نحن نحاول أن نقف بلمسات بيانية عند بعض الجزئيات التي ترد في كلام الله سبحانه وتعالى. والكلام على سورة الفاتحة جملة وتفصيلاً يحتاج إلى حلقات وإلى كلام طويل. بل أكثر من هذا أن الفخر الرازي رحمه الله تحدث مرة وقال إن في سورة الفاتحة من الأسرار ما يزيد على عشرة آلآف فائدة فعجِب الناس منها وكذلك ذكر في بداية كتابه مفاتيح الغيب تعريفات من سورة الفاتحة بحيث أوصلها فعلاً إلى أكث رمن عشرة آلآف في تعريفاتها. نحن لا نملك هذا لكن الذي نقوله لأمر ما جعلها الله سبحانه وتعالى أصلاً في الصلاة بحيث أن المسلم يقرأها في كل ركعة وفي الحديث الشريف "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أو بأم الكتاب" ولهذا تحتاج إلى تأمل في مفرداتها في كلياتها وجزئياتها. وفيها إذا نظرنا إلى السورة تعظيم لله سبحانه وتعالى تمجيده بالحمد له وذكر ربوبيته للعالمين وإدراته لشؤونهم وفيها الحديث عن رحمته بهم وفيها الكلام على التوحيد توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وفيها حصر العبادة به وحصر الإستعانة به وفيها اللجوء إلى اليه ليثبتنا ويثبت من يقرأ هذه السورة على الصراط المستقيم الذي إتجهنا إليه بدخولنا في الإسلام والتثبت برحمته سبحانه وتعالى أن لا نزِلّ أو نضِلّ. فهي فيها معاني كثيرة لكن سنقف إن شاء الله تعالى عند هذه الجزئيات التي في جميع السورة ونقف عند قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين) والذي إخترناه كما إختاره طابعو المصحف الشريف وقلت هذا في الجلسة الماضية هو ما ذهب إليه علي إبن أبي طالب كرم الله وجهه بما رواه عبد الرحمن السلمي في أن قوله الله عز وجل إن بسم الله الرحمن الرحيم هي الآية الأولى من سورة الفاتحة. ولهذا إختيارنا لانعارض من إختار إختياراً آخراً كما قلنا.
* ما اللمسة البيانية في الجمع مع يستمعون والإفراد مع ينطر في قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (٤٣) يونس)؟(د. فاضل السامرائى)
هنا نسأل أيّ الأكثر المستمعين أم الناظرين؟ في مسجد أو محاضرة قد يحول عائق ما دون النظر إلى الخطيب لكن الذن يستمعون إليه أكثر فجاء تعالى بالجمع مع الكثرة (يستمعون) وجاء بالإفراد مع القلة (ينظر) ولو كان للقِلّة النسبية. وقد ورد هذا الاستعمال في القرآن فعلى سبيل المثال يستعمل القرآن البررة والأبرار يستعمل البررة دائماً للملائكة وليس للناس لأن الملائكة كلهم بررة (كثرة نسبية) فجاء بجمع التكسير، ويستعمل الأبرار للناس.
وفي مداخلة أحد المستمعين قال فيها أنه قد يكون استعمال الجمع للسمع والإفراد للنظر أن السمع يكون مباشراً وغير مباشر أما التظر فلا يكون إلا مباشراً.
*لماذا قال تعالى في سورة يونس (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ (٤٢)) بصيغة الجمع وإثبات النون مع السمع ثم قال (وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ (٤٣)) بالمفرد مع النظر؟(د. فاضل السامرائى)
؟ عطف البيان لا يمكن أن يكون مضمراً أو تابعاً لمضمر (ضميراً أو تابع لضمير) بينما البدل يصح أن يكون.
؟ عطف البيان لا يمكن أن يكون جملة ولا تابع لجملة بينما البدل يمكن أن يكون كذلك.
وهناك مسألتين أساسيتين يركزون عليهما:
١. البدل على نيّة إحلاله محل الأول.
٢. البدل على نية تكرار العامل أو على نية من جملة ثانية.
على سبيل المثال وحتى لا ندخل في النحو كثيراً نقول: يا غلام محمداً هذه جملة صحيحة الغلام اسمه محمد هذا لا يمكن أن يكون بدلاً لأنه لا يصح أن يحل محل الأول لأننا قلنا سابقاً أن البدل على نية إحلاله محل الأول ومحمد علم مفرد يكون مبني على الضمّ مثل (يا نوحُ) (يوسفُ أعرض عن هذا) ولا نقول يا محمداً.
وكذلك إذا قلنا: يا أيها الرجل غلام زيد. لا يمكن أن يكون بدل فلو حذفنا الرجل تصير الجملة يا أيها غلام زيد لا تصحّ.
مثال آخر: زيد أفض الناس الرجال والنساء. إذا حذفنا الناس لا تصح الجملة ولا يمكن أن تكون الناس بدل لأنه لا يصح قول: زيد أفضل الرجال والنساء. وإنما تُعرب عطف بيان.
وهناك مواطن أخرى عند غير الفرّاء مثال: أنا الضارب الرجل زيد. لا يمكن أن يكون الرجل بدل فلا يصح أن يقال أنا الضارب زيدٍ لأنه إذا عرّف الأول فيجب أن يعرّف الثاني. فليس دائماً يمكن أن يُعرب عطف البيان والبدل أحدهما مكان الآخر وإنما هناك مواطن يذكرها النحاة لكننا نقول أن عطف البيان موجود في اللغة. ومع ذكر كل الفروق بين عطف البيان والبدل كما ذكرنا سابقاً يأتي أشهر النحاة فيقول أنه لم يتبين له الفرق بينهما وأنا في الحقيقة من هذا الرأي أيضاً.
آية (٤٩):
*ما الفرق بين قوله تعالى في سورة يوسف (ذلك من أنباء الغيب) وفي سورة هود (تلك من أنباء الغيب)؟ (د. فاضل السامرائى)
الظنّ هو أعلى درجات العلم وهو الشعور في الذهن الذي يصل إلى أعلى درجات العلم وهذا الظنّ الذي يصل إلى درجة التوكيد كما قال تعالى في سورة الحاقّة (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ ﴿٢٠﴾).
