
*ما هو إعراب الشح في قوله تعالى (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ (١٢٨) النساء)؟(د. فاضل السامرائى )
هي مفعول به والأنفسُ نائب فاعل. أحضر تأخذ مفعولين. (أحضرت الأنفس الشح) أي البخل، لما خلقها ربنا سبحانه وتعالى جاء بالشح وأحضرها ربنا بالخِلقة. عندما خلق الأنفس جعل معها الشح (وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا (١٠٠) الإسراء) قتوراً خبر كان وتعني بخيلاً. الإنسان بخيل خِلقة فلما خلق تعالى الأنفس جاء بالشح. حضر يتعدى إلى مفعول واحد وأحضر يتعدى إلى مفعولين. أحضرتُه كذا أي جعلته حاضراً، أحضرتُهُ المجلس. في الأصل أحضرنا الأنفس الشح، ماذا أحضرنا الأنفس؟ أحضرناها الشحَّ. ما قال أحضرنا وإنما قال أُحضِرت لأن الله تعالى ينسب الخير لنفسه.
*ما إعراب كلمة (الشُّحَ) في قوله تعالى (وأحضرت الأنفسُ الشُّحَ)؟(د. فاضل السامرائى)
فعل أحضر يأخذ مفعولين وكلمة الشح هي مفعول به ثاني لفعل أحضر، والأنفس نائب فاعل والمعنى أحضرنا الأنفس الشُّحَّ، فكأنما المعنى أنه أحضر الشح للأنفس أو جيء بالشح وأُحضر للأنفس. وعليه يكون (الأنفس) مفعول به أول و(الشح) مفعول به ثاني. وكأن الله تعالى أحضر الأنفس عندما خلقها خلق الشحّ وجعله فيها.
*انظر آية (٢٣). ؟؟؟
*(ورتل القرآن ترتيلاً) :
(وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (١٣٠) وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ (١٣١) النساء) انظر إلى هذا التناسب بين آي القرآن فالآية الأولى فيها إشارة إلى إغناء الله تعالى كُلاً عن صاحبه فناسب أن تبدأ الآية الثانية بإظهرا ملكوت الله سبحانه وتعالى. فمن له ما في السموات وما في الأرض قادر على أن يغني كل أحد من سعته وهذا كناية عن عظيم سلطانه واستحقاقه للتقوى.
آية (١٣١):
*انظر آية (١١). ؟؟؟
الكلام كان عن سيدنا عيسى - عليه السلام - في الآية الأولى في سورة آل عمران (إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦)) الكلام على لسان الملائكة ونقل لكلام الملائكة ثم بدأ كلام مريم عليها السلام متجهاً إلى الله سبحانه وتعالى (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (٤٨)) وجيهاً في الدنيا والآخرة ويعلمه، هذا العطف. ما زال الكلام على لسان الملائكة لمريم. وجيهاً ورسولاً إلى بني إسرائيل، رسول بماذا؟ (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (٤٩)) يعني عيسى هو سيقول هذا الكلام، إذن الكلام صار يجري على لسان عيسى ؟ (حكاية حال ماضية) في الماضي قال هكذا. العلماء يسمونها حكاية حال ماضية أي في الماضي هذه حاله.
ومن الأدعية المأثورة :" اللهم إنا نسألك الإخلاص في القول والعمل والصواب فيهما". يمكن أن يكون الإنسان مخلصاً لكن في الخطأ فيسأله الإخلاص في القول والعمل. لما يحدث إنساناً ويريد أن يزيحه عن مخالفة العُرف ويأتي به إلى عُرف الشرع، الإمام مالك إمام دار الهجرة والذي يقيل فيه لا يفتى ومالك في المدينة، أحياناً يُسأل فيقول للسائل: وقع لك هذا؟ حتى يفتيه، هذه ليست مسألة نظريات، فإذا قال السائل: نعم تحرّى الجواب وإذا قال له لا قال لا أدري، فمرة جاءه رجل وسأله فقال: وقع لك هذا؟ قال الرجل: لا ولكن يمكن أن يقع، فقال: لا أدري، فقال: أخرج إلى الناس فأقول مالك لا يدري؟ قال اخرج إلى الناس وقل مالك لا يدري. هذه تربيتنا وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم إذا كان هناك شيئاً لا يعلمه يقول لا يدري وإذا وجد أمامه شخصاً لا يحسن الحوار ودخل الأمر في المِراء والجدل الذي لا معنى له عند ذلك ينسحب إكراماً للمبادئ التي هو يدعو إليها، مبادئ الدين وأفكار الدين وليست من أفكار رجل وإنما المبادئ المستنبطة من الكتاب والسُنّة فلا ننزعج من كلمة الفكر الإسلامي أو المفكر الإسلامي، هو ليس مفكراً بدل محمد - ﷺ - وإنما هو مفكّر في النصوص والنصوص أنت تفكر فيها.
**سؤال: ماذا يحدث لو حصل الترتيب: امر بالعرف وخذ العفو وأعرض عن الجاهلين؟
*القرآن يستخدم المضارع (وما يدريك)؟
كل (ما أدراك) يجيب عنه وكل (ما يدريك) لا يجيب عنه وهذه قاعدة في القرآن كله ذكرها القدامى. (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)) (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣)) أما (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤)) لم يجب كل ما يدريك لم يجب وكل ما أدراك أجاب، دلالة على أنه تعبير مقصود وقوانين موضوعة في القرآن الكريم في التعبير. أدراك فعل ماضي ويدريك فعل مضارع أدراك، أجاب عن الماضي ولم يجب عن المضارع الذي يكون للإستقبال أو الامتداد.
*(وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) لم كرر ليلة القدر؟
الضلال هو نقيض الهداية (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى (١٦) البقرة) لكن الفرق بين الفسق والضلال أن الضلال قد يكون عن غير قصد وعن غير علم. الضلال هو عدم تبيّن الأمر تقول ضلّ الطريق قال تعالى (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤) الكهف) هذا من دون معرفة ضلّ ولا يعلم، ضل عن غير قصد. وقد يُضلّ بغير علم (وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ (١١٩) الأنعام) أما الفسق فهو بعد العلم تحديداً وحتى يكون فاسقاً ينبغي أن يكون مبلَّغاً حتى يكون فسق عن أمر ربه. إذن هنا زيادة أنهم مبلّغون ثم خرجوا فإذن هم فاسقون لو قال ضالون قد يعطيهم بعض العذر أنهم عن غير قصد لكنهم فاسقون بعد المعرفة وبعد التبليغ فسقوا. في قوله (ولا الضالين) ولا الضالين عامة لأن الضلال عام واليهود والنصارى منهم وليس حصراً عليهم. (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) النجم) نفى عنه الضلال بعلم أو بغير علم أما الفسق فلا يكون إلا بعد علم، ينبغي أن يعلم أولاً حتى يقال عنه فاسق ولذلك هذه أدل على الذم (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) لأنه أرسل لهم الكتاب والنبوة والميزان (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) هذا بعد التبليغ (فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) تنكّبوا الصراط بعد المعرفة. أصل الفسق هو الخروج عن الطريق يقال فسقت الرطبة أي خرجت من قشرتها. زيادة في الذم لما قال (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) لم يقل كثير منهم مهتد وإنما قال وكثير منهم فاسقون لم يصف المهتدين بالكثرة. (


الصفحة التالية
Icon