فالحمد لله رب العالمين هي الآية الثانية من سورة الفاتحة وفقاً لمصحف المدينة النبوية ووفقاً لإختار الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومن معه من صحابة رسول الله - ﷺ - ورضي الله غنهم أجمعين.
الحمد لله:
سنعرض ما ورد في كتاب الله عز وجل من لفظة الحمد لله؟ هنا عندنا الحمد لله رب العالمين فنقف أولاً عند قوله تعالى: الحمد لله. لما ننظر في التفسير بشكل سريع نجد أنهم يقولون الحمد أي الشكر، المديح لله، إلخ.. معناه أنهم يعرضون علينا ألفاظاً كأنها تكافئ أو تفسر كلمة الحمد فهي مدح وثناء وشكر. لكن لما تأتي إلى دقائق اللغة وما اطّلع عليه علماؤنا من لغة العرب نجد أنهم يقولون هناك فرق بين الحمد والمدح مع أن المدح والحمد مادتهما واحدة (ح-م-د) لكن هناك إختلاف في التركيب (حمد، مدح) ولعل هذا الإتفاق في الصوت هو الذي جعل إتفاقاً واسعاً بين الحمد والمدح لكن يبقى هناك فوارق جزئية حتى نعرف :
*هل يمكن أن نضع مكان الحمد لله المدح لله في سورة الفاتحة؟
الحمد والمدح:
هذا السؤال تكرر أكثر من مرة وأجبنا عنه. المستمعون أكثر من الذين ينظرون، حتى في الخطبة في المسجد أو في مكان آخر المستمعون كُثُر والناظرين قليل فلما كان المستمعون أكثر جاء بالجمع (يستمعون) ولما كان الناظرين أقل جاء بالمفرد (ينظر). قال منهم كله منهم وهم ليسوا فئة محدودة بعشرة أشخاص أو خمسة، منهم مستمعين وهم أكثر من الناظرين منهم من يستمعون ومنهم من ينظر ولكن المستمعين قطعاً أكثر من الناظرين فجاء بالكثرة بالواو الدالة على الجمع مع المستمعين وبالمفرد مع الأقل.
* لماذا جاء الفعل (يستمعون بالجمع) مع أن (من) يأتي بعدها مفرد مذكر (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (٤٢) يونس) مع أنه ورد بالإفراد في آيات أخرى؟ ولماذا وحّد النظر (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) وجمع الإستماع؟(د. حسام النعيمى)
كلمة القَصص مذكر مثل كلمة عدد وكلمة قَصص مذكر وهي ليست جمع قصة وإنما القَصص هنا بمعنى السرد أي بمعنى اسم المفعول أي المقصوص. وقد جاء في سورة يوسف قوله تعالى في أول السورة (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴿٣﴾) وهي قصة واحدة هي قصة يوسف - عليه السلام - فجاءت الآية باستخدام (ذلك) (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴿١٠٢﴾)، أما في سورة هود فقد جاء فيها مجموعة من قَصص الأنبياء فاقتضى أن تأتي الآية باستخدام (تلك) (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٤٩﴾).
*ما الفرق بين(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴿٤٤﴾ آل عمران) و (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ﴿٤٩﴾ هود)؟(د. أحمد الكبيسى)
ويجوز أن يستعمل القلة للكثرة والكثرة للقلة أما في القرآن قد يُعطى وزن القلة للكثرة والعكس لأمر بليغ. وقد جلء في سورة البقرة (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦١﴾) سبع جمع قلة استعملت مع جمع كثرة لأنها في مقام مضاعفة الأجور والتكثير. وفي سورة يوسف (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴿٤٣﴾ ) سبع استعملت مع جمع القلة (سنبلات) لأن الآية تتحدث عن حلم ولا مجال للتكثير فيه إنما هو مجرد حلم لذا استعملت بمعنى القلة.
وتستعمل للمقارنة بين معنيين مثل: قيام جمع كثرة وقائمون جمع قلة وكذلك أعين للبصر وعيون للماء، والأبرار جمع قلة وهي تستعمل للمؤمنين فقط (إن الأبرار لفي عليين) والبررة جمع كثرة وهي تستعمل للملائكة فقط لأنهم أكثر (كرام بررة).
وقوله تعالى (دراهم معدودة) مناسبة مع كلمة (بخس) في قوله (وشروه بثمن بخس) في سورة يوسف (أكثر من عشرة فهي كثرة) لكن حتى لو دفعوا أكثر من عشرة دراهم يبقى ثمناً بخساً. وقوله (أياماً معدودات) في آية الصيام في سورة البقرة، قللّها فهي أيام معدودات ليس كثيرة وهنا تنزيل الكثير على القليل، وقد قلل أيام الصيام لكن أجرها كبير.
