و[بَعُوضَةً] بدل أو بيان من قوله: [مَثَلاً] والبعوضة: واحدة البعوض: وهي حشرة صغيرة طائرة، ذات خرطوم دقيق، تحوم على الإنسان؛ لتمتص بخرطومها من دمه غذاءً لها، وتعرف في لغة هُذيل بالخموش، وأهل تونس يسمونه الناموس، واحدته الناموسة.
وقد جعلت هنا مثلاً؛ لشدة الضعف والحقارة. ١/٣٦٢
٢٧_ و[كَيْفَ] اسم لا يعرف اشتقاقه، يدل على حالة خاصة، وهي التي يقال لها: الكيفية؛ نسبة إلى كيف، ويتضمن معنى السؤال في أكثر موارد استعماله؛ فلدلالته على الحالة كان في عداد الأسماء؛ لأنه أفاد معنى في نفسه، إلا أن المعنى الأسمى الذي دل عليه لما كان معنى مبهماً شابه معنى الحرف، فلما أشربوه معنى الاستفهام قوى شبهه بالحروف لكنه لا يخرج عن خصائص الأسماء؛ فلذلك لا بُدَّ له من محل إعراب، وأكثر استعماله اسم استفهام، فيعرب إعراب الحال، ويستفهم بكيف عن الحال العامة، والاستفهام هنا مستعمل في التعجيب والإنكار بقرينة قوله: [وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً] إلخ أي أن كفركم مع تلك الحالة شأنه أن يكون منتفياً لا تركن إليه النفس الرشيدة؛ لوجود ما يصرف عنه، وهو الأحوال المذكورة بَعْدُ؛ فكان من شأنه أن ينكر؛ فالإنكار متولد من معنى الاستفهام؛ ولذلك فاستعماله فيهما من إرادة لازم اللفظ، وكأن المنكر يريد أن يقطع مَعْذِرَة المخاطب، فيظهر له أنه يتطلب منه الجواب بما يظهر السبب؛ فيبطل الإنكارُ، والعجبُ حتى إذا لم يبد ذلك كان حقيقاً باللوم والوعيد. ١/٣٧٣_٣٧٤
فقيل: الأمانةُ: الطاعة، وقيل: الصلاة، وقيل: مجموع الصلاة والصوم والاغتسال، وقيل: جميع الفرائض، وقيل الانقياد إلى الدين، وقيل: حفظ الفرج، وقيل: الأمانة: التوحيد، أو دلائل الوحدانية، أو تجليات الله بأسمائه، وقيل: ما يؤتمن عليه، ومنه الوفاء بالعهد، ومنه انتفاء الغش بالعمل، وقيل: الأمانة: العقل، وقيل: الخلافة، أي خلافة الله في الأرض التي أودعها الإنسان كما قال _تعالى_: [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] الآية.
وهذه الأقوال ترجع إلى أصناف: صنف الطاعات والشرائع، وصنف العقائد، وصنف ضد الخيانة، وصنف العقل، وصنف خلافة الأرض.
ويجب أن يطرح منها صنف الشرائع؛ لأنها ليست لازمة لفطرة الإنسان؛ فطالما خلت أمم عن التكليف بالشرائع وهم أهل الفِتَر فتسقط ستة أقوال وهي ما في الصنف الأول.
ويبقى سائر الأصناف؛ لأنها مرتكزة في طبع الإنسان وفطرته؛ فيجوز أن تكون الأمانة أمانة الإيمان، أي توحيد الله، وهي العهد الذي أخذه الله على جنس بني آدم وهو الذي في قوله _تعالى_: [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا].
وتقدم في سورة الأعراف.
فالمعنى: أن الله أودع في نفوس الناس دلائل الوحدانية فهي ملازمة للفكر البشري؛ فكأنها عهْد عَهِد الله لهم به، وكأنه أمانة ائتمنهم عليها؛ لأنه أودعها في الجِبِلَّة ملازمة لها، وهذه الأمانة لم تودع في السماوات والأرض والجبال؛ لأن هذه الأمانة من قبيل المعارف، والمعارفُ من العلم الذي لا يتصف به إلا من قامت به صفة الحياة، لأنها مُصَحِّحةُ الإدراك لمن قامت به، ويناسب هذا المحمل قوله: [لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ].
فإن هذين الفريقين خالون من الإيمان بوحدانية الله.


الصفحة التالية
Icon