*ما الحكمة في الآية (فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢) يوسف)؟ ما الحكمة في النسيان وبقاء يوسف في السجن سنوات؟(د. فاضل السامرائى)
الشيطان أراد أن يوقع بيوسف ويجعله في السجن لكن الشيطان كان قصير النظر فكان بقاء يوسف أولى وأصلح ليوسف لأنه لو خرج يوسف في حينها ثم رأى الملك الرؤيا إلى من سيرجع؟ فربنا حفظه في السجن فأبقاه مدة أطول لمهمة أكبر حتى يصبح عزيز مصر فأبقاه حتى يسهل الرجوع إليه وإلا أين يبحث عنه في مصر؟ أين يكون؟ فربنا سبحانه وتعالى أبقاه في مكانه لمهمة أكبر وهو نفع العباد ويكون عزيز مصر فلذلك الشيطان ما وّفق وحصل ما فيه مصلحة يوسف.
آية (٤٣):
*متى يستعمل جمع القلة وجمع الكثرة في القرآن الكريم و ما الفرق بين كلمتي (سنبلات) و(سنابل)؟
د. فاضل السامرائى:
القاعدة النحوية أن يكون جمع القلة للقلة وجمع الكثرة للكثرة. مثل (دراهم معدودة) جمع قلة و(دراهم معدودات) جمع كثرة، و(أربعة أشهر) جمع قلة و(عدة الشهور) جمع كثرة، (سبعة أبحر)جمع قلة و(وإذا البحار سُجّرت) جمع كثرة، (ثلاثة آلآف) جمع قلة و(ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) أكثر من عشرة جمع كثرة.
الأرض عندما خلقها الله عز وجل خلقها ميتة ما فيها لا عمران ولا شيء والآية رب العالمين يقرأها علينا كيف أن الله خلقها بسبعة أيام ولكن خلق فيها أقواتها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام هذه معروفة أن الله سبحانه وتعالى خلق الأرض على هذا الأساس ثم تطور الأمر يوماً بعد يوم قال (وَبَارَكَ فِيهَا ﴿١٠﴾ فصلت) رب العالمين قال (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ﴿١٢﴾ فصلت) لكن كلمة وبارك فيها (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ﴿١٠﴾ فصلت) أقواتها معروفة ما هي البركة؟ البركة يحدثنا النبي ﷺ عن بركتين عظيمتين هما أساس إحياء الكرة الأرضية زراعة وصناعة وحضارة وعلماً وأدياناً وفلسفات هذا الموت الحقيقي هناك (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) هذا موت موسمي، هنا (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) من بعد موتها أي من بداية الأرض كانت ميتة بلا فلسفة ولا حضارة ولا أنبياء ولا أديان ولا ولا الخ، فرب العالمين نزل ماءً مستمراً متدفقاً إلى يوم القيامة وليس هذا فقط أخبرنا النبي - ﷺ - أن هذا الماء ينبت وينبع من الجنة.
*ما الفرق بين السفاح والبغاء والزنى (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (٣٢) الإسراء)؟(د. فاضل السامرائى)
البغاء هو الفجور، بغى في الأرض أي فجر فيها أي تجاوز إلى ما ليس له. (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ (٧٦) القصص) تجاوز الحدّ. فهي تجاوزت حدها عندما فعلت هذه الفعلة. لذا يقال للمرأة بغيّ ولا يقال للرجل بغيّ (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) مريم) عند العرب لا يوصف الرجل بالبغيّ في الزنا البغاء للمرأة. إشتقاقه اللفظي بغت المرأة إذا فجرت لأنها تجاوزت ما ليس لها. الزنا هو الوطء من غير عقد شرعي. البغاء استمراء الزنا فيصير فجوراً. المسافحة أن تقيم معه على الفجور(مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ (٢٤) النساء)، تعيش معه في الحرام من غير تزويج صحيح. المسافحة والسفاح هي الإقامة مع الرجل من غير تزويج شرعي وهذا أشد لأنه تقيم امرأة مع رجل على فجور. كله فيه زنا والزنا أقلهم، إذا استمرأت الزنا صار فجوراً بغاء وإذا أقامت معه بغير عقد شرعي يقال سفاح. الرجل يوصف بالسِفاح أيضاً (غير مسافحين). الزنا يوصف به الرجل والمرأة (والزانية والزاني) أما البغاء والبغي فللمرأة تحديداً والسفاح للرجل والمرأة. وكل كلمة لها دلالتها في القرآن الكريم.
*ما الفرق بين (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣٢) الإسراء) و(وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (٢٢) النساء)؟(د. أحمد الكبيسى)
ثم قال (هَلْ أَتَّبِعُكَ) ولم يقل أتبعك للدلالة على الحرص وشدة المتابعة (افتعل) فيها حرص وفيها جدة مثل جهد واجتهد مثل كسب واكتسب المبالغة في الاجتهاد والمبالغة في الاتّباع (هَلْ أَتَّبِعُكَ) إذن هو حريص على التعلم شدة المتابعة، الاجتهاد في المتابعة ليس كيفما كان الأمر وإنما حريص على المتابعة. ثم قال (تُعَلِّمَنِ) ولم يقل أتعلم أو أستفد يريد أن يكون هو شيخه في مقام المعلم والتلميذ لم يقل أتبعك لأستفيد فقد لا يعلم كل شيء بالإتباع فالأمر يحتاج إلى شرح وتوضيح وبيان، إذن هذا تواضع آخر أن يجعل من نفسه تلميذاً وهذا معلِّم. ثم قال (عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ) يعني ليس له غرض غير طلب العلم ليس له غرض آخر لا مال ولا جاه ولا دنيا، لهذا الغرض، (عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ) هذا شرطه. (على) هنا تفيد تحديد المطلوب بالضبط مثلاً يقال زوّجته ابنتي ليعينني هذا يعني أنه يأمل، أما لو قيل زوّجته ابنتي على أن يعينني هذا شرط. (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) الإتباع للعلم وليس لي غرض آخر وهذا الإخلاص في طلب العلم. ثم نلاحظ أنه يحسُن بالمعلِّم أن ينبه على مريد التعلم ما لا خبرة له به، أن عليه أن يصبر حتى النهاية ولا يتعجل (قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (٧٠)) المعلِّم يحسن به أن ينبه المريد قد أفعل ما لا خبرة لك به فانتظر النتيجة حتى تتعلم ولا تتعجل. ثم فيه تواضع المتعلم وأدبه في الطاعة فقال (وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) هذا تواضع آخر وأدب في الطاعة. في هذه القصة فيها تعليم الله لعباده أن له أسراراً خفية في هذه الحياة وأن لا يحكم على الظاهر دوماً فإن من حكمة الله ما يخفى على مقربيه أحياناً وفي الحياة أسرار لا نستطيع أن نعلمها كلها حتى على المقربين والرسل.
