فكذلك كانت عداوة أفراد البشر مع ما جبلوا عليه من الألفة، والأنس، والاتحاد _ منشؤها رفضُ تلك الألفة، والاتحاد؛ لأجل جلب النفع للنفس، وإهمال منفعة الغير؛ فلا جرم كان بين ذلك الخاطر الذي بعثهما على الأكل من الشجرة، وبين أثره الذي بقي في نفوسهما، والذي سيورثونه نسلهما؛ فيخلق النسل مركبة عقولهم على التخلق بذلك الخلق الذي طرأ على عقل أبويهما.
ولا شك أن ذلك الخُلُقَ الراجع لإيثار النفس بالخير، وسوء الظن بالغير هو منبع العداوات كلها؛ لأن الواحد لا يعادي الآخر إلا لاعتقاد مزاحمة في منفعة، أو لسوء ظن به في مضرة.
وفي إشارة إلى مسألة أخلاقية وهي أن أصل الأخلاق حسنها، وقبيحها هو الخواطر الخيِّرة، والشريرة ثم ينقلب الخاطر إذا ترتب عليه فعل، فيصير خلقاً، وإذا قاومه صاحبه، ولم يفعل صارت تلك المقاومة سبباً في اضمحلال ذلك الخاطر؛ ولذلك حذرت الشريعة من الهم بالمعاصي، وكان جزاء ترك فعل ما يهم به منها حسنة، وأمرت بخواطر الخير؛ فكان جزاء مجرد الهم بالحسنة حسنة، ولو لم يعملها، وكان العمل بذلك الهم عشر حسنات، كما ورد في الحديث الصحيح: =من هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة+.
ثم قال: =ومن همَّ بسيئة فعملها كتبت له سيئة واحدة+.
وجعل العفو عن حديث النفس منة من الله _تعالى_ ومغفرة في حديث: =إن الله تجاوز عن أمتي فيما حدثت به نفوسها+. ١/٤٣٥_٤٣٦
٣٨_ [فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)] جاء بالفاء إيذاناً بمبادرة آدم بطلب العفو.
والتلقي استقبال إكرام ومسرة قال _تعالى_: [تَتَلَقَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ].
واتفق الفقهاء على تحريم اتخاذ ما له ظل من تماثيل ذوات الروح إذا كانت مستكملة الأعضاء التي لا يعيش ذو الروح بدونها، وعلى كراهة ما عدا ذلك مثل التماثيل المنصفة، ومثل الصور التي على الجدران، وعلى الأوراق، والرقم في الثوب، ولا ما يجلس عليه ويداس، وحكم صنعها يتبع اتخاذها.
ووقعت الرخصة في اتخاذ صور تلعب بها البنات؛ لفائدة اعتيادهن العملَ بأمور البيت. ٢٢/١٦٢
٨_ و[الْعَرِمِ]: يجوز أن يكون وصفاً من العرامة وهي الشدة والكثرة فتكون إضافة (السيل) إلى (العرم) من إضافة الموصوف إلى الصفة.
ويجوز أن يكون (العرم) اسماً للسيل الذين كان يَنْصَبُّ في السد، فتكون الإضافة من إضافة المسمى إلى الاسم، أي السيل العرم.
وكانت للسيول والأودية في بلاد العرب أسماء كقولهم: سيل مهزور ومذينيب الذي كانت تسقى به حدائق المدينة، ويدل على هذا المعنى قول الأعشى:
ومأرب عفَّى عليها العرم
وقيل: (العرم) اسم جمع عرَمَة بوزن شجرة، وقيل لا واحد له من لفظه وهو ما بني ليمسك الماء لغة يمنية وحبشية، وهي المسناة بلغة أهل الحجاز، والمسناة بوزن مفعلة التي هي اسم الآلة مشتق من سنيت بمعنى سقيت، ومنه سميت الساقية سانية وهي الدلو المستقى به والإضافة على هذين أصيلة.
والمعنى: أرسلنا السيل الذي كان مخزوناً في السد.
وكان لأهل سبأ سد عظيم قرب بلاد مأرب يعرف بسد مأرب _ومأرب من كور(١) اليمن_.