١٠_ والرزق شرعاً عند أهل السنة، كالرزق لغة؛ إذ الأصل عدم النقل إلا لدليل؛ فيصدق اسم الرزق على الحلال والحرام؛ لأن صفة الحل والحرمة غير ملتفت إليها هنا، فبيان الحلال من الحرام له مواقع أخرى، ولا يقبل الله إلا طيباً، وذلك يختلف باختلاف أحوال التشريع، مثل: الخمر والتجارة فيها قبل تحريمها، بل المقصود أنهم ينفقون مما في أيديهم.
وخالفت المعتزلة في ذلك في جملة فروع مسألة خلق المفاسد والشرور وتقديرهما، ومسألة الرزق من المسائل التي جرت فيها المناظرة بين الأشاعرة، والمعتزلة كمسألة الآجال، ومسألة السعر، وتمسك المعتزلة في مسألة الرزق بأدلة لا تنتج المطلوب. ١/٢٣٥
١١_ والإنفاق: إعطاء الرزق فيما يعود بالمنفعة على النفس، والأهل، والعيال ومن يرغب في صلته، أو التقرب لله بالنفع له من طعام أو لباس، وأريد به هنا بثه في نفع الفقراء، وأهل الحاجة، وتسديد نوائب المسلمين بقرينة المدح، واقترانه بالإيمان، والصلاة. ١/٢٣٥
١٢_ والمراد من القلوب هنا: الألباب والعقول، والعرب تطلق القلب على اللحمة الصنوبرية، وتطلقه على الإدراك والعقل، ولا يكادون يطلقونه على غير ذلك بالنسبة للإنسان، وذلك غالب كلامهم على الحيوان، وهو المراد هنا، ومقره الدماغ لا محالة، ولكن القلب هو الذي يمده بالقوة التي بها عمل الإدراك. ١/٢٥٥
١٣_ العذاب: الألم، وقد قيل إن أصله الإعذاب مصدر أعذب إذا أزال العذوبة؛ لأن العذاب يزيل حلاوة العيش؛ فَصِيْغَ منه اسم مصدر بحذف الهمزة، أو هو اسم موضوع للألم بدون ملاحظة اشتقاق من العذوبة؛ إذ ليس يلزم مصير الكلمة إلى نظيرتها في الحروف. ١/٢٥٨
كلامٌ جامعٌ تحريضاً وتحذيراً، ومنبئٌ عن وعد ووعيد؛ فإن ما قبله قد حوى أمراً ونهياً، وإذ كان الامتثال متفاوتاً في الظاهر والباطن، وبخاصة في النوايا والمضمرات كان المقام مناسباً لتنبيههم بأن الله مطلع على كل حال من أحوالهم في ذلك، وعلى كل شيء؛ فالمراد من: [شَيْئاً] الأول شيء مما يبدونه أو يخفونه وهو يعم كل ما يبدو وما يخفى؛ لأن النكرة في سياق الشرط تعم، والجملة تذييل لما اشتملت عليه من العموم في قوله: [بِكُلِّ شَيْءٍ].
وإظهار لفظ شيء هنا دون إضمار؛ لأن الإضمار لا يستقيم؛ لأن الشيء المذكور ثانياً هو غير المذكور أولاً؛ إذ المراد بالثاني جميع الموجودات _ والمراد بالأول خصوص أحوال الناس الظاهرة والباطنة؛ فالله عليم بكل كائن ومن جملة ذلك ما يبدونه ويخفونه من أحوالهم. ٢٢/٩٥
١٨_ وجملة: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ] هي المقصودة، وما قبلها توطئة لها وتمهيداً؛ لأن الله لما حذَّر المؤمنين من كل ما يؤذي الرسول _ عليه الصلاة والسلام _ أعقبه بأن ذلك ليس هو أقصى حظِّهم من معاملة رسولهم أن يتركوا أذاه، بل حظهم أكبر من ذلك، وهو أن يصلوا عليه ويسلموا، وذلك هو إكرامهم لرسول الله _ عليه الصلاة والسلام _ فيما بينهم وبين ربهم؛ فهو يدل على وجوب إكرامه في أقوالهم وأفعالهم بحضرته بدلالة الفحوى، فجملة: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] بمنزلة النتيجة الواقعة بعد التمهيد.
وجيء في صلاة الله وملائكته بالمضارع الدال على التجديد والتكرير؛ ليكون أمر المؤمنين بالصلاة عليه والتسليم عقب ذلك مشيراً إلى تكرير ذلك منهم أسوة بصلاة الله وملائكته. ٢٢/٩٧
١٩_ وقوله: [وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] القول فيه كالقول في: [صَلُّوا عَلَيْهِ] حكماً ومكاناً وصفةً؛ فإن صفته حُدِّدت بقول النبي": =والسلام كما قد علمتم+.


الصفحة التالية
Icon