فانفجرت) جاءت هنا في مقام التكريم والتفضّل وهي دلالة على أن الماء بدأ بالإنفجار بالماء الشديد فجاء بحالة الكثرة مع التنعيم.... (فانبجست) في مقام التقريع قلّ الماء بمعاصيهم فناسب ذكر حالة قلّة الماء مع تقريعهم.
*هل خروج الماء كان كثيراً أو قليلاً؟(د. فاضل السامرائى)
خروج الماء كان كثيراً في البداية لكنه قلّ بسبب معاصيهم. ليس هذا تعارض كما يظن البعض لكن ذكر الحالة بحسب الموقف الذي هم فيه لما كان فيهم صلاح قال انفجرت ولما كثرت معاصيهم قال انبجست. حتى نلاحظ مرة قال (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ (٦٠) البقرة) موسى هو الذي استسقى ومرة قال (إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ (١٦٠) الأعراف) طلبوا منه السقيا، أيها الإجابة أكثر أن يستقي النبي أو القوم يستسقون؟ لما يستسقي النبي إذن لما قال استسقى موسى قال انفجرت ولما قال استسقاه قومه قال انبجست. هي كلها صحيحة وهي خروج اثنتا عشرة عيناً. قال (كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ (٦٠) البقرة) لم يقلها لما قال انبجست وإنما قال فقط كلوا (كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ (١٦٠) الأعراف). اشربوا يحتاج إلى ماء إذن الماء الكثير يأتي مع الأكل والشرب فمع الأكل والشرب قال انفجرت لأنه يحتاج إلى ماء ولما لم يذكر الشرب قال انبجست.
*هذه قضية يستعصي على الكثير فهمها فما الموقف الذي حصل بالضبط؟(د. فاضل السامرائى)
المعرفة هى ما دلّ على شيء معين. الكذب يقصد شيئاً معيناً بأمر معين هنالك أمر في السياق يقصده فذكر الكذب، فلما يقول الكذب فهو كذب عن أمر معين بالذات مذكور في السياق أما عندما يقول كذب فيشمل كل كذب مثل قوله تعالى (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٩٣) فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤) آل عمران) الكلام عن الطعام، أمر معين، هو حرّم على نفسه وكذب على الله وقال حرّم كذا قال فاتوا بالتوراة في هذه المسألة مسألة الطعام فقال (فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ) لأن الكذب في مسألة معينة محددة.
التنكير كذب يشمل كل كذب وليس الكذب في مسألة معينة (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧) يونس) لم يذكر مسألة معينة حصل كذب فيها فالكذب عام. إذن التنكير في اللغة يفيد العموم والشمول.
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤) آل عمران) الإفتراء هو الكذب والافتراء في الأصل مأخوذ من الفري وهو قطع الجلد، وإفترى الجلد كأنه اشتدّ في تقطيعه تقطيع إفساد. فأُطلق الافتراء على الكذب بغرض الإفساد وأيُّ إفساد أعظم من إفساد شريعة الله تعالى؟!
آية (٩٦):
* (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦) آل عمران) هل البيت الحرام كان موجوداً قبل ابراهيم عليه السلام وهل بُني أو وُضِع للناس؟(د. حسام النعيمى)
هي ليست مرتبطة فقط بأول السورة وإنما مرتبطة بما قبلها ومرتبطة بأول السورة. قبلها قال (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦) لقمان) إلى قبلها مباشرة قال (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨)) ثم تأتي هذه الآية (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩)). أولاً (ولئن سألتهم ) والليل والنهار والشمس والقمر أليس مما في الأرض؟ بلى. الأجل المسمى (كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) وقبلها (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ) متى سيكون البعث؟ في الأجل المسمى الذي ذكره فهي مرتبطة بما قبلها إرتباطاً واضحاً. يأتي ارتباطها بأول السورة (الم (١) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٦)) وقال في هذه الآية التي نحن بصددها (كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) هذا اليوم الذي يجازى فيه المحسنون ويحاسب فيه الكافرون، قال (وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)) أليس هذا في الآخرة؟ بلى، هذا أمر.
*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ (١٣٦) النساء) جاء في صلة وصف الكتاب المنزّل على محمد ﷺ بصيغة التفعيل (نزّل) بينما جاء في صلة وصف الكتاب المنزّل من قبل خالياً من التضعيف (أنزل) فلِمَ خصّ القرآن بالتضعيف؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إنما خصّ الله تبارك وتعالى القرآن بصيغة نزّل التي تدل على التضعيف لأن القرآن حينئذ كان يتنزّل على قلب محمد - ﷺ - بينما التوراة يومئذ كانت قد انقضى نزولها.
