وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٥) لقمان) لو سألت الكفار من أنزل الماء من السماء يقولون الله لأنهم كانوا يعرفون الله لكن كانوا يعبدون الأصنام يقولون تقربنا إلى الله زلفى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (٦٣) العنكبوت) لو استعملوا عقولهم ما عبدوا هذه الأصنام (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٢٥) لقمان) ما عندهم علم في هذه الأمور، في هذا الشرع، في هذا الدين يعني لم يستعملوا عقولهم ولم يستعملوا علماً عندهم.
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) فاطر) تعليم وتدريب بقول غيرهم أن هؤلاء الذين دخلوا الجنة قالوا هذا الكلام فتعلموا وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى.
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (٧٤) الزمر) تعليم وتدريب لنا أن نقول كما قالوا في دخولهم الجنة (هذا في المستقبل ولكنه ماض في عين الله سبحانه وتعالى) إذن كل هذ المواضع ليس فيها موضع يريد الله تعالى أن يقصر الحمد عليه جلّت قدرته لكن لما ننتقل إلى مواضع أخرى نجد أن سياق الآيات يريد أن يبين لنا أن الحمد في هذا الجو قاصر على الله سبحانه وتعالى لا يستقيم أن تحمد غير الله عز وجل مع أن الله سبحانه وتعالى رخّص لك أن تحمد سواه لنفع يقدمه لك، لفضل فيه يمكن أن يكون هذا.
عالم الغيب في سورة سبأ وكلمة عالم لا تأتي إلا مع المفرد (عالم الغيب والشهادة) وعالم إسم فاعل كقوله تعالى (غافر الذنب) أما علاّم فهي تقتضي المبالغة مثل (غفّار).
من مثقال ذرة: من الزائدة الإستغراقية وهي تفيد الإستغراق والتوكيد. نقول في اللغة (ما حضر رجل) وتعني أنه يحتمل أنه لم يحضر أي رجل من الجنس كله أو رجل واحد فقط. وإذا قلنا: ما حضر من رجل: فهي تعني من جنس الرجل وهي نفي قطعي. وقوله تعالى في سورة يونس (من مثقال ذرة) للتوكيد لأن الآية في سياق إحاطة علم الله بكل شيء لذا اقتضى السياق استخدام (من) الإستغراقية التوكيدية.
التقديم والتأخير في السماء والأرض: الكلام في سورة يونس عن أهل الأرض فناسب أن يقدم الأرض على السماء في قوله تعالى (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء) أما في سورة سبأ فالكلام عن الساعة والساعة يأتي أمرها من السماء وتبدأ بأهل السماء (فصعق من في السموات والأرض) و(ففزع من في السموات ومن في الأرض).
واستخدمت السماء في سورة يونس لأن السياق في الإستغراق فجاء بأوسع حالة وهي السماء لأنها أوسع بكثير من السموات في بعض الأحيان. فالسماء واحدة وهي تعني السموات أو كل ما علا وفي سورة سبأ استخدم السموات حسب ما يقتضيه السياق.
الفرق بين (ولا أصغرُ) في سورة سبأ و(ولا أصغرَ) في سورة يونس: في سورة يونس (أصغرَ) إسم مبني على الفتح ولا هي النافية للجنس وتعمل عمل إنّ وهي تنفي الجنس على العموم. ونقول في اللغة: لا رجلَ حاضرٌ بمعنى نفي قطعي. (هل من رجل؟ لا رجلَ) وهي شبيهة بحكم (من) السابقة. إذن جاء باستغراق نفي الجنس مع سياق الآيات في السورة. أما في سورة سبأ فالسياق ليس في الإستغراق ونقول في اللغة : لا رجلُ حاضرٌ. (هل رجلٌ؟ لا رجلٌ) فهي إذن ليست للإستغراق هنا.
آية (٦٢):
*ما معنى كلمة الولي ؟(د. فاضل السامرائى)
* أمطرنا عليها هل يمكن أن نفهمها على أنها مجاز مرسل أطلق المحل وأراد الحال؟
لا شك أنه أراد الحال وأطلق المحال لكن أمطرنا عليهم أشد وأقسى. مع أن الفعل واحد في كلا الآيتين (أمطرنا) لكن الضمير اختلف (عليهم وعليها) وقد تذكر القرية وليس فيها أحد (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا (٤٥) الحج). كأن هذه الآية تكمل ملمحاً آخر في تلك الآية كأنهم مجتمعون في القرية ويمطر عليهم وعلى القرية العذاب.
آية (٨٤):
*لماذا ذكر ( شعيب) في سورة الشعراء بينما ذكر (أخوهم شعيب) في سورة هود؟ (د. فاضل السامرائى)
شعيب أُرسل إلى قومين هما قوم مدين وهو منهم فعندما ذهب إليهم قال تعالى (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ﴿٨٤﴾) وأصحاب الأيكة ولم يكن منهم وليسوا من أهله فلم يذكر معهم أخوهم شعيب لأنه ليس أخوهم (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٧٦﴾ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿١٧٧﴾). وكذلك في القرآن الكريم لم يذكر في قصة عيسى - عليه السلام - أنه خاطب قومه بـ (يا قوم) وإنما كان يخاطبهم بـ (بني إسرائيل) لأنه ليس له نسب فيهم أما في قصة موسى فالخطاب على لسان موسى جاء بـ (يا قوم) لأنه منهم.