المقصود الملائكة. المتكلم هو جبريل - عليه السلام - إحتبس جبريل ليس بأمره هو وإنما بأمر الله مدة طويلة فعاتبه الرسول - ﷺ - احتبست عنا ونحن أشوق إليك فقال بل أنا أشوق لكن أنا عبد مأمور فهذه حكاية (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) الملائكة كلهم لا يستطيعون التنزل إلا بأمر ربهم، جبريل هو وغيره من الملائكة. الرسول - ﷺ - قال لقد أبطأت عنا فقال جبريل بل أنا أشوق إليك وإنما أنا عبد مأمور فصيغت هذه الآية (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ).
آية (٦٨):
قال تعالى في سورة مريم (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨)) وقال (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)) هل المؤمنون والمتقون يردون جهنم؟(د. حسام النعيمى)
بعض المفسرين يقول (وإن منكم إلا واردها) أنه يرد على الصراط فالكافرون يسقطون في النار والمؤمنون يتجاوزونه. وقسم يقول يدخلون فيها ثم تكون برداً وسلاماً عليهم وإن كان هناك من يقول إذن ما فائدة دخولهم؟
الربط بين الآيات يرينا رأى آخر:
هنا استعمل الشعور في الكلام على القضايا الظاهرة وعلى الأحاسيس الواضحة، هنا المخادعة عمل ظاهر، يخادعون، يقولون، يتصرفون، فالشيء الذي يكون بالأحاسيس، يتلمسه بحواسه، بالكلام، بالحركة يناسبه الشعور الذي فيه معنى الإحساس (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (١٢) استعمل (لا يشعرون) الشعور لأن الإفساد ظاهر. لكن لما تكلم على القضايا القلبية المعنوية (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ (١٣) استعمل (لا يعلمون) لأن العلم داخلي. لكن لما استعمل دعاهم إلى الإيمان والإيمان شيء قلبي لا تعلمه استعمل (لا يعلمون) ما قال لا يشعرون لأن الإيمان ليس شعوراً ظاهراً وإنما هو علم باطن.
آية (١٠):
*(فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ (١٠) البقرة) المرض هو الضعف والفتور فهل كل كافر مصاب بمرض في قلبه؟ تخيل شخصاً مريضاً ما الذي يبدو عليه؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
وماذا يفعل المرض بجسده؟ إن مظهره يبدو شاحباً والمرض يقتل جسده وروحه رويداً رويداً وكذلكم الأمر بالنسبة إلى النفاق فالجهل وسوء العقيدة مرض إيماني وأخلاقي يميت نور الإيمان في قلب صاحبه.
آية (١٤):
* (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (١٤) البقرة) ضبط واو الجماعة في لقوا وخلوا؟ ومتى تُفتح الواو وتُضَم؟(د. فاضل السامرائى)
من حيث اللغة النزغ هو الإفساد بين الأصدقاء تحديداً، بين الإخوان، بين الناس (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ (٣٦) فصلت) النزغ هو أن يحمل بعضهم على بعض بإفساد بينهم، هذا هو النزغ في اللغة، أن يغري بعضهم ببعض ويفسد بينهم. الوسوسة شيء آخر وهي عامة، يزين له أمر، يفعل معصية، يزين له معصية، الوسوسة عامة والنزغ خاص بأن يحمل بعضهم على بعض وأن يفسد بينهما. قال تعالى (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (١٠٠) يوسف)، لم يقل وسوس. مع آدم وحواء لم يكن هناك خصومة بينهما لكن مع إخوة يوسف كان هناك خصومة فقد حاولوا أن يقتلوا يوسف، أفسد بينهم، أغروا به حتى أفسدوا. الوسوسة عامة لأنه يدخل فيها النزغ. هنا(نزغ الشيطان) الحالة الخاصة للحالة الخاصة وهذه الحالة هي هكذا بين يوسف وإخوته، هذا هو المعنى اللغوي. يقولون أصل الوسوسة الصوت الخفي ويكون مسموعاً أحياناً وأحياناً يكون غير مسموع وإنما يبقيه الشيطان في نفس الإنسان (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس) والصدر هو الممر إلى القلب فإذا وسوس في الصدر الشيطان يريد أن يملأ الساحة بالألغام كما يفعل الأعداء في الحرب. وقد تكون الوسوسة بالكلام المسموع، همس أو كلام خفي بينك وبين أحد بدليل أنه لما وسوس إبليس لآدم كان كلاماً باللسان (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (١٢٠) طه) سماها القرآن وسوسة ثم قال (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) الأعراف) قاسمهما أي حلف لهما بالله ولذلك لما رب العالمين عاتب آدم قال آدم: يا رب ما كنت أظن أحداً يحلف بك كاذباً. الوسوسة إذن تكون في الصوت المسموع أحياناً وبالصوت غير المسموع أحياناً.
