ووجه دلالته على ذلك أنه صيغة تَفَعُّل من لقيه، وهي دالة على التكلف لحصوله وتطلبه، وإنما يتكلف ويتطلب لقاء الأمر المحبوب، بخلاف لاقى فلا يدل على كون الملاقي محبوباً، بل تقول: لاقى العدو، واللقاء الحضور نحو الغير بقصد أو بغير قصد، وفي خير أو شر، قال _تعالى_: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً] الآيةَ؛ فالتعبير بتلقي هنا مؤذن بأن الكلمات التي أخذها آدم كلمات نافعة له؛ فَعُلِم أنها ليست كلمات زجر وتوبيخ، بل كلمات عفو، ومغفرة، ورضى، وهي إما كلمات لُقِّنها آدم من قِبَلِ الله _تعالى_ ليقولها طالباً المغفرة، وإما كلمات إعلام من الله إياه بأنه عفا عنه بعد أن أهبطه من الجنة؛ اكتفاء بذلك في العقوبة.
ومما يدل على أنها كلماتُ عفوٍ عَطْفُ [فَتَابَ عَلَيْهِ] بالفاء؛ إذ لو كانت كلمات توبيخ لما صح التسبب.
وتَلَقِّي آدم للكلمات إما بطريق الوحي، أوالإلهام.
ولهم في تعيين هذه الكلمات روايات أعرضنا عنها؛ لقلة جدوى الاشتغال بذلك، فقد قال آدم الكلمات، فتيب عليه؛ فَلنَهْتَمَّ نحن بما ينفعنا من الكلام الصالح، والفعل الصالح. ١/٤٣٧_٤٣٨
٣٩_ والتوبة تتركب من علم، وحال، وعمل، فالعلم هو: معرفة الذنب، والحال هو: تألم النفس من ذلك الضرر، ويسمى ندماً، والعمل هو: الترك للإثم، وتدارك ما يمكن تداركه، وهو المقصود من التوبة.
وأما الندم فهو: الباعث على العمل، ولذلك ورد في الحديث: =الندم توبة+ قاله الغزالي.
قلت: أي لأنه سببها ضرورة أنه لم يقصر؛ لأن أحد الجزءين غير معرفة. ١/٤٣٨
٤٠_ فعلماؤنا منهيون على أن يأتوا بما نهي عنه بنو إسرائيل من الصَّدْفِ عن الحق لأعراض الدنيا، وكذلك كانت سيرة السلف _ رضي الله عنهم _. ١/٤٦٦
وكان أعظم السداد في بلاد اليمن التي كانت فيها سداد كثيرة متفرقة، وكانوا جعلوا هذه السداد لخزن الماء الذي تأتي به السيول في وقت نزول الأمطار في الشتاء والربيع؛ ليسقوا منها المزارع والجنات في وقت انحباس الأمطار في الصيف والخريف، فكانوا يعمدون إلى ممرات السيول من بين الجبال، فيبنون في ممر الماء سوراً من صخور يبنونها بناء محكماً يصبون في الشقوق التي بين الصخور القار حتى تلتئم، فينحبس الماء الذي يسقط هنالك حتى إذا امتلأ الخزان جعلوا بجانبيه جَوابيَ عظيمةً يصب فيها الماء يفيض من أعلى السد، فيقيمون من ذلك ما يستطيعون من توفير الماء المختزن.
وكان سد مأرب الذي يحفظ فيه: [سَيْلَ الْعَرِمِ] شرع في بنائه سبأ أول ملوك هذه الأمة، ولم يتمَّه؛ فأتمه ابنه حمير.
وأما ما يقال من أن بلقيس بنته فذلك اشتباه؛ إذ لعل بلقيس بَنَتْ حَولَه خزانات أخرى فرعيةً، أو رممت بناءه ترميماً أطلق عليه اسم البناء؛ فقد كانوا يتعهدون تلك السداد بالإصلاح والترميم كل سنة حتى تبقى تجاه قوة السيول الساقطة فيها.
وكانوا يجعلون للسد منافذ مغلقة يزيلون عنها السَّكر إذا أرادوا إرسال الماء إلى الجنات على نوبات يُرسل عندها الماء إلى الجهات المتفرقة التي تسقى منه إذ جعلوا جناتهم حول السد مجتمعة، وكان يصب في سد مأرب سبعون وادياً.
وجعلوا هذا السد بين جبلين يعرف كلاهما بالبَلَق، فهما البلق الأيمن، والبلق الأيسر.
وأعظم الأودية التي كانت تصب فيه اسمه (إذنه) فقالوا: أن الأودية كانت تأتي إلى سبأ من الشحْر وأودية اليمن.
وهذا السد حائط طوله من الشرق إلى الغرب ثمانمائة ذراع وارتفاعه بضع عشرة ذراعاً وعرضه مائة وخمسون ذراعاً.
وقد شاهده الحسن الهمداني، ووصفه في كتابه المسمى بالإكليل وهو من أهل أوائل القرن الرابع بما سمعت حاصله.
ووصفه الرحالة (أرنو) الفرنسي سنة ١٨٨٣ والرحالة (غلازر) الفرنسي.
ولا يعرف وقت انهدام هذا السد، ولا أسباب ذلك.