* لماذا ورد ذكر أخاهم في قوله تعالى: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا (٨٤)) في سورة هود ولم ترد في سورة الشعراء (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٧٧)) ؟(د. حسام النعيمى)
هي الآلة إذا سلك الآلة يصل إلى ما هو أفضل لأن القرآن لا تنقضي عجائبه والاستنباط قائم وقال تعالى (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ (٨٣) النساء) فالذي يتخذ الوسيلة ربنا يفتح عليه ولا شك أن الإنسان إذا ازداد تدبراً وتأملاً في القرآن يفتح ربنا سبحانه وتعالى عليه أضعاف ما صرفه ويفتح عليه فتوحات.
سؤال: في زمن الرسول - ﷺ - لم يكونوا بحاجة لهذا العلم ولكننا نحتاج إليه.
آية (٨٤):
*ما الفرق بين الحزن والأسى؟(د. أحمد الكبيسى)
الحزن على شيء مؤقت فاتك شيء محبوب فاتتك وظيفة فاتك مرتب صديق سافر وسيعود كل شيء تحزن عليه حزناً مؤقتاً وسوف ينتهي هذا الجزن قريباً إما بعودة الغائب أو بنجاح بعد رسوب أو بغنى بعد فقر، صفقة تجارية خسرت ثم بعد يومين تربح. كل شيء قريب سريع التغيير يسمى حزناً (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴿٨٤﴾ يوسف) تصوّر بلغ من شدة الحزن إلى أن عيونه ابيضّت ومع هذا قال حزن ما قال آسى لماذا؟ لأن رب العالمين أخبر يعقوب عليه السلام بأن هذا مؤقت ويوسف سيرجع وسيصبح رئيس وزراء مصر والخ كما الله قال على سيدنا يوسف (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٥﴾ يوسف) وهو في الجُبّ فسيدنا يوسف وسيدنا يعقوب يعلمون أن هذا الكلام قريب هذا كان حزن لأنه قريب.
آية (٨٥):
*ما اللمسة البيانية في اختيار كلمة (تفتأ) في سورة يوسف (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴿٨٥﴾)؟(د. فاضل السامرائى)
إذا قال (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) لبيان عظمة النبي عليه الصلاة والسلام ومدى نفوذه يوم القيامة، له نفوذ على كل الأمم وهذه قضية عقائدية وهذا منطقي جداً باعتباره خاتم الرسالات قال (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) إذاً الإبراز وبيان الفضل للشهيد بغض النظر من هم المشهود عليهم. لما قال (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) بيان قباحة الأمة التي ذكرها القرآن بأنهم أشركوا وغيّروا وحرّفوا قال وجئنا بك على هؤلاء الذين انحرفوا شهيداً فلما يقدّم المقدم إذا كان قدّم الشهيد فلبيان فضله إذا قدّم المشهود عليهم فلبيان مدى جرمهم، هذا هو الفرق بين (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) أو (عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) هذا هو الفرق بينهما.
آية (٩٠):
* قال تعالى في سورة النحل (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى (٩٠)) وفي النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ (١٣٥)) ما خصوصية استعمال القرآن لكلمتي العدل والقسط؟(د. فاضل السامرائى)
الآية (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا (٦٠) الإسراء) وما جعلنا الرؤيا التي أريناك يعني ما أراه ربه في الإسراء والمعراج. تبقى الشجرة الملعونة في القرآن هذه شجرة الزقوم كما في الصحيح (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) الصافات) إذن ملعونة وهي أبعد شيء عن الرحمة (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (٦٥) الصافات) شبّه مجهولاً بمجهول ما علمنا كيف تكون رؤوس الشياطين وغالباً التشبيه يكون معلوماً بمعلوم وقد يكون بغير معلوم، نحن نعلم أن الشياطين قبيحة ومخيفة. الشيطان ملعون يعني هي ملعونة وهو قبيح وهي قبيحة وهي تخرج في أصل الجحيم اجتمعت عليها اللعنة من كل جانب فهي شجرة ملعونة. (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ) عندما نزلت هذه الآية (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) الدخان) قال أبو جهل إن محمداً يعدكم بالزقوم ولا نعرف الزقوم إلا بالتمر والزبدة لنتزقمها تزقماً فقال تعالى (وَنُخَوِّفُهُمْ) ذكر شجرة الزقوم فوصفها (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) وليس كما ذكر أبو جهل. الرؤيا التي أريناك هي التي رآها في الإسراء والمعراج ورأى الشجرة أيضاً وما جعلنا الشجرة إلا فتنة (والشجرةَ) معطوفة على الرؤيا.
آية (٦٢):
*متى تثبت الياء ومتى تحذف كما في قوله (أخّرتني، أخرتنِ)؟ (د. فاضل السامرائى)
لم يذكر أن الفتى ذهب مع موسى - عليه السلام - والخِضر لأن صار الكلام بالمثنى (فانطلقا، فذهبا) ولم يقل فانطلقوا، معناه أنه إلى هذا الحد فتى موسى - عليه السلام - لم يعد معه وموسى - عليه السلام - صار كأنما هو فتى لهذا الرجل وهو التابع. لم يُذكر الفتى، من هنا تبدأ الآيات تُغفِل ذكره وصار لما يُتحدث عن هؤلاء الناس الذين ذهبوا في السفينة يتحدث بالمثنى.