سؤال: كلمة وسوس فيها هدوء وخفية وفيها تكرار مقطع (وس/وس) فهل هي مرتبطة بكلام سيئ أو خبيث؟
الآية الثانية (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠)) الآية هو عاقب بما عوقب به ثم بغي عليه لكنه لم يعاقب الآن، ما قال أخذ حقه وما قال كالأولى (عاقب بمثل ما عوقب به) ولكنه فقط بُغيَ عليه لم ينصره أحد فقال (إن الله لعفو غفور) ثم عفا وغفر. لما قال تعالى (إن الله لعفو غفور) إشارة إلى أنه إذا عفا وغفر نصره الله لأن الله تعالى يقول له (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (٤٠) الشورى) (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (٢٣٧) البقرة) عندما قال بُغي عليه ولم يأخذ بحقه معناه أنه عفا وغفر. في الأولى قال عوقب فعاقب، ثم لما بغي عليه لم يأخذ حقه وربنا تعالى ما دام عفا وغفر ينصره الله ثم قال (لعفو غفور) تخلّقوا بأخلاق الله تعالى فالله عفو غفور فأنت اعف واغفر. هذا إلماح لنا لأن نعفو ونغفر وأن لا نعجّل بالعقوبة، تلميح لنا بأن الله تعالى عفو غفور أن نعفو ونغفر فهذا توجيه لنتخلق بصفات الله عز وجل. هذه إشارة إلى أنه لم يعاقِب ولم يأخذ بحقه وإنما عفا وغفر والله عفو غفور فقال (لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١)) الليل آلته السمع لا الإبصار والنهار السمع والأبصار. الله سبحانه وتعالى في الليل والنهار سميع بصير هذا أمر. إذن الآية مرتبطة بقوله تعالى (يولج الليل في النهار ) ومرتبطة بما قبلها (ومن عاقب بمثل ما عوقب به) يسمع ويرى من عاقب ومن عوقب. ثم قال (لينصرنه الله) والناصر ينبغي أن يسمع ويرى وإلا كيف ينصر؟. مرتبطة بالليل والنهار وآيتهما السمع والبصر والله سميع بصير ومرتبطة بما قبلها في كونه ناصراً ةفي كونه يرى ويسمع من عاقب ومن عوقب.
ما) في الغالب تقال للرد على قول في الأصل يقولون في الرد على دعوى، أنت قلت كذا؟ أقول ما قلت. أما (لم أقل) قد تكون من باب الإخبار فليست بالضرورة أن تكون رداً على قائل لذلك هم قالوا لم يفعل هي نفي لـ(فعل) بينما ما فعل هي نفي لـ (لقد فعل). حضر لم يحضر، ما حضر نفي لـ قد حضر (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ (٧٤) التوبة) (ما اتخذ) ضد قول اتخذ صاحبة ولا ولدا، لم يتخذ قد تكون من باب الإخبار والتعليم (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (٢) الفرقان) هذا من باب التعليم وليس رداً على قائل وليس في السياق أن هناك من قال وردّ عليه وإنما تعليم (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ) يخبرنا إخباراً (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) في الإسراء (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (١١١)) بينما نلاحظ لما قال في محاجته للمشركين (ما اتخذ الله من ولد) هم يقولون اتخذ الله ولد (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) المؤمنون).
صيغة الأنفال طاعة واحدة لله ورسوله الرسول الكريم هنا معرّف بالإضافة إلى إسم الجلالة. (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لاحظ أن الرسول أضيف إلى الضمير يعني أطيعوا الله ورسوله الذي أرسله الله عز وجل بالكتاب هذا الأمر بالطاعة طاعة الرسول هنا هي طاعة الله بالضبط لماذا؟ لأن الرسول جاءك مبلغاً ينقل لكم هذا الكتاب فأطيعوه ولهذا قال وأنتم تسمعون (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (٢٢) الأنفال) يعني قضية سماع (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (٦٧) المائدة) فلما جاءت هذه الصيغة وهي الصيغة الأولى التي ينبغي أن نفهم بأنها أول الصيغ أنت أول عمل تعمله أن تسمع القرآن الكريم، من الذي جاءك به؟ محمد صلى الله عليه وسلم. فلما محمد ﷺ يقول لك هذه آية في سورة كذا هذا القرآن من عند الله هذا كلام الله إنما أنا رسول مبلِّغ عليك أن تطيع (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيما بلغكم به عن ربه ولهذا أضاف الرسول إليه (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لأن طاعة الرسول هنا هي بالضبط طاعة الله. فحيثما رأيت في كتاب الله أطيعوا الله ورسوله إعلم أن الكلام يتحدث عن القرآن الكريم. هذا الأسلوب الأول.
الأسلوب الثاني:
الفعل نادى يستتبع حرف جرّ نادى على فلان أو نادى كذا؟ ناداه مباشرة، ناداه بكذا، تقول: ناديت زيداً وفي آية أخرى ناداه ربه الفاعل معلوم وهنا بُني للمجهول بحسب مكانها هنا، لما قال ناده ربه فيه نوع من التطمين بحسب سياق الآيات ولكن هنا في المكانين (نودي) فيه نوع من التفخيم والتعظيم لذات الله سبحانه وتعالى. البناء للمجهول له أغراض منها تعظيم وتفخيم الفاعل الذي لا نريد أن نذكره وقد يكون للتحقيق بحسب السياق وأحياناً للتنزيه (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ (١٠) الجن) تنزيه لله سبحانه وتعالى هن نسبة الشر إليه بينما مع الرشد ذكروا إسم الله تعالى (أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا). البناء للمجهول للمفعول أي إخفاء الفاعل له أغراض كثيرة في لغة العرب منها التنزيه منها التفخيم والتعظيم. فهنا من تعظيم الله تعالى وتفخيمه.
(أن بورك من في النار) أنزل الله عز وجل البركة على موسى - عليه السلام - (مَنْ) وعلى الملائكة (ومن حولها).