د. أحمدالكبيسى:
تأمل أن في هذه الأرض نهران أساسهما ومنبعهما من الجنة كما قال المصطفى ﷺ والعجيب الذي وجدته أن نفس هذا الحديث موجود في الإنجيل، يقول النبي ﷺ والحديث جاء في الصحيح صحيح مسلم والبخاري وهذا طبعاً متفق عليه والمتفق عليه قضية لا يناقش فيها، أخبر النبي ﷺ أن الفرات والنيل هما من أنهار الجنة وقد جاء في كتاب بدء الخلق في صحيح البخاري ومسلم في باب ذكر الملائكة (رُفِعت إلى سدرة المنتهى منتهاها في السماء السابعة نبْقُها مثل قلال هَجَر وورقها مثل آذان الفيلة فإذا نهران ظاهران ونهران باطنان فأما الظاهران فالنيل والفرات) وأحاديث كلها بهذا كما ذكرها مسلم وغيره. والأحاديث الواردة في الفرات نفسها في التوراة في المسيحية وبحسب رواية الكتاب المقدس (إن الفرات يُعدُّ أحد أنهار الجنة جنة عدن جناتٍ عدنٍ يدخلونها) أضاف الإنجيل وطبعاً العهد الجديد والقديم أضاف أنه ليس فقط في الجنة وإنما من جنة عدن لكنه تكلم عن الفرات وحده. إذاً لو رب العالمين أراد أن يحدثنا أن هذه الأرض عندما خلقها خلقها ميتة من العلوم والأديان والحضارات وما الذي أحيا هذه العلوم التي تملأ الآن الأرض؟ وهؤلاء الأنبياء الكرام الذين جاءوا بالرسالات؟ وهذه الأديان التي رشدت البشرية؟ وهذه الفلسفات والقيم والمدنيات التي نعرفها جميعاً؟ ينص الحديثان كما تشير هذه الآية إلى أن الإحياء جرى في هذين الواديين وادي الرافدين ووادي النيل.
في سورة الإسراء (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣٢)) وفي سورة النساء (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (٢٢)) الزنا بالمحارم أو زواج زوجة الأب من بعده (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) أضاف كلمة مقت، شخص زنا بامرأة هذه فاحشة وسبيل سيء لكنه في الحقيقة ليس مقززاً ولا مقرفاً امرأة جميلة وكذا راقصة أو مغنية أو ممثلة أو بغي جميلة جداً والله قال (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ) لكن أن تزني بمحارم؟ هذا ليس فقط فاحشة هذا قمتاً يعني مقزز مقرف يثير السخرية يثير العار المقت أشد البغضاء (لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ (١٠) غافر) حينئذٍ هم الاثنين زنا لكن في زنا عن زنا زنا بأجنبية فاحشة وساء سبيلاً (فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) زنا بمحرم فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً (فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) فكلمة مقتاً تضيف إلى الزنا بالمحارم جريمة زائدة ولهذا عقوبة الذي يزني بالمحارم ليس كعقوبة الزاني رجم أو جلد لا وإنما يلقى من شاهق يصعدونه على جبل على منارة على برج ويرمى من فوق لأنه لا يسوى لخسته ونذالته وحقارته لا يساوي أن يعاقب عقوبة الرجال ولكنها من جنس عقوبة قوم لوط.
آية (٣٥):
*ما وجه الاختلاف بين القسط والعدل والقسطاس والميزان؟(د. فاضل السامرائى)
وأن الله تعالى قد يعلم بعضاً من عباده ما يخفى على الآخرين وإن كانوا أفضل منه (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦) يوسف). نلاحظ أن الشيطان قد ينسي العبد ما فيه مصلحة له (وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ (٦٣)) ليزداد نصباً وتعباً وليترك ما سعى إليه من خير، يُتعبه لعلّه ينصرف عن هذا الخير، لعلّه يتعب أو لعله يملّ أو يرجع فالشيطان قد يُنسي (وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ). ثم الطاعة في المعروف للمعلِّم (وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (٦٩) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (٧٠)) طاعة في المعروف. والنسيان يقع لعباد الله عموماً حتى الرسل فقال (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ (٧٣)).
سؤال: لكن الله تعالى قال للرسول - ﷺ - (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى (٦) الأعلى)؟
هذا في القرآن لكنه - ﷺ - سها في الصلاة.
قال تعالى (وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (٦٧) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨)) ننظر في الصورة فنجد أن هناك جهنم وهناك هؤلاء المنكِرون للحياة الثانية يذكّره أنه كيف تستكثر على الذي جعلك إنساناً من لا شيء أن يعيدك مرة أخرى ثم يرسم لنا صورة لهؤلاء حول جهنم فى مكان يجثون على رُكبهم ويحيط بهم الخوف والرعب والهلع. (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (٦٩)) من كل مجموعة أشدهم على الله سبحانه وتعالى معاندة وكِبراً وحرباً للمؤمنين يُنزع نزعاً من بينهم. لاحظ كلمة (لننزعنّ) كأنه يريد أن يلتصق بقومه الذين جعلوه سيّداً فيهم. (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (٧٠)) إذن هم الآن خارج جهنم والله تعالى يقول أنه أعلم بمن هو أولى هؤلاء أن يصلى النار. وصِليّاً من صلى يصلي يحترق لكن فيها صورة أخرى من أنه يصلى هذه النار كأنه تكون علاقة وارتباط وصلة. هي ليست مجرد احتراق عادي قد تضربه النار تحرقه لكن هو كأنه سيتصل بها. انتقل الخطاب إلى كل السامعين يعني وما منكم من أحد(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)) ورد المكان أو إلى المكان بمعنى حضر إليه فالورود قد يعني الدخول وقد يعني مجرد الوصول على حدودها ومنها قوله تعالى (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ (٢٣) القصص) هو أشرف عليه.
الواو ليست مفتوحة ولا مضمومة وإنما هي ساكنة في الحالتين وإنما هذا يتعلق بما قبلها. واو الجماعة إذا كان الفعل منتهياً بياء أو واو تُحذف ويضم ما قبل واو الجماعة (لقي لقوا، نسي، نسوا، خشي، خشوا) الأمر متعلق بطبيعة الفعل وماذا قبل الواو واو أو ياء أو ألف إذا كان قبلها ياء يضم (يدعو يدعُون، خفي، خفُوا، خشي خشوا، رمى رموا، دعا دعوا، مشى، مشوا، قضى قضوا، رضي، رضُوا، يرضى، يرضَون، يمشي، يمشون، يسعى يسعَون) إذا سبقت واو الجماعة بواو أو ياء يضم ما قبلها وإذا سبقت بألف يفتح ما قبلها وإنما هي ساكنة (لقي، لقُوا، خلا، خلَوا).
