القول السابع عشر: أنها إعجاز بالفعل، وهو أن النبي الأمي الذي لم يقرأ قد نطق بأصول القراءة كما ينطق بها مهرة الكتبة؛ فيكون النطق بها معجزة، وهذا بين البطلان؛ لأن الأمي لا يعسر عليه النطق بالحروف.
القول الثامن عشر: أن الكفار كانوا يُعْرِضون عن سماع القرآن، فقالوا: [لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ] فَأُوردت لهم هذه الحروف؛ ليقبلوا على طلب فهم المراد منها؛ فيقع إليهم ما يتلوها بلا قصد، قاله: قطرب، وهو قريب من القول السادس عشر.
القول التاسع عشر: أنها علامة لأهل الكتاب، وُعِدُوا بها من قبل أنبيائهم أن القرآن يفتتح بحروف مقطعة.
القول العشرون: قال التبريزي: =علم الله أن قوماً سيقولون بقدم القرآن، فأراهم أنه مؤلف من حروف كحروف الكلام+.
وهذا وهم؛ لأن تأليف الكلام من أصوات الكلمات أشد دلالة على حدوثه من دلالة الحروف المقطعة؛ لقلة أصواتها.
القول الحادي والعشرون: روي عن ابن عباس: أنها ثناء أثنى الله به على نفسه، وهو يرجع إلى القول الأول، أو الثاني.
وللحكماء والشعراء أقوال كثيرة في الثقلاء طفحت بها كتب أدب الأخلاق.
ومعاملة الناس النبي"بهذا الخلق أشدُّ بعداً عن الأدب؛ لأن للنبي " أوقاتاً لا تخلو ساعة منها عن الاشتغال بصلاح الأمة، ويجب أن لا يشغل أحدٌ أوقاته إلا بإذنه، ولذلك قال _تعالى_: [إلا أن يأذن لكم]. ٢٢/٨٤_٨٥
١٤_ وفي هذه الآية دليل على أن طعام الوليمة وطعام الضيافة ملك للمتضيف، وليس ملكاً للمدعوين، ولا للأضياف؛ لأنهم إنما أذن لهم في الأكل منه خاصة، ولم يملكوه؛ فلذلك لا يجوز لأحد رفع شيء من ذلك الطعام معه. ٢٢/٨٥
١٥_ واعلم أن في ورود: [يُؤْذِي] هنا ما يبطل المثال الذي أورده ابن الأثير في كتاب المثل السائر شاهداً على أن الكلمة قد تروق السامع في كلام، ثم تكون هي بعينها مكروهة للسامع، وجاء بكلمة: [يؤذي] في هذه الآية، ونظيرها (تؤذي) في قول المتنبي:
تلذ له المروءة وهي تُوذي
وزعم أن وجودها في البيت يحط من قدر المعنى الشريف الذي تضمنه البيت، وأحال في الجزم بذلك على الطبع السليم، ولا أحسب هذا الحكم إلا غضباً من ابن الأثير لا تسوغه صناعة ولا يشهد به ذوق، ولقد صرف أئِمة الأدب همهم إلى بحث شعر المتنبي ونقده؛ فلم يَعُدَّ عليه أحدٌ منهم هذا منتقداً، مع اعتراف ابن الأثير بأن معنى البيت شريف؛ فلم يبقَ له إلا أن يزعم أن كراهة هذا اللفظ فيه راجعة إلى أمر لفظي من الفصاحة، وليس في البيت شيءٌ من الإخلال بالفصاحة، وكأنه أراد أن يقفي على قدم الشيخ عبدالقاهر فيما ذكر في الفصل الذي جعله ثانياً من كتاب دلائل الإعجاز؛ فإن ما انتقده الشيخ في ذلك الفصل من مواقع بعض الكلمات لا يخلو من رجوع نقده إياها إلى أصول الفصاحة أو أصول تناسب معاني الكلمات بعضها مع بعض في نظم الكلام، وشتان ما بين الصنعتين. ٢٢/٨٩_٩٠
١٦_[وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ].


الصفحة التالية
Icon