آية (١٣٧):
* ما سبب ذكر الفاء أو حذفها فى قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (١٣٧) النساء) ليس فيها فاء. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (٣٤) محمد) ؟(د. فاضل السامرائى)
فقلّل التوكيد في (أنّ) حتى يتوصل إلى الإدغام الموحي بصورة الجمع ولم يقل (بأننا) لأن فيها تفريق. (أنّ) مكونة من الهمزة ونون ساكنة ونون مفتوحة كما نقول: علمت أنّ زيداً يفعل كذا. (أنّ والتحقت بها: نا) نحن عندنا الأحرف المشبهة بالفعل فيها أنّ، كأنّ، لكنّ إنّ منتهية بنون مشددة لما تلتحق بها (نا) التي هي للمتكلمين أو المعظِّم لنفسه يكون عندنا ثلاث نونات فأحياناً العرب يخففون بحذف إحدى النونين فيقولون إنّي وإنّك. مع (نا) للمتكلمين يفعل الشيء نفسه إنّا وإننا، لكنا ولكننا وكأنا وكأننا ما أن يحافظ على كيانها فتكون (نا) مفصولة عنها (إننا، كأننا، لكننا). وإما أن يخفف بحذف النون الثانية فتدغم النون الأولى لأنها نون الضمير فتصير: كأنا، لكنا، إنا. فهنا حذف وخفف لأن التوكيدات كثرت فخفف التأكيد وتوصّل عن طريق هذا إلى الإدغام المشعِر بهذا الإلتصاق بين أنصار الله لذا قال (واشهد بأنا مسلمون) ولم يقل بأننا لأنها ابتعدت والصورة صورة مناصرة يراد لها صفّ والتصاق وفيها قرب وإلتصاق.
التخفيف وارد في لغة العرب والإتمام وارد نقول أننا وأنّا. لكن لماذا اختارها هنا التخفيف (أنّا)؟ هذا الغرض الذي يتبين من خلال هذا الجمع والضم. الكلام هنا على مناصرة ولذلك من أنصاري إلى الله قالوا آمنا بالله مناسبة.
هذا من باب الالتفات في البلاغة يلتفت من الغيبة للحاضر ومن الحاضر للغيبة لكن لماذا؟التحول من ضمير الغيبة إلى المتكلم ومن المتكلم إلى الغيبة يسمى الإلتفات ويذكر عموماً هناك أمر عام في الالتفات أنه لإيقاظ النفس لأن تغيير الأسلوب يجدد نشاط السامع وينتبه أن الخطاب كان عن غائب ثم تحول إلى حاضر، هذا أمر عام في الالتفات أنه يثير انتباه السامع ويجعله ينتبه مثلاً (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١)) يتكلم تعالى عن نفسه ثم قال (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢)) ولم يقل فصلّ لنا إذن هذا إلتفات. كل مسألة في القرآن فيها إلتفات عدا هذا الأمر كونه لتنبيه السامع فيها أمر. لماذا التفت في (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢))؟ الصلاة للرب وليس للمعطي، لو قال فصلّ لنا أي لأننا أعطيناك صلّ حتى لا يُفهم أن الصلاة من أجل العطاء لمن يعطي لكن الصلاة للربّ سواء أعطاك أو لم يعطيك. الصلاة ليست للعطيّة وإنما من باب الشكر فالالتفات في كل مسألة في القرآن له غرض.
*ما اللمسة البيانية في التحول في الضمير من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب؟
الالتفات في البلاغة كما قالوا يثير التفات السامع ويثير نشاطه. وهناك أمر آخر نبهنا عليه في أكثر من مناسبة أنه كل تعبير في القرآن بضمير الجمع للتعظيم، هذه تعظيم، كل ضمير في القرآن كله بلا استثناء يتكلم فيه عن الله لا بد أن يكون قبله أو بعده ما يدل على أن الله تعالى مفرد ليس هنالك موطن في القرآن فيه ضمير للتعظيم إلا ويبين أنه مفرد فيما قبله أو بعده، عندما قال (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١)) قال (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢)) ما قال فصلِّ لنا. (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)) ثم قال (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤)).
*لماذا قال وانحر ولم يقل واذبح؟
آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ (١٣) الحديد) في الآخرة ليس المشي في الناس وإنما النور له وحده وليس في الناس وليس يمشون به في الناس بينما في الأنعام هذه في الناس ومعاملاتهم وأحوالهم في الدنيا لذا قال (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) أما تلك فهي عامة في الآخرة لكن لا يمشي به في الناس. (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) في الدنيا والآخرة ولو قال في الناس لكان في الدنيا فقط كما قال في الأنعام قال (في الناس) والكلام على الدنيا.
آية (٢٩): ختام السورة
(لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩))
*فكرة عامة :