*ما الفرق بين (خلا بعضهم إلى بعض(٧٦) و (خلوا إلى شياطينهم(١٤)فى سورة البقرة؟(د. أحمد الكبيسى)
في قوله تعالى (وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴿٧٦﴾ البقرة) أي شياطين مع بعض أو الكفار مع بعض أما قوله (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ﴿١٤﴾ البقرة) أي خلوا إلى رؤسائهم وإلى قادتهم والخ.
آية (١٥):
*(وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) البقرة) لِمَ قال يعمهون ولم يقل يعمون؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
العمى فقد البصر وذهاب نور العين أما العَمَه فهو الخطأ في الرأي والمنافقون لم يفقدوا بصرهم وإنما فقدوا المنطق السليم فهم في طغيانهم يعمهون.
آية (١٦):
* ما دلالة قوله تعالى في الآية (اشتروا الضلالة بالهدى)في سورة البقرة؟(د. فاضل السامرائى)
لماذا جاءت الَضلالة بالهدى ولم تأتى الهدى بالضلالة ؟ فنقول أن هناك قاعدة تقول أن الباء تكون مع المتروك كما في قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٦) البقرة).
*ما الفرق بين الفسق والضلالة؟ (د. فاضل السامرائى)
هكذا يبدو من استعمالها لماذا لا يظهر هذا الكلام إلا إذا كان هناك ما يريد أن يخفيه عن الآخرين؟.
* يقولون أن الشيطان حاول أن يوسوس لآدم فلم يقدر عليه ثم تحول لحواء فقدر عليها فهل هذا صحيح؟ (د. فاضل السامرائى)
هوعز وجل أصلاً لم يذكر حواء في الوسوسة إنما قال:(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (١٢٠) طه) ثم قال (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا (٢٠) الأعراف) ما هنالك آية أفرد فيها حواء. إما أن يقول آدم أو يجمعهما معاً. حتى في قوله (فتشقى) هو الذي يكدح ولم يقل فتشقيا.
آية (١٢٣):
* ما الفرق بين استخدام الجمع والمثنى في الآيات (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦)البقرة) و(قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (١٢٣) طه)؟ (د. فاضل السامرائى)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢)) الناصِر لمن بُغيَ عليه والذي يولج الليل والنهار والسميع البصير أليس هو العلي الكبير؟ بلى.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣)) لطيف أي متفضِّل على العباد يلطف بهم بإيصال منافعهم أن تصبح الأرض مخضرة هذا من لطفه سبحانه بالخلق. خبير أي عليم بدقائق الأمور. وبمصالحهم يلطف عن خبرة بالمقادير التي يفعلها وعن حكمة. إذن عندما أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة هذا لطف بالعباد كلهم وعليم بالمقادير إذن هو خبير لطيف يرفق بعباده.
(لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤)) الذي له ما في السموات والأرض من أغنى منه؟! لا أحد، وقطعاً هو سبحانه الغني الحميد. الحميد هو المحمود في غِناه. لأن أحياناً يكون الشخص محموداً في فقره ولا يُحمَد في غناه لأنه قد يتغير وكثير من الناس تغيروا لما صاروا أصحاب أموال أما الله سبحانه وتعالى فهو المحمود في غناه وفي كل شيء ولذلك كثيراً ما يجمع الغني والحميد في القرآن (فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) لقمان) (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦) لقمان). أما سبب الاختلاف في التوكيد نشرحه في وقت آخر.
الآية الأخيرة (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (٦٥)) لو لم يرأف بهم ما أمسك السماء. إذن هذا التسخير سخر لكم ما في الأرض والبحر ويمسك السماء هي كلها رأفة ورحمة إذن رؤوف رحيم مناسبة للآية.
آية (٦٢):
لما رد على المشركين وقولهم قال (ما اتخذ) و(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ (٧٨) آل عمران) يقولون هو من عند الله فيرد عليهم (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ (٧٨) آل عمران). (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (٨) البقرة) معناه لما قال (ما اتخذ) يعني رد على أن هناك من يقول اتخذ فهو نفى قولهم ورد عليهم أما لم يتخذ فتأتي للإخبار والتعليم.
قال تعالى فى سورة الجن(مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (٣)) جاء بـ (لا) لم يقل ما اتخذ صاحبة وولداً حتى ينفي الأمر على سبيل الجمع والإفراد ما قال ما اتخذ صاحة وولداً لأنها تحتمل أنه لم يتخذهما بينما اتخذ أحدهما، تعبير احتمالي يحتمل أنه لم يتخذ لا صاحبة ولا ولد إنما اتخذ واحداً منهما، لما قال (مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) ينفي كلاً على حدة ينفي على سبيل الجمع وعلى سبيل الإفراد، نفى الصاحبة ونفى الولد. عندما نقول ما جاء محمد وخالد معناها ربما يكون أحدهما قد جاء لكن مفهوم قطعاً أن الإثنان لم يأتيا مع بعضهما. وقدّم الصاحبة على الولد لأن الولد إنما يأتي من الصاحبة.
آية (٩٩):
*ما دلالة الفعل(جاء)فى الآية؟ (د. فاضل السامرائى)
(جاء) فيه معنى القرب الشديد وتحقق الوقوع. استعمل في القرآن بهذه الصيغة.
