إذا لاحظنا سياق الآيات في سورة البقرة (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴿٥٨﴾ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴿٥٩﴾ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٦٠﴾)
أما سياق الآيات في سورة الأعراف (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٦١﴾) يمكن ملاحظة اختلافات كثيرة في اختيار ألفاظ معينة في كل من السورتين ونلخّص هذا فيما يأتي:
سورة البقرة... سورة الأعراف
لما لم يذكر الموت لم يأت بالفاء ولما ذكر الموت جاء بالفاء (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ (٩٠) آل عمران) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (٩١) آل عمران) الآيتان فيهما نفس التعبير: النفي بـ (لن) واحدة جاءت بالفاء فالآية الآولى تتحدث عن قوم ماتوا وانتهوا ولن يقبل منهم توبة بعد الموت(وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ) انتهى عملهم أما الآية الثانية فهي تتحدث عن قوم كفروا ولم يموتوا ومجال التوبة ما زال مفتوحاً أمامهم. الفاء هنا تقع في جواب اسم الموصول لشبهه بالشرط فجاءت الفاء زيادة للتوكيد.. النُحاة يقولون قد تأتي الفاء للتوكيد.
إذن التقديم والتأخير هو السمع على البصر على العموم لكن إذا اقتضى الأمر تقديم البصر على السمع يقدِّم، وفي الخِلقة يخلق الله تعالى السمع قبل البصر.
آية (٢٩):
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩))
هنا لما رب العالمين قال (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ) أن يكون كل عملك هذا القاضي فقط أثناء القضاء (شُهَدَاءَ لِلَّهِ) أنت يا قاضي كل حياتك لله كن قواماً لله شهيداً بالقسط حينئذٍ (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) هذه التقوى ولهذا هناك فرق بين التقوى وبين من يتقي، كلنا نتقي في حالة من الحالات ولهذا النبي ﷺ قال (سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله) أولهم الإمام العادل لماذا؟ لأنه أمر صعب يعني أنت ناس يكرهونك ويتكلمون عليك ويتآمروا عليك مثلاً وليس مطيعين وبهم مهربين وبهم غشاشين ومنهم من عمل مشاكل للدولة وفي قلبك عليهم شيء ومع ذلك هذا الشنآن مهما كان عظيماً هذا البغض لا يمنعهم من حقهم، من الذي يقوم بهذا إلا من رحم الله سبحانه وتعالى؟! ونحن كلنا نقول معقولة يحدث عدل بهذه النسبة في أي دولة في هذا العصر المتناحر دولة الإمارات وهذا كل العالم يعرفه أثبتت أن العدل والقسط ممكن ولهذا هذه الدولة الآن حُجّة على جميع الدول الإسلامية التي شاع فيها الظلم وأكل الحقوق والإعدامات والقتل والتعذيب بشكل لا يمكن أن يرضى به القرود، رب العالمين سيقول لماذا الإمارات استطاعت؟ انظر من عدل السلطان أن لا يحتجب عن الرعية، هل هناك دولة في العالم الآن كما هو واقعٌ هنا بسيارتك تذهب إلى المجلس الذي يجلس فيه الحاكم كل حكام الدولة كل حكام الإمارات؟ في أي لحظة تروح تركب سيارتك تمشي داخل الحديقة تقف بسيارتك مقابل المجلس الذي يجلس فيه السلطان هذا لم يعد موجوداً في الدنيا كلها إلا أيام الخلفاء الراشدين وما بعدهم.
الطير كالحمامة العصفور خلقة الله يعني سيدنا عيسى وطبعاً سيدنا عيسى عليه السلام كل نبي بطل في شيء سيدنا يوسف بطل في العفة، سيدنا أيوب بطل في الصبر، سيدنا موسى بطل في العزم، سيدنا محمد ﷺ بطل في الأخلاق، سيدنا عيسى بطل المعجزات، طبعاً إذا استثنينا القرآن الكريم ومعجزات سيدنا موسى ما في نبي مثله هو معجزة ووجوده معجزة حياته معجزة وهو لم يمت فسيدنا عيسى طبعاً ليس فناناً تشكيلياً هل ممكن أنه يصنع من الطين كما نراها مصنوعة في الأسواق في الأنتيكات فعلاً يصنعون هذه الطيور كتماثيل الصقور كأنها صقور حية فرب العالمين يقول له اعمل الطير بالطين أي كلام كهيئة وليس هيئة كهيئة الطير فأنا سأعمل لك إياها بعد ما عملته أنت بيدك أعمله طير بالضبط فأنت بالهيئة تنفخ في الطير تنفخ في أي شيء يطير فمرة قال تنفخ فيها في هذا الذي يشبه هيئة الطير أنت لم تخلقه ولم تصنعه فأنت لست فناناً ولا نحاتاً ولا مثّالاً وإنما تعمل بالطين كهيئة الطير فرب العالمين أصلح الهيئة وعملها طير ونفخ فيها فإذا كان الضمير يعود على الهيئة هذا فيه إعجاز، إعجازياً إعجاز هذه الهيئة الملخبطة التي عملها سيدنا عيسى عجنها عجيناً نفخ فيها وصارت طيراً ولما رب العالمين يصحح هذه الهيئة التي صنعها سيدنا عيسى بشكل إعجازي (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى (١٧) الأنفال) النبي ﷺ أخذ حصى ورماها ورمى كل واحدة بعين هل النبي أوصلها؟ لا لكن الله هو الذي رمى. أنت عجنت لكن الله هو الذي صلحها لك مرتين مرة سواها كالهيئة ومرة سواها طير فأنت إن كان هيئة تنفخ فيها وتصبح طيراً وإذا كان طيراً تنفخ فيه وكل واحد منهما له إعجازه الخاص فأنت في معجزتين في هذه الحالة، إذاً في النفخ في الهيئة والنفخ في نفسك.