* موسى عليه السلام إعتقد أنها نار وهي ليست ناراً ولكن الله تعالى قال (بورك من في النار) فكيف نفسر هذا؟(د. حسام النعيمى)
يمكن في جاء وأتى لكن في بعض التصريفات والتقليبات فيها لما يقول الميتاء والأتي وأتّى، اللغة تعي هذا حق الوعي. ربنا قال مثلاً (فَإذا جَاءَ أَمْرُنا وَفارَ التّنّورُ (٢٧) المؤمنون)، وذلك لأن هذا المجيء فيه عقوبة ومشقة وشدة وقال (وجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالحَقّ (١٩) ق) وقال (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرَا (٧١) الكهف) وقال (لقَدْ جِئْتَ شِيْئا نُكْرا (٧٤) الكهف) وقال (قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً (٢٧) مريم) وقال (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) مريم). وقال (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (٨١) الاسراء) وقال (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) عبس). وقال (فإذا جاءَت الطّامّةُ الكُبْرَى (٣٤) النازعات). وهذا كله مما فيه صعوبة ومشقة.
نحن وقفنا أما رب العالمين فهذا المصير رب العالمين سبحانه وتعالى في تلك الساعة سوف يحاسبنا، من الذي يملك المحاكمة؟ ومن الذي يملك أن يحكم عليك بالخلود في النار أو بالخلود في الجنة؟ هذا يسمى مرجعية الحكم. من هي المرجعية التي يكون كلامها هي الفصل؟ عند الخصومة في الدنيا القاضي هو الذي ترجع إليه الأمور تذهب أنت والخصم عندك محامي وهو عنده محامي وتذهب إلى المحكمة وأوراق ودعاوى ثم يقف الخصمان أمام القاضي فالقاضي هو الذي يحكم بينكما فترجع الأمور إلى القاضي الذي يقوله القاضي هو الصح ليس هناك غيره، هذا في الدنيا إلى القاضي ترجع الأمور يوم القيامة لمن ترجع الأمور؟ إلى الله عز وجل.
هناك أكثر من اختلاف بين الآيتين. نلاحظ أنه في آية الروم قدّم الكفر وأخّر العمل (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤)) ثم نلاحظ أنه ليس هذا فقط وإنما ذكر عاقبة كلٍ من الفريقين في آية الروم بينما في لقمان ذكر فقط عاقبة الشكر ولم يذكر عاقبة الكفر (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) بينما في آية الروم ذكر عاقبة الإثنين (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤)) ذكر عاقبة الكفر (فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) وعاقبة الإيمان والعمل الصالح (فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ). أما في لقمان فذكر عاقبة الشكر (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) يستفيد هو لأن عاقبة الشكر يعود عليه نفعها أما في الكفر لم يذكر شيئاً وما قال يعود عليه كفره. بينما في الروم فقال (فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) ذكر العاقبة، هناك لم يذكر. إذن صار الخلاف أيضاً من ناحية الجزاء ذكر في لقمان ذكر جزاء الشاكر ولم يذكر جزاء الكافر وفي الروم ذكر جزاء الإثنين الكافر والعمل الصالح. وفي الروم ذكر الفعلين بالماضي (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤)). حتى المقابلة في لقمان قال (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) الكفران بمقابل الشكر بينما في الروم قال (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) اختلفت. فهي إذن ليست مسألة واحدة بين الآيتين وإنما أكثر من وجه للإختلاف بينهم والسياق هو الذي يحدد الأمر.
*لماذا قدّم الكفر على العمل الصالح في آية سورة الروم؟
المعروف في اللغة أن كلمة قريب إذا كان القُرب للنَسَب تطابق تقول هو قريبي وهي قريبتي، هذا قريب في النسب تحديداً. وإذا لم تكن للنسب فتجوز المطابقة وعدمها قال تعالى (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (٦٣) الأحزاب) (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) الشورى) هذه ليست للنسب. فإذن في النحو جائز.
*في سورة الأحزاب قال الله تعالى (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴿٦٣﴾) وفي سورة الشورى (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ﴿١٧﴾) ما الفرق بين الآيتين؟(د. أحمد الكبيسى)
فى مداخلة مع برنامج أخر متشابهات: في الآية الأولى بما معناه أن الكفار لا يهمهم سواء قامت الساعة أو لم تقم لأنهم من الأصل ليسوا مؤمنين وفي الآية الثانية يقول تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) هنا معلقة الساعة بالفعل أن الإنسان ينتظر أي وقت ممكن أنها تأتي الساعة فيكون مستعداً لها والله أعلم.
الإجابة: أحسنت بارك الله فيك. كلمة (لعل) في القرآن نحن في الدنيا للترجي ممكن يصير ممكن لا يصير أقول لعلني سوف أكل أو سوف أذهب لعلني أجد فلاناً أما بالنسبة لله عز وجل تدل على التأكيد (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴿١﴾ الطلاق) يعني معناها قد أحدث أمراً فعلاً هكذا.
آية (٦٥):
*لماذا اقترن لفظ (أبداً) في خلود الكافرين في النار وأحياناً لاترد؟(د. فاضل السامرائى)
والمعنيان مرادان مرتبطان بما قبلهما أجل ارتباط وأحسنه. جاء في التفسير الكبير في قوله (واضرب لهم مثلاً) "وفيه وجهان والترتيب ظاهر على الوجهين: الوجه الأول هو أن يكون المعنى واضرب لأجلهم مثلاً والثاني أن يكون المعنى واضرب لأجل نفسك أصحاب القرية لهم مثلاً أي مثّلهم عند نفسك بأصحاب القرية. وعلى الأول نقول لما قال الله (إنك لمن المرسلين) وقال (لتنذر) قال: قل لهم (ما كنت بدعاً من الرسل) بل قبلي بقليل جاء أصحاب القرية مرسولن وأنذروهم بما أنذرتكم وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار الإقامة. وعلى الثاني نقول: لما قال الله تعالى إن الإنذار لا ينفع من أضلّه الله وكتب عليه أنه لا يؤمن قال للنبي عليه الصلاة السلام فلا تأس واضرب لنفسك وقومك مثلاً أي مثّل لهم عند نفسك مثلاً حيث جاءهم ثلاثة رسل ولم يؤمنوا وصبر الرسل على القتل والإيذاء وأنت جئتهم واحداً وقومك أكثر من قوم الثلاثة فإنهم جاؤوا قرية وأنت بُعثت إلى العالم".