في آل عمران أطيعوا الله والرسول هذا أسلوب جديد. يقول (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) ما أضاف الرسول إلى نفسه بل عرّفه بالألف واللام هذا الرسول له صلاحيات أن يفسر لكم القرآن ويبين مجمله ويفصِّل ما خفي منه والخ حينئذٍ أنتم أطيعوا الله في القرآن الكريم ثم أطيعوا الرسول في تصرفاته في هذا القرآن الكريم. وقال ﷺ (إنما أوتيت القرآن ومثله معه) الذي هو هذا الذي بلغنا هو من أين يعرف النبي أن الصلاة خمس اوقات والصبح اثنين والظهر أربعة من أين يعرف؟ كما نزل القرآن الكريم بلفظه للمصطفى جاء بيانه (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩) القيامة) هذا الرسول (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فقط مبلّغ يا مسلمون هذا أوحي إلي، (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ)لا الآن النبي ﷺ هو يؤدي دوره كرسول له علم وله كلام موحى بمعناه لا بلفظه وله صلاحية الفهم (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (١١٣) النساء) ورب العالمين علّم كل الأنبياء كما قال عن سيدنا عيسى (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (١١٠) المائدة) وهكذا.
الأسلوب الثالث:
على فهم موسى لها هو فهمها ناراً ولم يفهمها نوراً ما زال يعتقدها ناراً وهو في عجب من أمره لأنه لم يكن يعرف شيئاً غير النار. هي ليست ناراً لأنها لم تحرقه وليس هناك وقود. مع إبراهيم - عليه السلام - كان هناك وقود وخشب أما هذه فهي أرض منبسطة على الجبل ليس هناك خشب، هو ينظر، لا يوجد شيء يحترق ولم يجد أحداً والله سبحانه وتعالى أزال وحشته بهذا الخطاب المباشر وثبّت قلبه بالآيات لما قال (ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جانّ) الجانّ هو الأفعى الصغيرة في أول فقسها من بيضتها وليس الجنّ. الجان من أسماء الأفعى الصغيرة وهذه تكون سريعة الحركة. وعصاه كانت غليظة فهي أفعى غليظة (ثعبان مبين) لكن حركتها فيها نوع من السرعة كسرعة الأفعى الصغيرة. فاضطرب وهرب ولم يعقّب ولم ينظر وراءه. شيء طبيعي أن يخاف لأن المشهد مخيف: هو في ظلمة الليل وإذا به يرى شيئاً يظنه ناراً، جاء إليه وإذا الأرض ليس فيها حريق أو حطب أو شيء من نار لكن الشيء الذي أمامه هو مظهر من مظاهر النار، هو دخل في داخله وكلّمه الله سبحانه وتعالى فصار يُخاطب.
سؤال: هل سمعت زوجة موسى مخاطبة الله عز وجل له؟
وقد تقول: وقد قال أيضاً (هَلْ أَتاكَ حَديثُ الغَاشِيَة) والجواب: أن الذي جاء هنا هو الحديث وليس الغاشية في حين أن الذي جاء هناك هو الطامة والصاخة ونحوهما مما ذكر. لم يقل أتتكم الغاشية وإنما حديث الغاشية، حديث يعني الكلام، هناك جاءت الصاخة أو الطامة وليس الحديث عنها. لم تأت الغاشية وإنما هناك جاءت، هذا الكلام في الدينا (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (٣)) لأن الحديث عنها أما (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) عبس) ليس الحديث عنها. (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ (١) النحل) يعني قرب موعده فلا تستعجلوه، إذن لم يقع بعد. يقول تعالى (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ (٧٨) غافر)، أتى وجاء وأمر الله، أتى أمر الله فإذا جاء أمر الله، نكمل الآية حتى تتضح المسألة ونحو قوله (جَاءَهُمْ نَصْرُنَا (١١٠) يوسف)، (لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ (٥٣) العنكبوت). قال تعالى (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) النحل). وقال (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨) غافر). فقد قال في النحل: "أَتَى أَمْرُ اللهِ"، وقال في غافر: "جاءَ أَمْرُ اللهِ". أتى وجاء وأمر الله، أتى أمر الله فإذا جاء أمر الله، نكمل الآيتين حتى تتضح المسألة (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) النحل) (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨) غافر)، في النحل لم يأت بعد (فلا تسعجلوه) أما في غافر (قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ) هذا قضاء وخسران، أكمل الآيات حتى يتضح الفرق بينهما ويصير الفرق بائناً.
فهذه تتكلم لما رب العالمين ينزل كما في الحديث ثم بعد المحشر ينزل الله سبحانه وتعالى للفصل بين العباد، هذا الفصل الحساب ثم إصدار الحكم هذا (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ثم حكم عليه، صدر الحكم المرجعي صدر الحكم من مرجعيته المباشرة وهو الله عز وجل إلى أين نتوجه؟ قال ستتوجهون حتى النهاية (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) إما خالدٌ في الجنة أو خالد في النار، فلما تمشي من ساعة الحساب ثم تعبر الصراط وعلى الصراط هناك مشاكل وبعد الصراط حوض الكوثر وبعد حوض الكوثر دخول الجنة ثم يستقبلونك على الباب ويكون لديك مدير أعمال يأخذوك إلى دارك هذا الممشى (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) العاقبة آخر شيء، عقب الإنسان آخر شيء، إلى الله في الطريق وأنت ذاهب إلى أن تستقر استقراراً نهائياً إما في الجنة خالداً أو في النار خالداً (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الذي يدخل النار ثم يخرج منها هذا إلى العاقبة على أن يخرج من النار ثم يغتسل ثم يذهب إلى الجنة في الطريق كل هذا إلى الله (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) المرحلة النهائية لما يصل كل واحد منا إلى داره إلى سكناه ويدخل القصر واستقبال حافل كما جاء في الكتاب والسنة (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴿ ٤١ ﴾ الحج). هذا الفرق بين (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) وبين (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ). وهناك انتهى الأمر وأصبحنا (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ﴿ ٢٣ ﴾ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴿ ٢٤ ﴾ الرعد) هذه العاقبة آخر شيء (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) هذا هو الفرق بين (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) و (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
آية (٢٩):
ذكرنا أن التقديم والتأخير هو بحسب السياق وهو الذي يحدد هذا الأمر. السياق في الروم هو في ذِكر الكافرين ومآلهم (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤)) إذن السياق في ذِكر الكافرين فقدّمهم وقال (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ). في لقمان قال (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) بدأ بالشكر فلما تقدم الشكر (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِِ) بدأ بالشكر قال (وَمَن يَشْكُرْ) التقديم والتأخير كله بحسب المناسبة لذلك نلاحظ يقدّم الكلمة في موطن ويؤخّرها في موطن آخر بحسب السياق الذي ترد فيه.
