٢٢_ فالإفساد في الأرض منه تصيير الأشياء الصالحة مضرة كالغش في الأطعمة، ومنه إزالة الأشياء النافعة كالحرق، والقتل للبرآء، ومنه إفساد الأنظمة كالفتن والجور، ومنه إفساد المساعي كتكثير الجهل، وتعليم الدعارة، وتحسين الكفر، ومناوأة الصالحين المصلحين.
ولعل المنافقين قد أخذوا من ضروب الإفساد بالجميع، فلذلك حذف متعلق [تُفْسِدُوا] تأكيداً للعموم المستفاد من وقوع الفعل في حيز النفي. ١/٢٨٤_٢٨٥
٢٣_ والشياطين: جمع شيطان، جمع تكسير، وحقيقة الشيطان أنه نوع من المخلوقات المجردة، طبيعتها الحرارة النارية، وهم من جنس الجن قال _تعالى_ في إبليس: [كَانَ مِنْ الْجِنِّ] وقد اشتهر ذكره في كلام الأنبياء، والحكماء، ويطلق الشيطان على المفسد، ومثير الشر، تقول العرب: فلان من الشياطين، ومن شياطين العرب وذلك استعارة، وكذلك أطلق هنا على قادة المنافقين في النفاق، قال _تعالى_: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ] إلخ. ١/٢٩٠
٢٤_ وقوله: [وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ]: احتراس من توهم الانقطاع بما تعودوا من انقطاع اللذات في الدنيا؛ لأن جميع اللذات في الدنيا معرضة للزوال، وذلك ينغصها عند المُنْعَم عليه، كما قال أبو الطيب:
أشد الغم عندي في سرور | تحقَّقَ(١) عنه صاحبه انتقالا |
٢٥_ والاستحياء والحياء واحد، فالسين والتاء فيه للمبالغة، مثل استقدم، واستأخر، واستجاب: وهو انقباض النفس من صدور فعل، أو تلقيه لاستشعار أنه لا يليق، أو لا يحسن في متعارف أمثاله، فهو هيئة تعرض للنفس هي من قبيل الانفعال يظهر أثرها على الوجه، وفي الإمساك عن ما من شأنه أن يُفعل. ١/٣٦١
٢٦_ و[مَا] إبهامية تتصل بالنكرة، فتؤكد معناها من تنويع، أو تفخيم، أو تحقير، نحو: لأمرٍ ما وأعطاه شيئاً ما، والأظهر أنها مزيدة؛ لتكون دلالتها على التأكيد أشد، وقيل: اسم بمعنى النكرة المبهمة.
فإصلاح الأعمال جزاء على القول السديد؛ لأن أكثر ما يفيده القولُ السديدُ إرشادَ الناس إلى الصلاح، أو اقتداء الناس بصاحب القول السديد.
وغفرانُ الذنوبِ جزاءٌ على التقوى؛ لأن عمود التقوى اجتناب الكبائر، وقد غفر الله للناس الصغائر باجتناب الكبائر، وغفر لهم الكبائر بالتوبة، والتحول عن المعاصي بعد الهم بها ضربٌ من مغفرتها. ٢٢/١٢١_١٢٣
٢٥_ [إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢)].
فحقيق بنا أن نقول: إن هذا العرض كان في مبدأ تكوين العالم ونوع الإنسان؛ لأنه لما ذُكرت فيه السماوات والأرض والجبال مع الإنسان عُلِمَ أن المرادَ بالإنسان نوعُه؛ لأنه لو أريد بعض أفراده _ولو في أول النشأة_ لما كان في تحمل ذلك الفرد الأمانة ارتباط بتعذيب المنافقين والمشركين، ولمَاَ كان في تحمل بعض أفراده دون بعض الأمانة حكمةٌ مناسبة لتصرفات الله _تعالى_. ٢٢/١٢٥
٢٦_ وقد عُدّت هذه الآية من مشكلات القرآن، وتردد المفسرون في تأويلها تردداً دل على الحيرة في تقويم معناها.
ومرجع ذلك إلى تقويم معنى العرض على السماوات والأرض والجبال، وإلى معرفة معنى الأمانة، ومعرفة معنى الإباء والإشفاق.
فأما العرض فقد استبانت معانيه بما علمتَ من طريقة التمثيل، وأما الأمانة فهي ما يؤتمن عليه، ويطالب بحفظه والوفاء دون إضاعة ولا إجحاف.
وقد اختلف فيها المفسرون على عشرين قولاً، وبعضها متداخل في بعض، ولنبتدئ بالإلمام بها، ثم نعطف إلى تمحيصها وبيانها.