جاء في روح المعاني: "فالمعنى على الأول: اجعل أصحاب القرية مثلاً لهؤلاء في الغلو في الكفر والإصرار على التكذيب أي طبق حالهم بحالهم على أن (مثلا) مفعول ثان لا ضرب و (أصحاب القرية) مفعوله الأول أُخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه. وعلى الثاني اذكر وبيّن لهم قصة هي في الغرابة كالمثل وقوله سبحانه وتعالى (أصحاب القرية) بتقدير مضاف أي مثل أصحاب القرية".
الكلام على مشهد من مشاهد يوم القيامة (ونفخ في الصور)، نلاحظ كلمة نُفِخ مبنية للمجهول لأن هناك من ينفخ بالصور والصور قالوا هو القرن المجوف مثل البوق ينفخ فيه، وعندنا في الأحاديث أنه ملك مخصص للنفخة الأولى (إسرافيل). (ونفخ في الصور) نلاحظ هنا أنه استعمل الماضي (نُفِخ) إشارة إلى التحقق (دلالة الماضي في الاستعمال القرآني إذا أراد التحقق يستعمل الماضي) وقع فعلاً وصار النفخ.
(فصعق من في السموات ومن في الأرض) ماضي أيضاً، يقول العلماء هنا إستعمل (من) التي هي للعاقل للشمول تشمل العاقل وغير العاقل. (ما لغير العاقل لكن أحياناً تستعمل للشمول أيضاً للعقلاء وغيرهم) وتأتي (من) للعاقل وغير العاقل، وقُدِّمت (من) لأن أصل القيامة لأجل محاسبة العقلاء. أما بقية المخلوقات وغير العقلاء سيصعق أيضاَ وفي الحديث أن الشاة الجمّاء تأخذ حقها من الشاة القرناء، يفصل بين الخلائق ثم يكونون جميعاً تراباً عدا هذا الخليفة وذريته يكون لهم حساب.
(فصعق) الصعقة بمعنى غُشي عليه أو مات، يقال صعق فلان أي غشي عليه، أغمي عليه وصعق فلان بمعنى مات وهنا بمعنى الموت أو غشي عليهم فماتوا حتى نجمع المعنيين. (فصعق من في السموات ومن في الأرض) يكون الهدوء عاماً عند ذلك.
ما الفرق الآن من الناحية البيانية بين قوله تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً. سورة النساء ﴿١٨﴾) وفي سورة المائدة: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ ﴿١٠٦﴾) وقوله تعالى في سورة البقرة (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿١٣٣﴾) وفي سورة المؤمنون (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿٩٩﴾) وفي سورة الأنعام (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ﴿٦١﴾).
وهناك انتهى الأمر وأصبحنا (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ﴿٢٣﴾ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴿٢٤﴾ الرعد) هذه العاقبة آخر شيء (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) هذا هو الفرق بين (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) و (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ). الآن استدرك علينا بعض الناس فهذه تصير وترجع أخذناها في الكلمة وأخواتها لكن طبعاً نحن الآن ينبغي أن نضع الكلمات في آياتها لكي نبين الفرق بين الآيتين لا بد أن نعود لكي نقتبس من ذلك البرنامج تلك الكلمات لكي نضعها في مواضعها هذه القضية الأولى.
****تناسب فواتح سورة الشورى مع خواتيمها****
التمرين الذي دخلت فيه هو حفظها للشعر العربي فكانوا يحفظونه: يسمع الشخص القصيدة مرة أو مرتين يحفظها. أمة حافظة فجاء القرآن الكريم بعد تدريب للناس على الحفظ فصار محفوظاً في الصدور. فضلاً عىن ذلك أنه كان يدوّن في وقتها وكان أكثر من ١٢ رجلاً من الصحابة يكتبون الوحي فهو إذن صورة مباينة مغايرة لما تقدّم. معنى ذلك أن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الآن الذي حُفِظ حفظاً علمياً حتى إذا جئنا إلى تحقيق النصوص هو محقق تحقيقاً علمياً.
التبيين هو توضيح أمر واحد كما تبين الكلمة الواحدة أو تبين المسألة الواحدة. التصريف والتفصيل فيه تبيين. على سبيل المثال (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) المائدة)، نفس القضية فاستعمل نبيّن أي نوضح. التفصيل والتصريف غير التبيين مع أن كلها إيضاح.
* في سورة الأنعام استعمال كلمة يصدفون (أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ (١٥٧) الأنعام) (انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) الأنعام) ما دلالة الفاصلة في الآيات؟(د. فاضل السامرائى)
ومن معنى السفاهة الحمق ورجعت إلى لسان العرب السفه في الأصل الخِفّة والطيش والسفيه الجاهل والساذج الأحمق. الضلال أمر طارئ يمكن أن يتحول عنه أما السفه يمكن أن يتحول عنه لكن بمدة طويلة يكاد يكون بهذا الشكل فلما كان الأمر يتعلق بإتهام ثابت يكاد يكون ثابتاً إحتاج لنفيه أن يستعمل إسم الفاعل الذي هو دال على الثبات. الكوفيون يسمون إسم الفاعل الفعل الدائم لأن فيه معنى الدوام فاستعمل النصح الثابت في مقابل التهمة الثابتة واستعمل النصح المتغير المتطور في مقابل الصفة المتغيرة المتحولة العارضة فهناك مناسبة في استعمال هذا اللفظ ولذلك العلماء ناصح لا تستقيم في المكان السابق وكلمة أنصح لا تستقيم في هذا المكان. في دقة التعبير لا تستقيم لأن هناك لما استعملوا الشيء العارض ينبغي أن تجيبهم بشيء عارض وهنا لما استعملوا الشيء الثابت ينبغي أن تجيبهم بشيء ثابت (أنصح) فيه تجدد واستمرار لكن فيه نوع من التحول والتغير ليس فيه هذا الثبات، ناصح تقابل السفاهة إتهامه بالسفه ولم يكتف بهذا (كلمة ناصح) وإنما الجملة الأخيرة في الآية (وأنا) يريد أن يزيل عن نفسه هذه التهمة، لاصقة هذه السفاهة وإنما قال (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) (نفس اللفظة التي قيلت عن نوح ولكن زاد عليها (وأنا) إستعمال المتكلم (لكم) وليس لغيركم كأنه تخصيص (وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) نوع من التأكيد باستعمال الجملة الإسمية واستعمال ضمير المتكلم ومجيء هذه اللام التي هي للإيصال يعني أنا لكم، لأجلكم، أنا من أجلكم، هذا اللفظ يناسب ما تقدم وذلك اللفظ يناسب ما تقدم.