*ما اللمسة البيانية في النفي القطعي (لن تستطيع) في الآية (إنك لن تستطيع معيَ صبرا) وفي (معيََ)؟
(قال له موسى هل أتبعك على أن تعلّمن مما علمت رشدا): هو يعلم أن له موعداً مع هذا الرجل وأنه سيتعلم منه لكن مع ذلك لم يقل له أنا عندي علم إني سأرافقك وهذا نوع من أدب التعلّم.(هل أتبعك) هذا السؤال المؤدب، يريد إذناً منه بالإتّباع مع أنه يعرف أنه سيتبعه ويكون معه وهذا أدب التعلم في الإسلام. وجعل من نفسه إبتداءً تابعاً بشرط أني أتّبعك وأخدمك حتى أتعلم وهذا التعلم هو الذي سار عليه سلفنا الصالح فينبغي أن يكون لدينا أدب التلمذة وأدب التعلّم.
*في سورة مريم (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)) ما دلالة كلمة الرحمن؟ (د. فاضل السامرائى)
هذه مضاف إليه مجرور، آتي إسم فاعل مثل قادم وليس فعلاً.
آية (٩٤):
*ما الفرق بين الإحصاء والعدّ وما هي اللمسة البيانية في قوله تعالى (لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) مريم)؟(د. فاضل السامرائى)
العدُّ هو ضمُّ الأعداد بعضها إلى بعض واحد اثنان ثلاثة أربعة، أما الاحصاء فيكون مع العدّ الحفظ والإحاطة. العد ليس بالضرورة حفظها في مكان واحد أما الاحصاء فلا بد أن يكون فيه حفظ لما تعدّه فهو عدّ مع حفظ أما العدّ فهو مجرد ضم الأعداد دون حفظ. (لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) عرف عددهم وحفظهم. لا يوجد ترادف في القرآن الكريم.
****تناسب فاتحة مريم مع خاتمتها****
ذكر في أولها رحمته بعبد من عباده وهو زكريا (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢)) وفي الآخر ذكر رحمته بعباده المؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (٩٦)) فذكر رحمته بعبد من عباده في الأول وذكر رحمته بعباده المؤمنين على الإطلاق وبشر في أولها عبداً من عباده وهو زكريا (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)) وبشر في الآخر عباده المتقين (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (٩٧))، رحم عبداً في الأول وبشره ورحم عباده المتقين في الآخر وبشرهم، بدأ بالفرد وانتهى بالجماعة. رحمة وتبشير في الأول ورحمة وتبشير في الآخر ورحمته ليست خاصة بعبد من عباده والتبشير ليس خاصاً. سورة مريم فيها رحمة وتبشير تبدأ بعبدٍ من عباده وتنتهي بالناس بعموم المتقين.
*****تناسب خواتيم مريم مع فواتح طه*****
فأيها الأولى بالذمّ وكثرة الصفات السيئة؟ الذين في سورة البقرة، إذن هم ليسوا جماعتين وإنما جماعة واحدة هؤلاء صم بكم عمي وهم في الظلمات فلا يمكن من الناحية البيانية وضع إحداهما مكان الأخرى ولا يصح فهذا قانون بياني بلاغي.
*ما الفرق بين(صم بكم عمي) كما جاءت في سورة البقرة و(صم وبكم) في سورة الأنعام؟(د. فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة البقرة (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴿١٨﴾) وفي سورة الأنعام (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿٣٩﴾) فما الفرق بين (صم بكم) و(صم وبكم)؟ صم بكم يحتمل أن يكون بعضهم صم وبعضهم بكم ويحتمل أن يكونوا في مجموعهم صم بكم، أما (صم وبكم) فلا تحتمل إلا معنى واحداً وهو أنهم جميعاً صم بكم. ولو لاحظنا سياق اللآيات في السورتين نجد أن في سورة الأنعام لم يقل عمي وإنما قال صم وبكم فقط أما في البقرة فالكلام على المنافقين طويل وذكر فيه أشياء كثيرة كالإستهزاء وغيره. الأعمى أشد من الذي في الظلام لأن الأعمى سواء كان في الظلمات أو في النور فهو لا يري. والمعروف أن الأصم هو أبكم لكن ليس كل أصم لا يتكلم فهناك أنواع من الصمم قسم من الصم يتكلم وقد قال بعضهم أن آية سورة الأنعام هي في الآخرة (رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) فهو أعمى ويتكلم ويسمع.
*(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨) البقرة) – (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (١٧١) البقرة) ما الفرق بين المثالين؟(د. أحمد الكبيسى)
* ما دلالة الإختلاف بين الآيات (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (٢٦) السجدة) (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (٣١) يس) (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (١٢٨) طه) ؟(د. حسام النعيمى)
(أولم يهد لهم)-(ألم يروا)-(أفلم يهد لهم):
عبارة (ألم يهد لهم) أو ألم يهد له أو لك، وألم تر، ألم يروا، تستعمل بمعنى ألم يتبين لك؟ لكن هناك فارق جزئي بسبب إشتقاق اللفظ: ألم يهد: من الهداية، وألم يروا: من الرؤية، الهداية قطعاً متعلقة بشيء في القلب والرؤية متعلقة بشيء ظاهر مادي.