*في الأفعال في سورة لقمان (وَمَن يَشْكُرْ) بين مضارع وماضي بينما في الروم بصيغة الماضي (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤)) فلِمَ التنوع في الصيغة الزمنية في الفعل؟
أبداً) ترد أحياناً مه أهل النار وأحياناً مع أخل الجنة وأحياناً يذكر الخلود من دون (ابداً). والقاعدة هو أنه إذا كان المقام مقام تفصيل وبسط للموضوع يذكر (أبداً) أو إذا كان المقام مقام تهديد كثير أو وعيد كثير أو وعد كثير كما جاء في الوعد الكثير للمؤمنين في سورة البينة وتفصيل جزائهم (جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴿٨﴾ ) وكذلك في سورة الجنّ الآيات فيها تهديد ووعيد شديد للكافرين فجاءت (أبداً) (إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ﴿٢٣﴾) وكذلك في سورة الأحزاب في مقام التفصيل والتوعّد الشديد ذكر أبداً (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ﴿٦٤﴾ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً ﴿٦٥﴾). وإذا لم يكن كذلك أي كان مقام إيجاز لا يذكر (أبداً) مثل قوله تعالى في سورة البيّنة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴿٦﴾).
آية (٦٩):
*قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (٦٩) الأحزاب) مم برّأه الله تعالى؟(د. حسام النعيمى)
وقال (إذ جاءها المرسلون) ولم يقل إذ جاءهم لأنه أراد أنهم أتوهم في مكانهم اينذروهم ولو قال (إذ جاءهم) لم يفد أنهم أتوهم إلى مكانهم بل يحتمل أنهم كانوا في مكان فأتاهم الرسل إليه. فقد يجتمع أهل قرية في مدينة ما ويأتيهم شخص إلى مكان اجتماعهم فيقال جاء أهل القرية فلان وكلّمهم ولم يفد ذلك أنه ذهب إلى قريتهم بخلاف قوله (جاءها) فإنه يفيد أنهم ذهبوا إليهم في دارهم ليبلغوهم دعوة ربهم وينذرونهم وفي هذا من الاهتمام بأمر التبليغ ما فيه. جاء في روح المعاني "وقيل (إذ جاءها) دون (إذ جاءهم) إشارة إلى أن المرسلين أتوهم في مقرهم".
وقال (جاءها) دون (أتاها) ذلك أن المجيء يكون لما فيه مشقة ولما هو أصعب من الإتيان ويبدو أنه كان في المجيء إلى أهل القرية وتبليغهم مشقى وإيذاء وتهديد فاختار المجيء على الإتيان ولذا قال تعالى (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء (٤٠) الفرقان) لأنه كان إتياناً سهلاً وذلك أنهم مروا بها وهم في طريقهم. وقال (حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها (٧٧) الكهف) لأن إتيانها ودخولها كان ميسراً ولم يجدوا من أهلها مساءة أو مشقة فاستعمل (أتيا) دون (جاءا).
آية (١٤):
(إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ﴿١٤﴾)
قال (أرسلنا إليهم) ولم يقل (أرسلنا إليها) كما قال (جاءها) لأن الإرسال في الحقيقة إلى أهل القرية لا إلى القرية أما المجيء فكان إلى القرية فإن القرية تطلق على المساكن والأبنية والضِياع وإن كانت خالية، قال تعالى (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها (٢٥٩) البقرة) ولذلك قال بعدها (فكذبوهما) فنسب التكذيب إلى أهلها ولم ينسبه إلى القرية لأنهم هم المرسَل إليهم وهم المكذبون.
إلا من شاء الله) هذه المشيئة المطلقة لله سبحانه وتعالى يختار من يشاء لعدم موته بتلك النفخة لأن هذا الذي ينفخ في الصور عقلاً لم يمت، لا يصعق هو، لكن قال العلماء بناء على الآثار أنه بعد أن يصعق كل من في السموات والأرض يموت. (إلا من شاء الله) هناك من سيجعلهم الله عز وجل ((من) تستعمل للواحد أو للجمع) لكن يمكن أن يكون الذي ينفخ في الصور حتى ينفخ النفخة الأخرى وقد يكون معه آخرون من الملائكة وليست حجة قوله تعالى (كل من عليها فان) لأن كل من عليها أي على هذه للأرض ولا يحتج بهذا كما يقول العلماء ونحن دائماً نحتج بقول العلماء حتى لا نأتي بشيء من عند أنفسنا. قد يأمر الله سبحانه وتعالى أن يموت بعد النفخة حتى لا يبقى سوى الله سبحانه وتعالى حيّاً ثم بعد ذلك يحييه ويأمره بالنفخة الثانية أو أنه لا يموت، ما عندنا دليل على أن الكل يموت، كل الملائكة الساجد والراكع في أنحاء المساء والأرض لكن يقيناً أهل الأرض جميعاً يموتون (كل من عليها فان) في السماء تبقى الملائكة ساجدة عابدة مصلّية مسبّحة وهذا الذي قلنا فيه أكثر من مرة أن هذا الذي يدخل في مساحة الغيب، لا يمنع أن هذا الملك النافخ سيموت بعد ذلك ولا يمنع أنه سيبقى فيتولى النفخة الأخرى فلما ينفخ النفخة الثانية فإذا هم قيام ينظرون، يقفون وأهم شيء عندهم التلفّت والنظر (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) لما يتلفت وينظر وإذا هذا الخلق كله يخرج من الأرض بهذه الصورة عند ذلك يتيقن الجميع أنه سيكون هناك حساب: المؤمن هو مطمئن والكافر يقول: من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، عند ذلك يؤمنون لكن لا فائدة من إيمانهم.