الكوثر من صفات المبالغة تفيد (فوعل وفيعل) تدل على المبالغة المفرطة في الخير. وقيل عن الكوثر انه نهر في الجنة وقيل الحوض وقيل رفعة الذكر وغيره وكل ما قيل يشمل الخير الذي اعطاه الله تعالى لرسوله - ﷺ - فهو كوثر ومن الكوثر اي الخير الذي انعم الله تعالى على رسوله به.
والكوثر يدل على الكثرة المفرطة في الشيء والفرق بين الكوثر والكثير ان الكوثر قد تكون صفة وقد تكون ذاتاً اما الكثير فهي صفة فقط. وكون الكوثر صفة يدل على الخير الكثير وليس على الكثرة (الكثير هو الكثرة) ولكن الكوثر تدل على الخير الكثير والكثرة قد تكون في الخير وغيره. فالكوثر هو بالاضافة الى الكثرة المفرطة فهو في الخير خصوصاً. وقد تكون الكوثر الذات الموصوفة بالخير (يقال أقبل السيد الكوثر اي السيد الكثير الخير و العطاء) ولا يقال اقبل الكثير. النهر عادة هو ذات ولكنه ذات موصوف بكثرة الخير. فالكوثر اولى من الكثير لما فيه من الكثرة المفرطة مع الخير وهناك قراءة للآية (الكيثر) وهي صفة مشابهة مثل الفيصل.
والواو اقوى من الياء فأعطى الله تعالى الوصف الاقوى وهو الكوثر وليس الكثير. وفي هذه الآية حذف للموصوف فلم يقل تعالى ماءً كوثراً ولا مالاً كوثراً وانما قال الكوثر فقط لإطلاق الخير كله.
وعندما عرف الكوثر بأل التعريف دخل في معناها النهر ولو قال كوثر لما دخل النهر فيه لكن حذف الموصوف أفاد الإطلاق وجمع كل الخير.
وعندما اعطى الله تعالى رسوله - ﷺ - الخير المطلق والكثير فهو في حاجة للتوكيد والتعظيم ولذلك قال إنا مع ضمير التعظيم لأنه يتناسب مع الخير الكثير والمطلق وناسبه التوكيد أيضاً في إنا.
*( فصل لربك وانحر)*
*لماذا لم يقل سبحانه وتعالى فصل لنا او صل لله ولماذا قال انحر ولم يقل ضحي او اذبح؟
الكفل هو النصيب وأحياناً بمعنى المِثل. قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ (٢٨) الحديد) أي نصيبين من الرحمة أي يضاعف لهم الأجر إذن لماذا لم يقل أجرهم كما في آية القصص؟ الأجر في اللغة هو الجزاء على العمل، أصل الأجر الجزاء على العمل تقول أعطه أجراً، استأجره أي يعمل عملاً مقابل مال. الكِفل ليس له علاقة بالعمل وإنما نصيب. الكفل هو المِثل وقد يكون في الخير أو في الشر. لكن السؤال لماذا قال هنا كفلين من رحمته وقال في القصص والأحزاب أجرهم وأجرها؟ قلنا أن الأجر هو الجزاء على العمل وهنا لم يذكر عملاً وإنما التقوى والإيمان بالرسول هذا ليس عملاً وإنما قلبي الآن ما ذكر العمل بينما في القصص قال (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (٥٤) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (٥٥)) إذن ذكر الأجر بمقابل العمل قال (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) وفي سورة الأحزاب (وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ) إذن الأجر مقترن بالعمل أما الكفل فهو النصيب.
*في الآية (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) أين النور في الدنيا أو الآخرة؟


الصفحة التالية
Icon