القاعدة العامة بالنسبة لـ (يهدي) و(يرى) : عندما يريد القرآن أن يوجه العناية إلى التدبر والتفكر الزائد بحيث يشتغل القلب بهذا ولا يكون مجرد النظر وتفكير يسير إستعمل (أولم يهد) من الهداية، وغالباً يكون الكلام في الآيات إما عن الألباب، القلوب، الآخرة التي تحتاج إلى تأمل وإلى تفكّر في الآخرة، و (ألم يروا) تشمل هذا وهذا لكن إذا تحدثت عن أمور في الآخرة يراد منها النظر السريع والإستدلال السريع.
قال تعالى في سورة النمل (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٨﴾) فالنملة حذّرت ونادت ونصحت قومها وأنذرت وعممت وأكدّت وقصّرت وبالغت وغيره وكل هذا ليس مهماً فكل كلام يقال فيه أوجه بلاغية لكن المهم كيف عبّر عن ذلك. فالنملة بدأت مخاطبة قومها مخاطبة العقلاء وجاءت بلفظ مساكنكم ولم تقل بيوتكم أو جحوركم لأنهم في حالة حركة والحركة عكسها السكون فاختارت لفظ المساكن من السكون حتى يسكنوا فيها ولم تقل المساكن والجحور وإنما قالت مساكنكم أي أن لكل نملة مسكنها الخاص الذي تعلم مكان، ه ولم تقل ادخلن وإنما قالت ادخلوا، ثم أكدّت بالنداء بقولها (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) حرف النداء الدال على البعد حتى يسمعوا نداءها، وقالت سليمان وجنوده ولم تقل جنود سليمان حتى ترفع العذر عن سليمان أيضاً فلو قالت جنود سليمان لكان سليمان غير عالم إذا كان قاصداً أو غير قاصد وجاءت بلفظ سليمان بدون أي لقب له كالنبي سليمان للدلالة على أنه مشهور بدون أن يوصف، ثم حثتهم على الإسراع في التنفيذ قبل أن تنالهم المصيبة، ونسبت الفعل لسليمان (لا يحطمنكم) وفعل يحطمنكم مقصود في الآية لأنه ثبت علمياً أن جسم النمل يتركب معظمه من كمية كبيرة من السليكون الذي يدخل في صناعة الزجاج والتحطيم هو أنسب الأوصاف للفعل الدالّ على التكسير والتهشيم والشدة. إذن ليس المهم جمع أوجه بلاغية في التعبير لكن المهم كيف التعبير عن هذه الأوجه وهذا ما يتفرّد به القرآن الكريم.
*(حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) النمل) لماذا لم يقل لكيلا يحطمنكم؟ (د. فاضل السامرائى)
اسلك يدك في جيبك لا تناقض أدخل يدك في جيبك لكن يمكن أن نسأل ما سبب الاختيار؟ أصلاً (اسلك) إدخال بيسر وسهولة عموماً وأدخل يدك، كله إدخال لكن يبقى السؤال لماذا هنا اختار اسلك وهنا اختار أدخل؟ لاحظ السلوك كثيراً ما يتعمل في سلوك السهولة مثل سلك الطريق (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (٢٠) نوح) (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً (٦٩) النحل)، الدخول لا يستعمل لهذه الصورة. نلاحظ في سورة القصص تردد سلوك الأمكنة والسُبل يعني سلوك الصندوق بموسى، سلوك أخته، سلوك موسى في الطريق إلى مدين عندما فرّ، سلوكه إلى العبد الصالح (قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (٢٥))، سلوك الطريق بالعودة إلى مصر فإذن أنسب استخدام (اسْلُكْ يَدَكَ)، في سورة النمل لم يرد كل هذا السلوك. من ناحية أخرى لو عرضنا هذه المسألة سنلاحظ أنه في القصص الجو في السورة السورة كلها مطبوعة بطابع الخوف كان مقترناً بأم موسى (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧)) ثم انتقل الخوف إلى موسى لما قتل واحداً (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ (١٨)) (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ (٢١)) الصالح قال (قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥)) حتى لما كلفه سبحانه وتعالى قال (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣)). في سورة النمل ليس فيها خوف وإنما قوة.
آخر أسلوب طاعة الرسول وحده في النور (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) هنا باعتباره حاكماً رئيس دولة قائد للجيوش في الحروب (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ (١٥٢) آل عمران) ما عصوا حكماً شرعياً عصوا أن محمداً كان قائد عصوا قائدهم العسكري محمد ﷺ قال أنتم الرماة ابقوا جالسين لا تتحركوا أمر عسكري (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ)والله قال وقد عفا عنهم لأنه ما هو حكم شرعي وإنما خلل تكتيكي عسكري عصوا القائد وأعظم أسباب الإنكسارات العسكرية هو عصيان القائد أنت نفِّذ ثم ناقش هذه قاعدة معروفة. فهذه آخر أسلوب الرسول وحده (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) هذه في سورة النور ٥٦ فقط من حيث كونه قائداً (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٥٤) النور) يعني فيها شيء من المرونة هكذا هذا هو أسلوب الأمر بالطاعة خمس أساليب كل أسلوب له معنى.
