٣٣_ والظاهر أن الأسماء التي عُلِّمها آدم هي ألفاظ تدل على ذوات الأشياء التي يحتاج نوع الإنسان إلى التعبير عنها لحاجته إلى ندائها، أو استحضارها، أو إفادة حصول بعضها مع بعض، وهي أي الإفادة ما نسميه اليوم بالأخبار، أو التوصيف، فيظهر أن المراد بالأسماء ابتداء أسماء الذوات من الموجودات، مثل الأعلام الشخصية، وأسماء الأجناس من الحيوان، والنبات، والحجر، والكواكب مما يقع عليه نظر الإنسان ابتداء مثل اسم جنة، وملك، وآدم، وحواء، وإبليس، وشجرة، وثمرة، ونجد ذلك بحسب اللغة البشرية الأولى؛ ولذلك نرجح أن لا يكون فيما علمه آدم ابتداء شيء من أسماء المعاني والأحداث، ثم طرأت بعد ذلك، فكان إذا أراد أن يخبر عن حصول حدث، أو أمر معنوي لذات قرن بين اسم الذات واسم الحدث نحو ماء برد: أي ماء بارد، ثم طرأ وضع الأفعال، والأوصاف بعد ذلك فقال: الماء بارد، أو برد الماء، وهذا يرجح أن أصل الاشتقاق: هو المصادر لا الأفعال؛ لأن المصادر صنف دقيق من نوع الأسماء، وقد دلنا على هذا قوله _تعالى_: [ثُمَّ عَرَضَهُمْ] كما سيأتي. ١/٤٠٩
٣٤_ وتعريف الأسماء يفيد أن الله علم آدم كل اسم ما هو مسماه ومدلوله، والإتيان بالجمع هنا متعين؛ إذ لا يستقيم أن يقول: وعلم آدم الاسم، وما شاع من أن استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع في المعرف باللام كلام غير محرر، وأصله مأخوذ من كلام السكاكي، وسنحققه عند قوله _تعالى_: [وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ] في هذه السورة.
و[كُلَّهَا] تأكيد لمعنى الاستغراق؛ لئلا يتوهم منه العهد، فلم تزد كلمة كل العموم شمولاً، ولكنها دفعت عنه الاحتمال. ١/٤٠٩
وعَرَّضَ بأن جَعْلَهم لله شركاءَ كفرانٌ لنعمةِ الخالق؛ فَضَرَبَ لهم المثلَ بمن شكروا نعمةَ اللهِ واتقوه؛ فَأُوتوا خيرَ الدنيا والآخرة، وسُخِّرَتْ لهم الخيراتُ مِثْلِ داودَ وسليمانَ، وبمن كفروا بالله؛ فسلَّط عليه الأرزاءَ في الدنيا وأَعَدَّ لهم العذاب في الآخرة مثلِ سبأ، وحذِّروا من الشيطان، وذُكِّروا بأن ما هم فيه من قرة العين يقربهم إلى الله، وأنذروا بما سيلقون يوم الجزاء مِنْ خِزْيٍ، وتكذيبٍ، وندامةٍ، وعدم النصيرِ، وخلود في العذاب، وبُشِّر المؤمنون بالنعيم المقيم. ٢٢/١٣٤_١٣٥
٤_ واعلم أن كلمتي: [يَلِجُ] و[يَخْرُجُ] أوضح ما يُعَبِّر به عن أحوال جميع الموجودات الأرضية بالنسبة إلى اتصالها بالأرض، وأن كلمتي: [يَنزِلُ] و[يَعْرُجُ] أوضح ما يعبَّر به عن أحوال الموجودات السماوية بالنسبة إلى اتصالها بالسماء، من كلمات اللغة التي تدل على المعاني الموضوعة للدلالة عليها دلالة مطابقية على الحقيقة دون المجاز ودون الكناية، ولذلك لم يعطف السماء على الأرض في الآية فلم يقل: يعلم ما يلج في الأرض والسماء، وما يخرج منهما، ولم يُكتَفَ بإحدى الجملتين عن الأخرى.
وقد لاح لي أن هذه الآية ينبغي أن تجعل من الإنشاء مثل ما اصطلح على تسميته بصراحة اللفظ.
ولذلك ألحقتها بكتابي: =أصول الإنشاء والخطابة+ بعد تفرق نسخه بالطبع، وسيأتي نظير هذه في أول سورة الحديد. ٢٢/١٣٧_١٣٨
٥_ ولما كان من جملة أحوال ما في الأرض أعمالُ الناس وأحوالُهم من عقائد وسير، ومما يعرج في السماء العمل الصالح والكَلِم الطيب _ أتبع ذلك بقوله: [وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ] أي الواسع الرحمة، والواسع المغفرة.
وهذا إجمالٌ قُصِدَ منه حثُّ الناس على طلب أسباب الرحمة والمغفرة المرغوب فيهما؛ فإن من رغب في تحصيل شيء بحث عن وسائل تحصيله، وسعى إليها.
وفيه تعريض بالمشركين أن يتوبوا عن الشرك فيغفر لهم ما قدموه. ٢٢/١٣٨