٢٨_ والكفر: بضم الكاف مصدر سماعي لكَفَرَ الثلاثيِّ القاصر، وأصله جحد المنعم عليه نعمة المنعم اشتق من مادة الكفر بفتح الكاف، وهو الحجب والتغطية؛ لأن جاحد النعمة قد أخفى الاعتراف بها كما أن شاكرها أعلنها، وضده الشكر؛ ولذلك صيغ له مصدر على وزان الشكر، وقالوا _أيضاً_: كفران على وزن شكران، ثم أطلق الكفر في القرآن على الإشراك بالله في العبادة، بناءً على أنه أشد صور كفر النعمة؛ إذ الذي يترك عبادة مَنْ أنعم عليه في وقت من الأوقات قد كفر نعمته في تلك الساعة؛ إذ توجَّه بالشكر لغير المنعم، وترك المنعم حين عزمه على التوجه بالشكر، ولأن عزم نفسه على مداومة ذلك استمرار في عقد القلب على كفر النعمة، وإن لم يتفطن لذلك؛ فكان أكثر إطلاق الكفر بصيغة المصدر في القرآن على الإشراك بالله، ولم يرد الكفر بصيغة المصدر في القرآن لغير معنى الإشراك بالله، وقلَّ ورودُ فعلِ الكفر، أو وصف الكافر في القرآن لجحد رسالة محمد " وذلك حيث تكون قرينة على إرادة ذلك كقوله: [مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ] وقوله: [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ] يريد اليهود.
وأما إطلاقه في السنة، وفي كلام أئمة المسلمين فهو الاعتقاد الذي يخرج معتقده عن الإسلام، وما يدل على ذلك الاعتقاد من قولٍ أو فعلٍ دلالةً لا تحتمل غير ذلك.
وقد ورد إطلاق الكفر في كلام الرسول _عليه السلام _ وكلام بعض السلف على ارتكاب جريمة عظيمة في الإسلام إطلاقاً على وجه التغليظ بالتشبيه المفيد؛ لتشنيع ارتكاب ما هو من الأفعال المباحة عند أهل الكفر.
ولكنَّ بَعْضَ فرق المسلمين يتشبثون بظاهر ذلك الإطلاق؛ فيقضون بالكفر على مرتكب الكبائر، ولا يلتفتون إلى ما يعارض ذلك في إطلاقات كلام الله ورسوله.
ويجوز أن تكون الأمانة هي العقل، وتسميته أمانةً تعظيم لشأنه، ولأن الأشياء النفسية تودع عند من يحتفظ بها.
والمعنى: أن الحكمة اقتضت أن يكون الإنسان مستودع العقل من بين الموجودات العظيمة؛ لأنَّ خلقته ملائمة لأَنْ يكونَ عاقلاً؛ فإنَّ العقل يبعث على التغير والانتقال من حال إلى حال ومن مكان إلى غيره، فلو جعل ذلك في سماء من السماوات أو في الأرض، أو في جبل من الجبال، أو جميعها _ لكان سبباً في اضطراب العوالم واندكاكها.
وأقرب الموجودات التي تحمل العقل أنواع الحيوان ما عدا الإنسان، فلو أودع فيها العقل لما سمحت هيئات أجسامها بمطاوعة ما يأمرها العقل به؛ فلنفرض أن العقل يسوِّل للفرس أن لا ينتظر علفه أو سومه، وأن يخرج إلى حَنَّاط يشتري منه علفاً؛ فإنه لا يستطيع إفصاحاً، ويضيع في الإفهام، ثم لا يتمكن من تسليم العوض بيده إلى فرس غيره، وكذلك إذا كانت معاملته مع أحد من نوع الإنسان.
ومناسبة قوله: [لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ] الآية لهذا المحمل نظير مناسبته للمحمل الأول.
ويجوز أن تكون الأمانة ما يؤتمن عليه، وذلك أن الإنسان مَدَنِيٌّ بالطبع، مخالط لبني جنسه؛ فهو لا يخلو عن ائتمان أو أمانة؛ فكان الإنسان متحملاً لصفة الأمانة بفطرته والناس متفاوتون في الوفاء لما ائتمنوا عليه كما في الحديث: =إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة+ أي إذا انقرضت الأمانة كان انقراضها علامةً على اختلال الفطرة؛ فكان في جملة الاختلالات المنذرة بدنو الساعة مثل تكوير الشمس، وانكدار النجوم، ودك الجبال.