آية (٣٣):
*ما الفرق بين اصطفى واختار؟(د. فاضل السامرائى)
الإختيار هو أن تختار من غير متشابهات كأن أختار قلماً من بين ورقة وكتاب وقلم (وربك يخلق ما يشاء ويختار). أما الإصطفاء فهو أن أختار من بين أشياء متناظرة متشابهة (إن الله اصطفى آدم) اصطفاه من متناظرين.
آية (٣٥):
* ما الفرق بين (يتقبل من) و(يتقبل عن)فى الحديث عن التوبة ؟(د. حسام النعيمى)
القبول هو أخذ الشيء برضى. التوبة هي الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى. كلُ إنسان معرّض للخطأ وخير الخطائين التوابون. فالتوبة هي الكفّ عن المخالفة و العودة إلى طاعة الله سبحانه وتعالى.
مرّ بنا مثل هذا من حلقات، هو ظلم لأنه يسوي بين القادر والعاجز، العالم والجاهل، المنعِم والمحتاج إلى النعمة هذا ظلم وذكرنا في حينها أنه لو تقدّم جماعة لإشغال وظيفة في الدولة وقدموا اختباراً وأحدهم أجاب عن الأسئلة بأحسن إجابة وبأوضح كلام وآخر لم يجب عن ذلك ولا بكلمة واحدة صحيحة ولم يحسن الكلام ولم يحسن القول وسوّيت بينهما تكون ظالماً والفرق بين الخالق والمخلوق أكبر من هذا. إذن هو ظلم لأنك سويت بين العاجز وبين القادر، بين العالِم والجاهل، بين المنعِم والمحتاج للنعمة. الظلم واقع على النفس أولاً لأنك عبدت من لا يستحق العبادة فأهنت نفسك وقد يكون المعبود هو أقل فإذن أنت ظلمت نفسك. هذا امر ثم أنت أوردتها الهلاك أدخلتها النار، ظلمتها بأن حططت من قدرها وأهنتها وأدخلتها النار وأوردتها موارد الهلاك فكنت ظالماً. لماذا اختار الظلم؟ فطرة الإنسان تكره الظالم وحتى الظالم إذا وقع عليه ظلم يكرهه فهو يستسيغه من نفسه ولا يسيغه إذا وقع عليه. إذن طبيعة النفس تكره الظلم والظالمين حتى في الأفلام لما نرى إنساناً ظالماً يتحزّب المشاهدون ضده. أراد ذكر الظلم لأن النفس تكره الظلم فقال ظلم حتى تشمئز نفس ابنه. إضافة إلى أنه في تقديرنا لما قال (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) في تقديرنا أن الموجه والناصح والمعلم والداعية ينبغي أن يعلل الأوامر ولا يذكر هذا من دون تعليل، لا تكن أوامر فقط حتى يقبل كلامك لماذا لا تشرك بالله؟ لأن الشرك لظلم عظيم وهذا الظلم يقع عليك وعلى الآخرين فهذا التعليل من أدب الوعظ والتوجيه وأن لا تعطى الأوامر بدون تعليل.
آية (١٤):
(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤))
والذي أريد أن أخلص إليه أن المبالغة في الفعل والوصف لا تقتضي التوكيد دائماً وإنما ذلك بحسب الغرض والمقام فلك أن تؤكد أيّ فعل أو وصف أو لا تؤكده ولك أن تؤكد ما هو أقل مبالغة ولا تؤكد الأقوى وبالعكس فكل ذلك إنما يكون بحسب ما يقتضيه الكلام. وإيضاح ذلك أنك قد تذكر شخصاً هو موضع ثقة كبيرة عند من تخاطبه فتقول له (هو كاذب) فينكر ذلك عليك فتؤكد ذلك بقولك (إنه كاذب) ثم ينكر عليك قولك إنكاراً أشد ن الأول فتقول له (إنه لكاذب). وتقول عن شخص آخر معروف بكثرة الكذب (هو كذاب) فلا تحتاج إلى توكيد لأن مخاطبك لا ينكر ذلك عليك. فأنت احتجت إلى أن تؤكد إسم الفاعل دون المبالغة.
ونعود إلأى الآيتين فنقول إن قوم صالح أخبروه بتطيرهم الشديد وأما أصحاب القرية فإنهم أكدوا تطيرهم وهو نظير قولنا (اصطبرت عليك وإني صبرت على فلان) أو (هو مكتسب وإن زيداً كاسب) فيؤكد الأقل دون الأقوى.
إنه في آية يس قوله (قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) أكد التطير بـ (إنّ) وفي آية النمل وهي قوله (قالوا اطيرنا بك وبمن معك) لم يؤكده ذلك أن كل موطن يقتضي ما ذكر فيه.
قال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (٥٨) العنكبوت) غُرَف غرفات هذه كأنها درر وياقوت أعجوبة العجائب، نعم أجر العاملين على العمل الصالح يصوم ويصلي كما جميع المسلمين المؤمنين بالله إذا داوموا عليه لهم أجرهم العظيم التي هي الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علة قلب بشر هذا نِعم أجر العاملين. كل مؤمن بدينه ويطبقه بالشكل الذي أمر الله عز وجل عباده والرسل على أي وجه هذا نعم أجر العاملين. لكن هناك أناس عندهم دقة (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (١٣٦) آل عمران) شهوات قوية صبروا عليها ويندمون ويعودون قال (ونعم أجر العاملين) هذه مرتبة أعلى.