آية (٧٠):
القرآن الكريم له خصوصيات في التعبير فهم يستعمل كلمة (بررة) للملائكة وكلمة (ابرار) للمؤمنين. وفي كلمة حضر وجاء لكل منها خصوصية أيضاً. حضور الموت يُستعمل في القرآن الكريم في الأحكام والوصايا كما في سورة آية سورة البقرة وكأن الموت هو من جملة الشهود فالقرآن هنا لا يتحدث عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت فالكلام هو في الأحكام والوصايا (إن ترك خيراً الوصية) (ووصية يعقوب لأبنائه بعبادة الله الواحد).
أما مجيء الموت في القرآن فيستعمل في الكلام عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت كما في آية سورة المؤمنون يريد هذا الذي جاءه الموت أن يرجع ليعمل صالحاً في الدنيا فالكلام إذن يتعلق بالموت نفسه وأحوال الشخص الذي يموت. وكذلك في آية سورة الآنعام. ويستعمل فعل جاء مع غير كلمة الموت أيضاً كالأجل (فإذا جاء أجلهم) وسكرة الموت (وجاءت سكرة الموت) ولا يستعمل هنا حضر الموت لأن كما أسلفنا حضر الموت تستعمل للكلام عن أحكام ووصايا بوجود الموت حاضراً مع الشهود أما جاء فيستعمل مع فعل الموت إذا كان المراد الكلام عن الموت وأحوال الشخص في الموت.
*ما الفرق بين اعتدنا وأعددنا فى القرآن الكريم ؟ (د. فاضل السامرائى)
قال في بداية سورة الشورى (حم (١) عسق (٢) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤)) هذه بدايتها، وقال فى آخرها (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)) ثم يقول (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)). نلاحظ في البداية قال (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)) وفي النهاية (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) بدأت بالوحي وانتهت بالوحي. (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) وفي آخرها (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)) في الأول قال (له ما في السموات وما في الأرض) وفي آخرها (الذي له ما في السموات وما في الأرض). خاتمة الآية الثانية (وهو العلي العظيم) وفي النهاية (ألا إلى الله تصير الأمور)، العلي العظيم إليه تصير الأمور، إذن مرتبطة في الوحي وله ما في السموات وما في الأرض وفي صفات الله سبحانه وتعالى.
نعود للأيتين: نحن استقر عندنا أن اليهود حرّفوا التوراة وبسبب التحريف الذي في التوراة دخلوا في مشكلات بسبب التحريف لأنهم صاروا يجتهدون فيما هو خلاف كلام الله عز وجل ولذلك صار بينهم عداوة وهذه العداوة لا تنفصل إلى يوم القيامة. لكن هناك فارق بين عداوة اليهود فيما بينهم وعداوة النصارى فيما بينهم. عداوة اليهود فيما جرّه عليهم تحريفهم للتوراة فهي عداوة محددة بتحريف التوراة. أما عداوة المسيحيين فيما جرّه عليهم الإيمان بتحريفات اليهود فصاروا كاليهود في استحقاقهم العقوبة، أضافوا إلى ذلك تحريفهم الإنجيل فزادوا على اليهود في نزول العقوبة عليهم لأنهم أخذوا بالمحرّف وحرّفوا ما عندهم فيستحقون العقاب الأولى. هذه العقوبة الأَوْلى نحن نلمسها: نجد اليهود مختلفون لكن قد يتفقون في الظاهر لأن خلافهم في الغالب في قضايا الحياة الدنيا، في الماديات، في المصالح، أما النصارى فيختلفون في المصالح كاليهود يضاف إلى ذلك أنهم اختلفوا في طبيعة نبيّهم، أي في أصل من الأصول: هل المسيح - عليه السلام - إنسان حلّت فيه روح الله؟ هل هو ابن الله؟ صاروا فرقاً وصاروا في هذا يعتمدون الرهبان والكُهّان بل أكثر من ذلك صار الكاهن مما هو مدوّن في التوراة يملك الغفران. ولذلك في التوراة يقول إذا فعل إنسان ذنباً يأتي إلى الكاهن فيُقدّم قرباناً فيغفر له الكاهن. ولا يقولون فيغفر له الله، وهذا نص من التوراة. وقلنا نص التوراة يؤمن به اليهودي والمسيحي على حد سواء. فلما وصلوا إلى هذا الحد عند ذلك استحقوا أن يعاقبوا. هذا الجرم من التحريف ومن إلتزام التحريف جاء فيه العقوبة. قلنا إن النصارى ينبغي أن تكون عقوبتهم مضاعفة لذا استعملت معهم كلمة (فأغرينا). هم يقولون أغرينا بمعنى هيّجنا لكن لو رجعت إلى أصل الكلمة نجدها مأخوذة من الغراء الذي هو نوع من الصمغ اللاصق. فأغرينا معناها ألقينا بينهم العداوة وألصقناها بهم فهي لاصقة بهم. (
صدَف عنه يعني أعرض إعراضاً شديداً. صدَف يعني في الأصل الجانب والناحية والبناء المرتفع هو الصدف صدف عن الشيء أي مال وهناك فرق بين صدف عنه وأعرض عنه، صدف البناء المرتفع (حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ (٩٦) الكهف) مرّ بصدف مائل فأسرع حتى لا يقع عليه. إذن صدف هو الجانب والناحية أيضاً، فرق بين أعرض عنه وصدف عنه. الإعراض قد يكون خفيفاً تسمع شيئاً ثم تعضر عنه لكن صدف عنه أن تذهب في الجانب عنه يُعرض ويتركه ويمشي. الصدف أكبر من الإعراض، الإعراض قد يكون في القليل والصدف مخصص لما هو أشد ولذلك قالوا الصدف هو الإعراض الشديد إذن يصدف أعرض إعراضاً شديداً وذهب في جانب وناحية. صدف إذن أعرض إعراضاً شديداً وذهب في ناحية.
