ومن العجيب أن يصدر هذا القول من عاقل فضلاً عن عالم، ثم الأعجب منه عكوف أتباعهم عليه تلوكه ألسنتهم، ولا تفقهه أفئدتهم، وكيف لم يُقَيَّض فيهم عالم منصف ينبري لهاته التُّرَّهات، فيهذبها أو يؤولها كما أراد جمهور علماء السنة من صدر الأمة فمن يليهم. ١/٢٧٠
١٦_ فالأعمال _إذن_ لها المرتبة الثانية بعد الإيمان والإسلام؛ لأنها مكملة المقصد لا ينازع في هذين _ أعني كونها في الدرجة الثانية، وكونها مقصودة _ إلا مكابر.
ومما يؤيد هذا أكمل تأييد ما ورد في الصحاح في حديث معاذ بن جبل: أن النبي"كان بعثه إلى اليمن، فقال له: =إنك ستأتي قوماً من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله (أي ينطقوا بذلك نطقاً مطابقاً لاعتقادهم) فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة+ إلخ.
فلولا أن للإيمان، وللإسلام الحظَّ الأولَ لما قَدَّمه، ولولا أن الأعمال لا دخل لها في مسمى الإسلام لما فرق بينهما؛ لأن الدعوة للحق يجب أن تكون دفعة، وإلا لكان الرضا ببقائه على جزء من الكفر ولو لحظة مع توقع إجابته للدين رضىً بالكفر، وهو من الكفر، فكيف يأمر بسلوكه المعصوم عن أن يقر أحداً على باطل؟ فانتظم القول الثالث للقولين. ١/٢٧٢_٢٧٣
وعن النووي أنه قال بكراهة إفراد الصلاة والتسليم، وقال ابن حجر: =لعله أراد خلاف الأولى+.
وفي الاعتذار والمعتذر عنه نظر؛ إذ لا دليل على ذلك.
وأما أن يقال: =اللهم سلِّم على محمد+ فليس بوارد فيه مسند صحيح ولا حسن عن النبي"ولم يرد عنه إلا بصيغة إنشاء السلام مثل ما في التحية، ولكنهم تسامحوا في حالة الاقتران بين التصلية والتسليم فقالوا: =صلى الله عليه وسلم+ لقصد الاختصار فيما نرى.
وقد استمر عليه عمل الناس من أهل العلم والفضل وفي حديث أسماء بنت أبي بكر المتقدم أنها قالت: =صلى الله على محمد وسلم+.
ومعنى تسليمِ الله عليه إكرامُه، وتعظيمه؛ فإن السلام كناية عن ذلك.
وقد استحسن أئمة السلف أن يجعل الدعاء بالصلاة مخصوصاً بالنبي".
وعن مالك: لا يصلى على غير نبينا من الأنبياء يريد أن تلك هي السنة، وروي مثله عن ابن عباس، وروي عن عمر بن عبدالعزيز: أن الصلاة خاصة بالنبيين كلهم. ٢٢/١٠٢_١٠٣
٢١_ وأنه يجوز إتباع آلهم وأصحابهم وصالحي المؤمنين إياهم في ذلك دون استقلال.
هذا الذي استقر عليه اصطلاح أهل السنة، ولم يقصدوا بذلك تحريماً، ولكنه اصطلاح، وتمييز لمراتب رجال الدين، كما قصروا الرضى على الأصحاب وأئمة الدين، وقصروا كلمات الإجلال نحو : تبارك وتعالى، وجل جلاله، على الخالق دون الأنبياء والرسل.
وأما الشيعة فإنهم يذكرون التسليم على علي وفاطمة وآلهما، وهو مخالف لعمل السلف؛ فلا ينبغي اتباعهم فيه؛ لأنهم قصدوا به الغض من الخلفاء والصحابة. ٢٢/١٠٣
٢٢_ والإرجاف: إشاعة الأخبار.
وفيه معنى كون الأخبار كاذبة أو مسيئة لأصحابها يعيدونها في المجالس؛ ليطمئن السامعون لها مرة بعد مرة بأنها صادقة؛ لأن الإشاعة إنما تقصد للترويج بشيء غير واقع أو مما لا يصدق به لاشتقاق ذلك من الرجف والرجفان وهو الاضطراب والتزلزل.
فالمرجفون قوم يتلقون الأخبار فيحدثون بها في مجالس ونواد ويخبرون بها من يسأل ومن لا يسأل. ٢٢/١٠٨


الصفحة التالية
Icon