إذا كان السياق في العلم وما يقتضي العلم يقدم العلم وإلا يقدم الحكمة، إذا كان الأمر في التشريع أو في الجزاء يقدم الحكمة وإذا كان في العلم يقدم العلم. حتى تتوضح المسألة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) البقرة) السياق في العلم فقدّم العلم، (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) النساء) هذا تبيين معناه هذا علم، (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦) يوسف) فيها علم فقدم عليم. قال في المنافقين (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١) الأنفال) هذه أمور قلبية، (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠) التوبة) من الذي يطلع على القلوب؟ الله، فقدم العليم. نأتي للجزاء، الجزاء حكمة وحكم يعني من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم، تقدير الجزاء حكمة (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (١٢٨) الأنعام) هذا جزاء، هذا حاكم يحكم تقدير الجزاء والحكم قدم الحكمة، وليس بالضرورة أن يكون العالم حاكماً ليس كل عالم حاكم. (
وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا (٢٠) المائدة) تشبيه بليغ وهو ما ذكر به المشبه والمشبه به دون أداة فمثلاً تقول لصديقك: أنت بحر أي أنت كالبحر في أمر اشتركا فيه وهو السعة وكذلك قوله تعالى (وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا) أي أنتم كالملوك في صفة مشتركة بينكما وهي حرية التصرف في النفس.
آية (٢٤):
*ورتل القرآن ترتيلاً:
(قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا (٢٤) المائدة) كان بنو إسرائيل يعاندون رسولهم ويصرون على مواقفهم وإن كانت على باطل ومن ذلك هذا التصريح منهم (إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا) فقد أكدوا الامتناع الثاني من الدخول بعد المحاولة السابقة (وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا (٢٢) المائدة) أكدوا ذلك أشد توكيد دلّ عليه التأكيد بـ (إن) ثم (لن) التي تفيد نفي الاستقبال وأصروا على ذلك بقولهم أبداً.
آية (٢٦):
*ما الفرق بين الحزن والأسى؟(د. أحمد الكبيسى)
مع الجمع (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ) جمع، (فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) جمع، (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) جمع، (إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) جمع. إما أن تستعمل عامة مع لكل الخلق، كل شيء أو مطلقة (واسع عليم) (سميع عليم) ليست مقيدة بشيء أو بالجمع (المتقين، المفسدين، الظالمين، بذات الصدور) أو بفعل الجمع (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥) البقرة) لم يقل وما تفعل من خير، (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (١٩) يوسف) (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨) النور) للجمع أو فعل الجمع. إذن كلمة عليم لم تحدد بشيء معين إما للعموم أو كونها مطلقة من كل شيء أو مع الجمع أو مع فعل الجمع لم يأت مع متعلق مفرد مطلقاً في القرآن لا تجد عليم بفلان أو بفعل فلان. علاّم محددة، عالِم محددة، عليم هذه استعمالاتها. إذا أراد أحدهم أن يدرس هذه الاستعمالات تدرس في باب تخصيص الألفاظ القرآنية، هذه ظاهرة في القرآن وقد نأخذ عليها عدة حلقات لاحقاً.
آية (٧٤):
*(ورتل القرآن ترتيلاً):
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً (٧٤)) ليس من عادة القرآن التعرض لذكر أسماء غير الأنبياء، فلِمَ ذكر إسم آزر والد إبراهيم دون غيره؟ إن إسم آزر فيه قراءتان: فقد قرأ الجمهور آزرَ بفتح الراء وقرأ يعقوب بضمّها وعلى قراءة الضم فآزر منادى فكأن إبراهيم يقول: يا آزرُ أتتخذ أصناماً آلهة؟ ولذلك فإن ذكر إسم أبيه فيه غلظة لما بدا منه من تصلب في الشرك وإصرار على غِيِّه وهذا الأسلوب لا شك أن إبراهيم سلكه استقصاء لأساليب الموعظة لعل بعضها أن يكون أنجع في نفس أبيه من بعض. فقد سلك معه قبل أسلوب اللين واللطف (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) مريم).
آية (٧٦):
لما ننظر في الآية الثالثة أيضاً (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (٨٣) الأعراف). الله سبحانه وتعالى يحكي لنا ما حدث (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (٨٣)) هناك قدرناها من الغابرين وانتهى الكلام على الأمم. لكن هنا الكلام كأنه كلام تاريخي والكلام التاريخي يصلح معه (كان) لأن ذكر أشياء رواية فقال (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤) ) استعمل (كان) ثم قال (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا) الآيات مستمرة في الحديث عن جانب تاريخي وعندما يكون الكلام عن جانب تاريخي يستعمل (كان) لما يكون حديث تاريخي وإنما قدر الله عز وجل يستعمل كلمة قدرنا والله سبحانه وتعالى أعلم.
آية (٨٤):
*انظر آية (٣٠). ؟؟؟
* لماذا ترد أحيانا( أَخَاهُمْ ) مع شعيب عليه السلام وأحيانا لا ترد ؟(د. حسام النعيمى)
مراجعة الآيات توصلنا إلى شيء أنه حيثما ذُكِرت الرسالة وأن شعيباً مرسل إلى قومه يقول أخوهم. يذكر الأخوّة عندما يتحدث عن الرسالة كأنما فيها إشارة إلى أن واجبه معهم ورعايته لهم هو أخوهم يريد لهم الخير. وإذا لم يذكر الرسالة لا يقل أخوهم. لاحظ الآيات هذه القاعدة العامة حيثما ذكر الإرسال قال (أخاهم) وفي غير ذلك ذكر الإسم مجرّداً.