نِعْمَ فعل ماضي جامد وهذا أشهر إعراب وإن كان هناك خلاف بين الكوفيين والبصريين هل هي إسم أو فعل لكن على أشهر الأقوال أنه فعل ماضي جامد. ويضرب في باب النحو نِعم وبئس (نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠) الأنفال)، (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) هود) بعدها فاعل لأنه يأتي بعدها المقصود بالمدح والذم. لما تقول: نِعْمَ الرجل محمود، نعربها على أشهر الأوجه: نِعْمَ فعل ماضي على أشهر الأوجه، الرجل فاعل، محمود فيها أوجه متعددة منها أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف أي الممدوح محمود أو مبتدأ والخبر محذوف مع محمود الممدوح ورأي آخر يترجح في ظني أن محمود مبتدأ مؤخر وجملة (نعم الرجل) خبر مقدم يعني محمود نِعم الرجل وهو الذي يترجح في ظني. (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) المخصوص محذوف نتكلم عن داوود - عليه السلام -. تقول محمود نِعْم الرجل هذا جائز لكن هو على الإعراب الذي رجحناه يجوز التقديم والتأخير وعلى الإعراب الآخر يكون خبراً مقدماً والمبتدأ محذوف لكن لماذا يرجح هذا أو هذا هذا أمر يتعلق بالنحو. أنا يترجح عندي أن فيها خمسة أوجه، قسم يقول بدل وقسم يقول عطف بيان وفيها أوجه كثيرة وأنا يترجح عندي أنه مبتدأ لأنه يمكن أن ندخل عليه (كان) نِعَم الرجل كان محمود و(كان) تدخل على المبتدأ والجملة قبلها خبر لأنه لو كان خبراً لنُصِب لكنه ورد مرفوعاً نِ‘ْم الرجل محمودٌ.
آية (٤١):
* ما دلالة وصل (أنما) في آية سورة الأنفال (واعلموا أنما غنمتم من شىء )؟(د. فاضل السامرائى)
هذا السؤال عائد إلى خط المصحف (الخط العثماني) وليس عائداً لأمر نحوي، وحسب القاعدة : خطّان لا يُقاس عليهما خط المصحف وخط العَروض. وفي كتابتنا الحالية نفصل (إن) عن (ما) وحقُّها أن تُفصل.
قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (٥٣) وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ) خاطبهم أولاً قل لهم كذا ثم انصرف عنهم لأنهم لا يستحقون إستمرار الخطاب. لاحظ الشدة، أولاً قل لهم أنفقوا طوعاً أو كرهاً، أعطوا من أنفسكم طوعاً أو وأنتم كارهون ليس كل ما يدفعه الإنسان يقبل منه فابني آدم قربا قرباناً تقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر لذا دائماً يسأل الإنسان ربه أن يتقبل عمله. (إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ) ثم إنصرف عنهم (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (٥٤)) في الآية الثانية قال (إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ (٨٤)). (بالله وبرسوله) معناه هذه الآية فيها تفصيل (طوعاً وكرهاً) فيها تفصيل. وعلماؤنا في مسألة اللغة يقولون إذا تكرر حرف الجرّ كأنه يكرر المعنى فإذا قلت مثلاً: مررت بزيد وعمرو هذا مرور واحد كأنما هما في مكان واحد وأنت مررت بهما، لكن إذا قلت: مررت بزيد وبعمرو كأنك مررت مرورين مرور بزيد ومرور بعمرو فلما يراد التفصيل قد يكون الإثنان في مكان واحد لكنك تريد العناية والاهتمام بكل منها وفيها تفصيل، إذا تكرر حرف الجر كأنه تكرر المعنى. (إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ) كأنه كُفران: كفرٌ بالله وكفرٌ برسوله. لكن لما يقول (إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ) جمع الكفر مرة واحدة كأن فيها نوع من الاختصار. فالآية الأولى جاءت في سياق تفصيل حتى ندرك البيان فيها.
سورة مكية وتدور آياتها حول الإيمان بالبعث وقد أقامت الدليل على قدرة الله تعالى في خلقه وفي كونه. وقد ابتدأت السورة بالقسم بمخلوفين من مخلوقات الله العظيمة السماء والطارق وإن كان الله تعالى يقسم بمخلوقاته التي نرى كل يوم عظمتها وبديع صنعها فكيف لا نؤمن بمن خلق هذه المخلوقات وقدّر لها حركتها على أحسن وجه وفي أحسن صورة فسبحان الله خالق الكون المبدع العظيم. ثم تنتقل الآيات للحديث خلق آخر من خلق الله المبدع وهو كيفية خلق الإنسان من نقطة ماء (فلينظر الإنسان مم خلق)، واللطيف في هذه السورة أن الآيات تعرض أيضاً خلق الزرع من ماء المطر (والسماء ذات الرجع) أي المطر و(الأرض ذات الصدع) الأرض تتصدع ويخرج منها الزرع بعد أن نزل عليها المطر. وكأنما هذه الآيات تثبت أن الخالق واحد لا شريك له لأن طريقة الخلق واحدة، خلق الإنسان من ماء وخلق الزرع من ماء ولو كان هناك آلهة متعددة لتعددت طرق الخلق والإيجاد أما وحدة طريقة الخلق فهي تدل على وحدة الخالق سبحانه. فالمطر ينزل إلى رحم الأرض فيخرج الزرع المختلف ونقطة ماء الرجل تدخل رحم المرأة فيخرج المولود بعد أن كان جنيناً في رحم أمه، فسبحان خالق الإنسان والكون. وقد ختمت السورة كما في السورة السابقة بالحديث عن القرآن العظيم معجزة رسولنا الكريم - ﷺ - وتبيّن صدقه (إنه لقول فصل * وما هو بالهزل) وبيّنت إمهال الله تعالى للمكذبين بهذا القرآن (فمهّل الكافرين أمهلهم رويدا).
