٤١_ ومن هنا فرضت مسألة جعلها المفسرون متعلقة بهاته الآية وإن كان تعلقها بها ضعيفاً _ وهي مسألة أخذ الأجرة على تعليم القرآنِ والدينِ، ويتفرع عنها أخذُ الأجرة على تعليم العلم وعلى بعض ما فيه عبادة كالأذان والإمامة. وحاصل القول فيها أن الجمهور من العلماء أجازوا أخذ الأجر على تعليم القرآن فضلاً عن الفقه والعلم؛ فقال بجواز ذلك الحسن وعطاء والشعبي وابن سيرين ومالك والشافعي وأحمد وأبو ثور والجمهور.
وحجتهم في ذلك الحديث الصحيح عن ابن عباس أن النبي"قال: =إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله+.
وعليه فلا محل لهاته الآية على هذا المعنى عندهم بحال؛ لأن المراد بالاشتراء فيها معناه المجازي وليس في التعليم استبدالٌ، ولا عدول، ولا إضاعة.
وقد نقل ابن رشد إجماع أهل المدينة على الجواز، ولعله يريد إجماع جمهور فقهائهم.
وفي المُدَوَّنة: لا بأس بالإجارة على تعليم القرآن، ومنع ذلك ابن شهاب من التابعين من فقهاء المدينة، وأبو حنيفة، وإسحاق بن راهويه.
وتمسكوا بالآية، وبأن التعليم لذلك طاعة وعبادة كالصلاة والصوم؛ فلا يؤخذ عليها أجر. ١/٤٦٦_٤٦٧
٤٢_ وهذه المسألة كانت قد حدثت بين ابن عرفة والدُّكَّالي وهي أنه ورد على تونس في حدود سنة سبعين وسبعمائة رجل زاهد من المغرب اسمه محمد الدكالي فكان لا يصلي مع الجماعة ولا يشهد الجمعة؛ معتلاً بأن أئمة تونس يأخذون الأجور على الإمامة، وذلك جرحة في فاعله؛ فأنكر عليه الشيخ ابن عرفة، وشاع أمره عند العامة، وحدث خلاف بين الناس؛ فخرج إلى المشرق فاراً بنفسه، وبلغ أنه ذهب لمصر؛ فكتب ابن عرفة إلى أهل مصر أبياتاً هي:
يا أهلَ مصرٍ ومَنْ في الدين شاركهم | تنبهوا لسؤالٍ معضلٍ نزلا |
لزومُ فسقكم أو فسقِ مَنْ زعمت | أقوالُه أنه بالحق قد عملا |
في تركه الجُمْعَ والجُمْعاتِ خَلْفَكُمُ | وشرطُ إيجابِ حكمِ الكلِّ قد حصلا |
إن كان شأنكم التقوى فغيركم | قد باء بالفسق حتى عنه ما عدلا |
من سبإ الحاضرين مأرب إذ | يبنون من دون سيله العرما |
فالمعنى: أعطيناهم أشجار خمط وأثل وسدر عوضاً عن جنتيهم، أي صارت بلادهم شَعْراء قاحلة ليس فيها إلا شجر العِضاة والبادية.
وفيما بين هذين الحالين أحوال عظيمة انتابتهم، فقاسوا العطش، وفقدان الثمار حتى اضطروا إلى مفارقة تلك الديار، فلما كانت هذه النهاية دالة على تلك الأحوال طوي ذكر ما قبلها، واقتصر على: [وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ] إلى آخره. ٢٢/١٦٩_١٧١
٩_ والخمط: شجر الأراك، ويطلق الخمط على الشيء المُرّ.
والأثل: شجر عظيم من شجر العضاه يشبه الطرفاء.
والسدر: شجر من العضاه _أيضاً_ له شوك يشبه شجر العناب، وكلها تنبت في الفيافي.
والسدر أكثرها ظلاً، وأنفعها؛ لأنه يغسل بورقه مع الماء، فينظف، وفيه رائحة حسنة؛ ولذلك وصف هنا بالقليل؛ لإفادة أن معظم شجرهم لا فائدة منه، وزيد تقليله قلة بذكر كلمة [شَيْءٍ] المؤذنة في ذاته بالقلة، يقال شيء من كذا، إذا كان قليلاً. ٢٢/١٧١_١٧٢
١٠_[فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩)].
الصفحة التالية