الإرسال ذُكِر في ثلاثة مواضع كما ذكره محمد فؤاد عبد الباقي (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم):
هذا الدين يجعل القتل آخر الكيّ ولهذا (وَقَاتِلُوهُمْ) وقال (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (٦٠) الأنفال) يعني خليك قوي بحيث لا يحصل قتال. إذاً إعداد القوة في الإسلام تكون قوياً حتى عدوك لا يقاتلك وفعلاً لو أن العرب أو المسلمين أو أي دولة في العالم قيوة جداً لماذا روسيا وأمريكا لم يتقاتلوا؟ لأن كل واحدة ترى الثانية قوية فإعداد القوة يمنع القتال فإن هاجموك لضعفك فقاتلهم يعني أن تنهض لقتال الذي يحتل بلادك فرضٌ كالصوم والصلاة وهذه قضية كونية لا يختلف فيها اثنان القوانين الدولية والأمم المتحدة والأخلاق والعرف والشرف كل هذا يقول إذا دخل عليك واحد إلى بيتك لا بد أن تطرده.
آية (٦١):
*ما دلالة كلمة جنحوا (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ (٦١) الأنفال)؟(د. فاضل السامرائى)
جنحوا أي مالوا من جنحت السفينة إذا مالت.
آية (٧١):
*(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ) و (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )ما الفرق بينهما؟(د. فاضل السامرائى)
وفي الآية الأولى اللام في (ليقولنّ) واقعة في جواب القسم. (لئن) اللام موطّئة للقسم و(إن) الشرطية و(لئن) قسم. واللام في الاثبات لا بد أن تأتي في الجواب (حتى يكون الفعل مثبتاً). فإذا قلنا لئن سألتهم من خلق السموات والأرض يقولون يُصبح الفعل منفيّاً. في جواب القسم إذا أجبنا القسم بفعل مضارع إذا كان الفعل مثبتاً فلا بد من أن نأتي باللام سواء معه نون أو لم يكن معه نون كأن نقول "والله لأذهب الآن، أو والله لأذهبنّ" فلو حُذفت اللام فتعني النفي قطعاً فّإذا قلنا والله أذهب معناها لا أذهب كما في قوله تعالى في سورة يوسف (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (٨٥)) بمعنى لا تفتأ. فمتى أجبت القسم بالفعل المضارع ولم تأت باللام فهو نفي قطعاً كما في هذه الأبيات:
رأيت الخمر صالحة وفيها مناقب تُفسد الرجل الكريما
فلا والله أشربها حياتي ولا أشفي بها أبداً سقيما
وكذلك:
آليت حَبَّ العراق الدهر أطعمه والحَبُّ يأكله في القرية السوس
فالقاعدة تقول أن اللام في جواب القسم دلالة على إثبات الفعل.
* لماذا جاء جواب الشرط في قوله تعالى(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) التوبة) مرفوعاً؟(د. فاضل السامرائى)
أولاً هذا ليس جواباً للشرط وإنما هو واقع في جواب القسم. والقاعدة تقول إنه إذا اجتمع القسم والشرط فالجواب للسابق منهما فإن تقدّمه ما يحتاج إلى خبر فأنت مخيّر كأن نقول "أنت والله إن فعلت كذا". وفي هذه الآية القسم سابق للشرط فلا يمكن أن يكون (لا يخرجون) جواباً للشرط وإنما هو جواب القسم فلا بد من الرفع وهو مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة.
أما عند فرعون فالأوتاد غير الجبال كما قال علماؤنا والأوتاد هنا أحد قولين: إما أنه أراد به كثرة الجُند الذين يثبّتون مُلكه أي هؤلاء الجند وقادة الجند كالأوتاد لفرعون وكل ملك أو حاكم له أوتاد يثبتون حكمه بالحق أو بالباطل لذا ندعو لحكامنا بالبطانة الصالحة، الحكم مثبت لو جئت بأناس صالحين يثبتون حكمك على الحق وإن جئت بأشرار يثبتون حكمك على الباطل الذي ينهار لاحقاً. ورأي آخر قريب جداً من هذا أنه لكثرة جنده كانوا إذا غزوا يأخذون الخيم فكأنه هو ذو الأوتاد من كثرة خيمه بمعنى كثرة جنده، هل هناك مرجح لأحد القولين؟ (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (١١)) إذا أعدناها على الأوتاد فمهناها الحاشية وإذا أعدناها على كل ما سبق من أقوام يبقى الإحتمالان (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (١١)). (الذين طغوا) يحتمل أن يعود الضمير على الجميع. الآوتاد غير عاقل وكان يمكن أن يقول (التي) لكن استعمل (الذين) لأن المراد بهم العقلاء الذي ثبتوا حكم فرعون فأعادها عليهم بصيغة العاقل. نقول دائماً عندما تحتمل العبارة القرآنية الوجهين من دون مرجح قاطع نقول تحتمل الوجهين وكلاهما صحيح، هؤلاء طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد عاد وثمود وفرعون وقومه وقوم فرعون طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد فهم من مكثري الفساد، يقول تعالى في سورة الشعراء (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (١١)) حتى لا يرحم هؤلاء الذين فرعنوا فرعون سماهم ظالمين لأنهم ظلموا أنفسهم وظلموا حاكمهم، ودعاهم إلى التقوى.
