وإن يكن عكسه فالأمر منعكس قولوا بحق فإن الحق ما اعتزلا
فيقال إن أهل مصر أجابوه بأبيات منها:
ما كان من شيم الأبرار أن يسموا بالفسق شيخاً على الخيرات قد جُبلا
لا لا ولكن إذا ما أبصروا خللاً كسوه من حسن تأويلاتهم حُللا
أليس قد قال في المنهاج صاحبه يسوغ ذاك لمن قد يختشي زللا
ومنها:
وقد رويتَ عن ابن القاسم العُتَقَى فيما اختصرت كلاماً أوضح السبلا
ما إن ترد شهادة(١) لتاركها إن كان بالعلم والتقوى قد احتفلا
نعم وقد كان في الأعلين منزلةً من جانب الجمع والجمعات واعتزلا
كمالك غيرُ مُبْدٍ فيه معذرةً إلى الممات ولم يُسأل وما عُذلا
هذا وإن الذي أبداه متجهاً أخذ الأئمة أجراً مَنْعُهُ نقلا
وهبك أنك راءٍ حله نظرا فما اجتهادك أولى بالصواب ولا
هكذا نسبت هذه الأبيات في بعض كتب التراجم للمغاربة أنها وردت من أهل مصر، وقد قيل: إنها نظمها بعض أهل تونس؛ انتصاراً للدكالي ذكر ذلك الخفاجي في طراز المجالس، وقال: إن المجيب هو أبو الحسن علي السلمي التونسي، وذكر أن السراج البلقيني ذكر هاته الواقعة في فتاواه، وذكر أن والده أجاب في المسألة بأبيات لامية انظرها هناك. ١/٤٦٨_٤٦٩
٤٣_ والنسيان: ذهاب الأمر المعلوم من حافظة الإنسان؛ لضعف الذهن أو الغفلة، ويرادفه السهو.
وقيل: السهو: الغفلة اليسيرة بحيث يتنبه بأقل تنبيه، والنسيان: زواله بالكلية. ١/٤٧٥
(١) _ هكذا في الأصل، ولعل الصواب: =شهادات+ ليستقيم الوزن. (م)

والأظهر عندي أن يكون هذا القول قالوه جواباً عن مواعظ أنبيائهم والصالحين منهم حين ينهونهم عن الشرك، فهم يعظونهم بأن الله أنعم عليهم بتلك الرفاهية وهم يجيبون بهذا القول؛ إفحاماً لدعاة الخير منهم على نحو قول كفار قريش: [اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ] قبل هذا [فَأَعْرَضُوْا] فإن الإعراض يقتضي دعوة لشيء ويفيد هذا المعنى قوة [وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ] عقب حكاية قولهم؛ فإنه إما معطوف على جملة: [فَقَالُوا] أي فأعقبوا ذلك بكفران النعمة وبالإشراك؛ فإن ظلم النفس أطلق كثيراً على الإشراك في القرآن، وما الإشراك إلا أعظم كفران نعمة الخالق. ٢٢/١٧٦
١١_ وأشارت الآية إلى التفرق الشهير الذي أصيبت به قبيلة سبا؛ إذ حملهم خراب السد، وقحولة الأرض إلى مفارقة تلك الأوطان مفارقة وتفريقاً ضربت به العرب المثل في قولهم: ذهبوا، أو تفرقوا أيدي سبا، أو أيادي سبا، بتخفيف همزة سبا؛ لتخفيف المثل.
وفي لسان العرب في مادة (يدي) قال المعري: لم يهمزوا سبا؛ لأنهم جعلوه مع ما قبله بمنزلة الشيء الواحد.
هكذا، ولعله التباس أو تحريف، وإنما ذكر المعري عدم إظهار الفتحة على ياء (أيادي) أو (أيدي) كما هو مقتضى التعليل؛ لأن التعليل يقتضي التزام فتح همزة سبا كشأن المركب المزجي.
قال في لسان العرب: وبعضهم ينوِّنه إذا خففه، قال ذو الرمة:
فيا لك من دار تفرق أهلها أيادي سبا عنها وطال انتقالها
والأكثر عدم تنوينه قال كثير:
أيادي سبا يا عز ما كنتُ بعدكم فلم يحلُ بالعينين بعدكِ منظر
والأيادي والأيدي فيه جمع يد، واليد بمعنى الطريق.
والمعنى: أنهم ذهبوا في مذاهب شتى يسلكون منها إلى أقطار عدة كقوله _تعالى_: [كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً].
وقيل: الأيادي جمع يد بمعنى النعمة؛ لأن سبأ تَلِفت أموالهم.


الصفحة التالية
Icon