آية (٤٧):
*مادلالة استخدام إسم الرحمن مع العذاب كما فى سورة مريم ومتى يأتى معه لفظ الجلالة كما فى سورة الأنعام؟(د. فاضل السامرائى)
الآية ٧٩ (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) والآية ٩٣ (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) الكلام فيهما بصيغة الماضي فلا موضع لإسم الفاعل فيهما ولذا فهما ليسا مما يقابل الآية ٦٨.
آية (٦٩):
*ما الفرق البيانى بين بسطة وبصطة؟(د. فاضل السامرائى)
عندنا توسيع مساحة المعنى في اللغة العربية ليس فقط مساحة معنى واسعة وإنما نوسعها أيضاً توسيع المساحة مثل الذكر والحذف (توفاهم وتتوفاهم) ليس من قبيل الرفاهية اللغوية وإنما له سبب مقصود.
الإبدال يتضرعون ويضرعون، إبدال التاء ضاد أصلها تضرع اتضرغ، يصّدق يتصدق. حتى العجيب التوسع مثل بسطة وبصطة (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ (٢٤٧) البقرة) بالسين و(وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً (٦٩) الأعراف) بالصاد، هذا واحد وهؤلاء قوم، هي أصلها بالسين وأحياناً تبدل والصاد أظهر وأقوى كما يقول النحاة، هذا لقوم وهذا لواحد فقال بسطة وبصطة، (اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ (٢٦) الرعد) لما ذكر الرزق قال يبسط وقال (وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ (٢٤٥) البقرة).
آية (٧٠):
* ما الفرق بين نزّل وأنزل؟(د. فاضل السامرائى)
ابتداء يعود الأمر إلى خط المصحف سواء وصل أم فصل لكن المُلاحظ الغريب في هذه الآيات كأنما نحس أن للفصل والوصل غرض بياني. لو لاحظنا في آية سورة الأنعام (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ) فصل وفي الذاريات و المرسلات وصل(اِنَّمَا تُوعَدُونَ) فلولاحظنا الآيات نجد أنه تعالى لم يذكر في سورة الأنعام شيء يتعلّق بالآخرة أو متصلاً بها وإنما تكلم بعد الآية عن الدنيا (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (١٣٦)) ففصل ما يوعدون عن واقع الآخرة. بينما في سورة الذاريات وصل الأمر بأحداث الآخرة (وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (٦)) والكلام في السورة جاء عن أحداث الآخرة فوصل (ما توعدون) بأحداث الآخرة فكأنما الفصل لفصل بين ما يوعدون وأحداث الآخرة وكذلك في سورة المرسلات دخل في أحداث الآخرة. فلمّا فصل الأحداث الآخرة عن ما يوعدون فصل (إن ما) ولمّا وصل الأحداث مع ما يوعدون وصل (إنما) وكذلك ما جاء في قوله تعالى في قصة موسى وفرعون (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩) طه) السحرة صنعوا وانتهى الأمر، وكذلك قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) (الأنفال) هم غنموا وانتهى الأمر فوصل وتكلم عن شيء فعلوه. فكأنها ظاهرة غريبة وكأن الكاتب الذي كتب المصحف لحظ هذا وما في الفصل والوصل هذا والله أعلم.
في البداية قال (قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) (إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ) (وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) صلاة وإنفاق، فيها تفصيلات. بناء على هذا لما تكون هذه حالهم جاءت الفاء التي هي فاء كأنها تعليلية، بيان عِلّة يعني هناك شيء ينبني على هذا، يترتب على هذه الحال وهي (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم) الفاء هنا مهمة ومناسبة لأنها تبني ما بعدها على ما قبلها كأنها تعليلية فينبني على ذلك على هذا الأمر.
لكن الواو في (ولا تعجبك) جاءت في سياق نهي: لا كذا ولا كذا لا كذا. (فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ) الكلام على الجهاد وليس على الإنفاق (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ (٨٤) وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ) فهي في سياق عطف ونهي ولما تكون في سياق عطف (ولا تصلي، ولا تقم، ولا تعجبك) جاءت في سياق عطف بينما (فلا تعجبك) ليس قبلها وكذا وكذا وكذا، لكن جاءت عن أحوال قوم يترتب على هذه الحال أن لا تُعجَب بأموالهم لذلك قال (أموالهم) وقال بعد ذلك (ولا أولادهم) جعل الأولاد تبع المال بينما الآية الثانية فجمع (أموالهم وأولادهم).