الرأفة أخصّ من الرحمة والرحمة عامة. الرأفة مخصوصة بدفع المكروه وإزالة الضرر والرحمة عامة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (١٠٧) الأنبياء)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا (٦٥) الكهف) ليست مخصوصة بدفع مكروه. تقول أنا أرأف به عندما يكون متوقعاً أن يقع عليه شيء. الرحمة عامة (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا (٤٨) الشورى) فالرحمة أعمّ من الرأفة. عندما نقول في الدعاء يا رحمن ارحمنا هذه عامة أي ينزل علينا من الخير ما يشاء ويرفع عنا من الضر ما يشاء وييسر لنا سبل الخير عامة.
*هل أفردت الرأفة عن الرحمة في القرآن؟
فقط في موطنين في القرآن كله قال (والله رؤوف بالعباد) في موطنين: في سورة البقرة (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧) البقرة) وفي سورة آل عمران (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ (٣٠)) ما قال تعالى رؤوف رحيم.
*يثار سؤال لماذا رؤوف رحيم وهنا في الموطنين اختلف؟
ليس هذا هو الموطن الوحيد الذي لم تُذكر فيه الحور العين مع الجنّات فهي لم تذكر في مواطن عديدة في القرآن وليس كل المواطن يُذك فيها الحور العين. هناك مجالس بين الإخوان لا يَحسُن فيها ذكر الحور العين وهناك مواطن خاصة تقتضي ذكر الحور العين. على سبيل المثال إذا وصف لنا أحد ما بلداً فلا داعي لأن يصف نساءه إذا لم تقتضي الحاجة. وكذلك في سورة الإنسان فالمقام والسياق يتعلقان بالطعام والشراب واللباس والآنية ولا يتعلق بذكر الحور العين. والذكر والحذف قد يتعلق أحياناُ بالتفصيل والإيجاز.
* حينما يصف الله تعالى الجنة يصف الحور العين (بيض مكنون) (كواعب أترابا) إلا في سورة الإنسان وصف الشراب والسندس والاستبرق ولم يصف الحور العين فما السبب؟(د. فاضل السامرائى)
في الحقيقة ليست في سورة الإنسان وحدها وإنما في أكثر المواطن التي وردت في القرآن في الجنة لم يذكر فيها الحور العين آل عمران لم يذكر فيها الحور العين والمائدة لم يذكر فيها والأعراف، وفي يونس لم يذكر فيها ولا في هود، في الحجر لم يذكر فيها، الكهف لم يذكر فيها والفرقان لم يذكر فيها ولا فاطر، أكثر من ١٦ موضعاً لم يذكر فيها الحور العين والجنة ليست كلها متعلقة بالحور العين فقط والحور العين وردت أربع مرات في القرآن بينما ورد ذكر الجنة ٣٥ سورة فيها ذكر الجنة فليس بالضرورة الجنة متعلقة بالحور العين وإنما متعلقة أيضاً بالعلاقات والأصدقاء وما إلى ذلك ولم يُذكر فيها الحور العين. وهناك حقيقة أمر أنه لما يذكر القرآن الأزواج أزواج أهل الجنة لا يذكر الحور العين (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) الزخرف) إذا ذكر أزواج المؤمن في الجنة لا يذكر الحور العين (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ (٢٥) البقرة) (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) لم يذكر الحور العين مع الأزواج مراعاة لنفسية المرأة حتى لا تغير.
الآية الكريمة في سورة الجن (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) وفي النساء (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) قال خالدين في سورة الجن بالجمع وخالداً بالإفراد في النساء. الوعيد بالعذاب في آية النساء أشد (يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) أشد لأنه عذاب بالنار وبالوحدة، في الجن قال خالدين بالجمع وهنا قال خالداً يعني منفرداً لأن الوحدة عذاب حتى لو كان في الجنة، يكون وحده ليس معه أحد ولا يتكلم مع أحد هذا شيء ثقيل جداً. إذن مبدئياً العذاب في آية النساء أشد، الوعيد. لماذا هو أشد؟ قال في سورة الجن (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ) وقال في سورة النساء (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) هذا زيادة. العصيان يعني عدم الطاعة وتعدي الحدود عدم الطاعة ولكن فيها إضافة قد تكون هنالك حدود في أمور معينة (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا (١٨٧) البقرة) (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا (٢٢٩) البقرة) هذه إضافة إلى العصيان لأن أحياناً مجرد العصيان ليس بالضرورة كفر مجرد المعصية لأن الإنسان قد يعصي ربه في شرب خمر أو سرقة أو زنا. (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) هذه زيادة. الجريرة هنا جريرتان عصيان وتعدٍ الحدود، في الجن ذكر العصيان فقط وفي النساء ذكر العصيان وتعدي الحدود ولذلك قال (وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) إضافة إلى النار له عذاب مهين فإذن هنالك سبب دعا إلى هذا الاختلاف ولذلك لا تجد في أصحاب الجنة خالداً مطلقاً وإنما دائماً خالدين لأنه ليس هناك وحدة بينما في النار فنجد خالدين وخالداً.


الصفحة التالية
Icon