**من اللمسات البيانية فى السورة**
*(خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ (٦) الطارق) وذكر أنه نطفة وعلقة؟ ذكر القرآن مراحل خلق الإنسان فما الفرق بينها؟ وما دلالة مراحل الخلق؟(د. فاضل السامرائى)
*مع الذنوب يستعمل القرآن اغفر ومع السيئات فيستعمل كفِّر (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا (١٩٣) آل عمران) فهل هناك فرق بين اغفر وكفّر وبين الذنوب والسيئات؟
الذنوب أكبر من السيئات، السيئات صغائر والذنوب كبائر. تستعمل سيئة وقد تكون من اللمم، أنت تقول أسأت إلى فلان ولا تقول له أذنبت معه. فالسيئة قد تقال لصغائر الذنوب والذنوب ما هو أكبر. هذا يقتضي التغيير في المغفرة والتكفير. يقولون أن التكفير هو أصلاً ستر: كَفَر الشيء أي ستره ومأخوذ أصلاً من الزرع فالزارع يسمونه الكافر لأنه يستر البذرة في الأرض، كفرها أي سترها. الكافر في الشريعة هو الذي خرج عن الملة هذا في الاصطلاح وفي اللغة يعني ستر. في العربية البذرة تحفر لها حفرة صغيرة، وأصلاً العرب يسمون الليل كافر ومن أسماء الليل الظلمة والكافر لأنه يستر كما قال الشاعر:
لي فيك أجرُ مجاهد إن صحّ أن الليل كافر
المغفرة من المِغفَر وهو الذي يُلبس في الحرب حتى يمنع السِهام. أيها الأمنع من الإصابة المِغفر أو التراب في الأرض؟ المِغفر أمنع. الليل يستر لكن لا يمنع سهماً أو إصابة وإنما يستر على العموم لكن لو جاءت ضربة لا تمنع أما المِغفر يمنع، فلما كان الذنب أكبر فهو يحتاج إلى مانع أكبر لذا قال معه مغفرة لأن الذنب أكبر، الذنب يصيب الإنسان إصابة كبيرة فيحتاج إلى مغفرة كما يحتاج المِغفر في الحرب. لما كان الذنب أكبر إحتاج لمانع أكبر ولمغفرة أشدّ. كفر ستر قد تكون بدون منع أو قد تكون بمانع خفيف لذا قال (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا).
*هل هذا من قبيل الترادف في العربية أم أنه ليس هناك ترادف في العربية؟
علاقة الآية بما قبلها: أمر الله تعالى الرسول - ﷺ - بالذكر والتسبيح بعد الأمر بالصبر (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) والنهي عن طاعة الآثم والكفور (وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا) أمره بالإكثار من الذكر. وفي القرآن نلاحظ أن الله تعالى يأمر بالإكثار من التسبيح والذكر في المواطن التي تحتاج إلى صبر وفي الأزمات (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩) الحجر) وأمره بالتسبيح في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) الأنفال) ومداومة التسبيح تفرّج الكروب كما جاء في قصة يونس وهو في بطن الحوت (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) الصافات) فالذي نجّى يونس من بطن الحوت هو مداومته على التسبيح (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧)) والتسبيح وذكر الله هي أزكى الأعمال وأرفعها عند المليك. فهو ترتيب منطقي جداً بعدما تضيق الصدور والقلوب نذكر اسم ربنا.
آية (٢٦):
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (٢٦))
*ما الفرق بين الآيتين (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (٦٦) المائدة) و(وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا (١٦) الجن) لماذا لم يقل ولو أنهم استقاموا على الطريقة؟ لماذا حذف ضمير الشأن؟
لم يقل ولو أنهم استقاموا أو وأنهم لو استقاموا وإنما قال (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا) لو قال ولو أنهم استقاموا لربما أفهم أن ذلك مختص بهم دون غيرهم (لو أنهم) لكن الكلام عام ليس مختصاً بهم لكن لكل من يستقيم على الطريقة، لما قال (وألو استقاموا) هذا حكم عام ولو قال (ولو أنهم استقاموا) هذا مختص بهم المخاطبين الإخبار عنهم، أما في قوله (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (٦٦) المائدة) هذا مختص باليهود والنصارى ما علاقة الآخريم بالتوراة والإنجيل؟.
*ما الفرق بين (أن) في الآية (وألو استقاموا) وبين (ولو أنهم) بالضمير هم؟
(أن) هل ذكر ضمير؟ لا، هنا ضمير الشأن محذوف يعود على الشأن وليس على المخاطبين، (وألو استقاموا) هذا حكم عام لم يخصصه بهم بينما (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (٦٦) المائدة) هذا خاص بهؤلاء ثم هذا نسخ التوراة والإنجيل فالحكم كيف يأتي فيما بعد؟ إذن كل واحدة هي في مكانها.
*ما حكم التقديم والتأخير (وأنهم لو استقاموا أو لو أنهم استقاموا)؟
الحكم سيكون واحداً لم يقل أنهم حتى لا يخصص فئة معينة، هذا حكم عام لجميع الدنيا على مر الزمان من يستقم على الطريقة يسقى ماء غدقاً من قبل زمن نوح إلى قيام الساعة، هذا حكم عام بينما الآية الثانية حكم خاص.
*ما دلالة كلمة الطريقة (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦) الجنّ)؟(د. حسام النعيمى)