هذا جماع الأقوال، ولا شك أن قراءة كافة المسلمين إياها بأسماء حروف الهجاء مثل ألف، لام، ميم دون أن يقرأوا ألم، وأن رسمها في الخط بصورة الحروف يزيف جميع أقوال النوع الأول، ويعين الاقتصار على النوعين الثاني، والثالث في الجملة، على أن ما يندرج تحت ذينك النوعين متفاوت في درجات القبول؛ فإن الأقوال الثاني، والسابع، والثامن، والثاني عشر، والخامس عشر، والسادس عشر، يبطلها أن هذه الحروف لو كانت مقتضبة من أسماء، أو كلمات لكان الحق أن ينطق بسمياتها لا بأسمائها؛ فإذا تعين هذان النوعان، وأسقطنا ما كان من الأقوال المندرجة تحتمها واهياً _ خَلُصَ أن الأرجح من تلك الأقوال ثلاثة: وهي كون تلك الحروف لتبكيت المعاندين، وتسجيلاً لعجزهم عن المعارضة، أو كونها أسماء للسور الواقعة هي فيها، أو كونها أقساماً أقسم بها لتشريف قدر الكتابة، وتنبيه العرب الأميين إلى فوائد الكتابة؛ لإخراجهم من حالة الأمية، وأرجح هذه الأقوال الثلاثة هو أولها. ١/٢٠٧_٢١٦
٧_ والهدى الشرعي: هو الإرشاد إلى ما فيه صلاح العاجل الذي لا ينقض صلاح الآجل. ١/٢٢٥
٨_ والمتقي: من اتصف بالاتقاء: وهو طلب الوقاية، والوقاية الصيانة، والحفظ من المكروه؛ فالمتقي هو الحذر المتطلب للنجاة من شيء مكروه مضر، والمراد هنا المتقين اللهَ: أي الذين هم خائفون غَضَبَهُ، واستعدوا لطلب مرضاته، واستجابة طلبه، فإذا قرئ عليهم القرآن استمعوا له، وتدبروا ما يدعو إليه؛ فاهتدوا. ١/٢٢٦
٩_ والتقوى الشرعية: هي امتثال الأوامر، واجتناب المنهيات من الكبائر، وعدم الاسترسال على الصغائر ظاهراً وباطناً؛ أي اتقاء ما جعل الله الاقتحام فيه موجباً غضبه وعقابه؛ فالكبائر كلها متوعد فاعلها بالعقاب دون اللمم. ١/٢٢٦
والمعنى: ذلك أقوى طهارة لقلوبكم وقلوبهن؛ فإن قلوب الفريقين طاهرة بالتقوى وتعظيم حرمات الله وحرمة النبي".
ولكن لما كانت التقوى لا تصل بهم إلى درجة العصمة أراد الله أن يزيدهم منها بما يكسب المؤمنين مراتب من الحفظ الإلهي من الخواطر الشيطانية بقطع أضعف أسبابها، وما يقرِّب أمهات المؤمنين من مرتبة العصمة الثابتة لزوجهن" فإن الطيبات للطيبين بقطع الخواطر الشيطانية عنهن بقطع دابرها ولو بالفرض.
وأيضاً فإن للناس أوهاماً وظنوناً سُوأى تتفاوت مراتب نفوس الناس فيها صرامةً، ووهناً، ونفاقاً، وضعفاً، كما وقع في قضية الإفك المتقدمة في سورة النور؛ فكان شرع حجاب أمهات المؤمنين قاطعاً لكل تَقَوُّلٍ وإرجاف بعمد أو بغير عمد.
ووراء هذه الحكم كلِّها حكمةٌ أخرى سامية وهي زيادة تقرير أمومتهن للمؤمنين في قلوب المؤمنين التي هي أمومة جَعْلية شرعية بحيث أن ذلك المعنى الجعلي الروحي وهو كونهن فلانة أو فلانة؛ فيصبحن غير متصورات إلا بعنوان الأمومة؛ فلا يزال ذلك المعنى الروحي ينمي في النفوس، ولا تزال الصورة الحسية تتضاءل من القوة المدركة حتى يصبح معنى أمهات المؤمنين معنى قريباً في النفوس من حقائق المجردات كالملائكة، وهذه حكمة من حكم الحجاب الذي سنه الناس لملوكهم في القدم؛ ليكون ذلك أدخل لطاعتهم في نفوس الرعية. ٢٢/٩١_٩٢
١٧_[ إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤)].


الصفحة التالية
Icon