هذه مراحل: النطفة هي القليل من ماء الرجل وهذه المرحلة الأولى ثم يكون علقة أي قطعة دم صغيرة تعلق في الرحم وقالوا هي خلقها أشبه بالعلقة التي تمتص، ثم مضغة وهي قطعة لحم صغيرة بقدر ما يمضغه الماضغ ولم يقل قطعة لحم لأنها ممضوغة كما تمضعها الأسنان فسميت مضغة. ماء دافق أي يصب سريع السيلان لكن النطفة هي الماء القليل.
*ما الفرق بين (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٣٠) الأنفال) و (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦) الطارق) و (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ (١٤٢) النساء)؟(د. أحمد الكبيسى)
عندنا ثلاث كلمات عجيبة غريبة (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ) (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٠) النمل) وعندنا (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦)) وعندنا (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) أساليب تعامل ناس غير مؤمنين وغير صالحين مع الله عز وجل وهو تعاملهم مع الناس أنت هناك من يمكر بك ومن يكيد لك ومن يخادعك وهذا شأن الناس جميعاً في بعض تصرفاتهم. فما الفرق بين (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ) (وَمَكَرْنَا مَكْرًا) وبين (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا) (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ (٧٦) يوسف) (إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يوسف) وبين (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢) النساء)؟
هذا كلام طويل بين اللغويين والذي يبدو لي الترادف عندما يكون من لغتين أما في اللغة الواحدة فليس فيها ترادف. لغة تسمي سكين ولغة تسميها مدية، هاتان لغتان، اللهم إلا إذا كانت تراكم اللغة بالاتصال والتأثير والتأثر أما في أصل اللغة فلا أظن أن هناك ترادفاً وكل كلمة وضعت لغرض حتى لو كان هناك تقارب كبير ولكن ليس ترادفاً. في القرآن الكريم حتى لو جاء من لغتين فلا يستعملها مترادفتين. القرآن الكريم الكلمة الواحدة أحياناً يجري فيها تغيير لغرض بما يتناسب مثل توفاهم وتتوفاهم الكلمة نفسها حذف في واحدة والعرب يحذفون. الكلمة نفسها لكن لا يفعل ذلك إلا لغرض، لا يقول توفاهم بمعنى تتوفاهم ولا يستعمل تتذكرون مثل تذكّرون. أما نزل وأنزل فالبناء مختلف (أنزل أفعل ونزّل فعّل) وأفعل غير فعّل، أفطر غير فطّر لكن الكلمة واحدة. تستطع وتسطع، (وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ (٢) النساء) الكلام عن اليتامى وفي آية أخرى (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ (٥٢) الأحزاب) ما قال تتبدل. هذا الفرق في القرآن له غرض ويمكن أن نفرد له حلقة خاصة. كلمة ريح ورياح لها خصوصية في الإستعمال القرآني فالقرآن يستعمل الغيث مثلاً في الخير والمطر في الشر، هذه حالة خاصة بالقرآن وليس بالغة العربية. الصوم الصيام في القرآن لا يستعمل في العبادة إلا الصيام (كتب عليكم الصيام) والصوم في الصمت وليس في العبادة (إني نذرت للرحمن صوماً) أما في الحديث فيستعمل الصوم للعبادة (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).
*هل العرب كان لها خصوصية محددة في استعمال ألفاظ محددة؟
لماذا قدّم الجار والمجرور على الفعل؟ لأن التهجد شاق على النفس فقدّم الليل بما يقابل الشدة (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨)) قدّم ما هو متعلق على الفعل، (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧) السجدة) (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩) الإسراء) أمورثقيلة وأجرها عظيم لذا قدّم (من الليل) على الفعل (فاسجد له). كما أن الترتيب يفيد علو منزلة السجود وتقديم الجارّ والمجرور سوّغ إدخال الفاء في قوله (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) ودلالة الفاء هنا أنها تفيد التأكيد على أي حال. وقد قال النحاة أن الفاء قد تكون إما جواب شرط مقدّر يعني مهما كان الأمر فاسجد له وهي دعوة للسجود مهما كان الأمر وقسم آخر يقول أن الفاء زائدة للتوكيد وفي كلتا الحالتين يكون التوكيد للسجود والدلالة على أهميته وعظمته وجاءت الواو قبلها أيضاً (ومن الليل فاسجد له) ولا يصح أن نقول (واسجد له من الليل) لأنها تفوت أهمية السجود (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣) قريش) وقوله تعالى (وربّك فكبّر) فلا يصح التقديم بدون الفاء. أفاد التقديم الدلالة على أهمية السجود ومنزلته ويفيد الإهتمام لأن أصل التقديم يفيد الإهتمام وهو الذي يُسوّغ إدخال الفاء في كل أحوالها تدل على عظم منزلة السجود.
وعندما أوصى تعالى رسوله ؟ أن يقوم الليل (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (٤) المزمل) هنا أخّر الليل كما يقتضي الترتيب النحوي فلماذا لم يأتي بمثل ما جاء في آية سورة الإنسان؟
الطريقة هنا طريقة الهدى ومِلّة الإسلام قطعاً. وكأن السائلة تشير إلى بعض المتصوفة مثلاً يسقون الناس شيئاً يسمونه الطريقة يقولون أنا أعطيك طريقة شاذلية، طريقة رفاعية، طريقة قادرية وليس هذا هو المقصود وإنما المقصود طريقة الإسلام أو مِلّة الإسلام.
آية (١٧):
(وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (١٧))
*(وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ (١٧) الجن) مرة يذكر الإعراض عن ذكر الله ومرة يذكر الإعراض عن الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا (٥٧) الكهف) فهل هنالك فرق بين الإعراضين؟