هذا وقد نقل أبو إسحاق الشاطبي في الموافقات عن جمهور الفقهاء، والمتكلمين أن أحكام الله _تعالى_ معللة بالمصالح، ودرء المفاسد، وقد جمع الأقوال الشيخ ابن عرفة في تفسيره، فقال: =هذا هو تعليل أفعال الله _تعالى_ وفيه خلاف، وأما أحكامه فمعللة+. ١/٣٨٠_٣٨١
٣١_ وأرجح القولين هو أن السماء خلقت قبل الأرض؛ لأن لفظ: [بَعْدِ ذَلِكَ] أظهر في إفادة التأخر من قوله: [ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ] ولأن أنظار علماء الهيئة ترى أن الأرض كرة انفصلت عن الشمس كبقية الكواكب السيارة من النظام الشمسي، وظاهر سفر التكوين يقتضي أن خلق السماوات متقدم على الأرض، وأحسب أن سلوك القرآن في هذه الآيات أسلوب الإجمال في هذا الغرض؛ لقطع الخصومة بين أصحاب النظريتين. ١/٣٨٤
٣٢_ وهذه الآية دليل على عموم العلم، وقد قال بذلك جميع الملِّيِّين كما نقله المحقق السلكوتي في الرسالة الخاقانية، وأنكر الفلاسفة علمه بالجزئيات، وزعموا أن تعلق العلم بالجزئيات لا يليق بالعلم الإلهي، وهو توهُّمٌ لا داعي إليه. ١/٣٨٦
وليس يتعين أن يكون قولهم: [أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً] معنيّاً به هذه الآية؛ لجواز أن يكون النبي"هددهم بذلك في موعظة أخرى.
وعدد آيها أربع وخمسون في عد الجمهور، وخمس وخمسون في عد أهل الشام. ٢٢/١٣٣_١٣٤
٣_ من أغراض هذه السورة: إبطالُ قواعدِ الشرك وأعظمُها إشراكهم آلهةً مع الله، وإنكارُ البعث؛ فابتدئ بدليل على انفراده _تعالى_ بالإلهية عن أصنامهم ونفي أن تكون الأصنامُ شفعاءَ لِعُبَّادها.
ثم موضوعُ البعث، وعن مقاتل: =أن سببَ نزولها أن أبا سفيانَ لما سمع قوله _تعالى_: [لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ] الآية الأخيرة من سورة الأحزاب _ قال لأصحابه: كأن محمداً يتوعدنا بالعذاب بعد أن نموت، واللاتِ والعزى لا تأتينا الساعة أبداً، فأنزل الله _تعالى_ [وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ]+ الآية.
وعليه فما قبل الآية المذكورة من قوله: [الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ] إلى قوله: [وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ] تمهيدٌ للمقصود من قوله: [وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة].
واثباتُ إحاطةِ عِلْمِ اللهِ بما في السماوات وما في الأرض؛ فما يخبر به فهو واقع ومن ذلك إثبات البعث والجزاء.
وإثباتُ صدقِ النبيِّ"فيما أخبر به، وصِدْقُ ما جاء به القرآنُ، وأن القرآنَ شَهِدَتْ به علماءُ أهلِ الكتاب.
وتخلل ذلك بضروب مِنْ تهديدِ المشركين وموعظتهم بما حل ببعض الأمم المشركين مِنْ قَبْل.


الصفحة التالية
Icon