٤٤_ والصلاة أريد بها هنا معناها الشرعي في الإسلام، وهي مجموع محامد لله _تعالى_ قولاً، وعملاً، واعتقاداً؛ فلا جرم كانت الاستعانة المأمور بها هنا راجعة لأمرين: الصبر، والشكر، وقد قيل: إن الإيمان نصفه صبر، ونصفه شكر _كما في الإحياء_ وهو قول حسن، ومعظم الفضائل ملاكها الصبر؛ إذ الفضائل تنبعث عن مكارم الخلال، والمكارم راجعة إلى قوة الإرادة، وكبح زمام النفس عن الإسامة في شهواتها بإرجاع القوتين الشهوية، والغضبية عما لا يفيد كمالاً، أو عما يورث نقصاناً؛ فكان الصبر ملاك الفضائل؛ فما التحلم، والتكرم، والتعلم، والتقوى، والشجاعة، والعدل، والعمل في الأرض، ونحوها _ إلا من ضروب الصبر.
ومما يُؤثر عن علي÷: =الشجاعة صبر ساعة+. ١/٤٧٨
٤٥_ وأنت إذا تأملت وجدت أصل التدين، والإيمان من ضروب الصبر؛ فإن فيه مخالفة النفس هواها، ومألوفها في التصديق بما هو مغيب عن الحس الذي اعتادته، وبوجوب طاعتها واحداً من جنسها لا تراه يفوقها في الخلقة، وفي مخالفة عادة آبائها، وأقوامها من الديانات السابقة؛ فإذا صار الصبر خلقاً لصاحبه هَوَّنَ عليه مخالفة ذلك كله؛ لأجل الحق، والبرهان؛ فظهر وجه الأمر بالاستعانة على الإيمان، وما يتفرع عنه بالصبر؛ فإنه خلق يفتح أبوابَ النفوسِ لقبول ما أمروا به من ذلك. ١/٤٧٩
٤٦_ وأما الاستعانة بالصلاة فلأن الصلاة شكر، والشكر يذكِّر بالنعمة؛ فيبعث على امتثال المنعم، على أن في الصلاة صبراً من جهات في مخالفة حال المرء المعتادة، ولزومه حالة في وقت معين لا يسوغ له التخلف عنها، ولا الخروج منها، على أن في الصلاة سراً إلهياً لعله ناشئ عن تجلي الرضوان الرباني على المصلي؛ فلذلك نجد للصلاة سراً عظيماً في تجلية الأحزان، وكشف غم النفس، وقد ورد في الحديث أن النبي " كان إذا حزبه _بزاي وباء موحدة: أي نزل به_ أمر فزع إلى الصلاة.
وكانت سبأ قبيلة عظيمة تنقسم إلى عشر أفخاذ وهم: الأزد، وكندة، ومَذحِج، والأشعريون، وأنمار، وبَجيلة، وعاملة وهم خُزاعة، وغسان، ولخم، وجُذام.
فلما فارقوا مواطنهم فالستة الأولون تفرقوا في اليمن والأربعة الأخيرون خرجوا إلى جهات قاصية فلحقت الأزد بعمان، ولحقت خزاعة بتهامة في مكة، ولحقت الأوس والخزرج بيثرب، ولعلهم معدودون في لخم، ولحقت غسان ببُصرى، والغُوير من بلاد الشام، ولحقت لخم بالعراق. ٢٢/١٧٨_١٧٩
١٢_ والجمع بين [صَبَّارٍ] و[شَكُورٍ] في الوصف لإفادة أن واجب المؤمن التخلق بالخلقين وهما: الصبر على المكاره، والشكر على النعم، وهؤلاء المتحدث عنهم لم يشكروا النعمة فيطروها، ولم يصبروا على ما أصابهم من زوالها؛ فاضطربت نفوسهم، وعمهم الجزع؛ فخرجوا من ديارهم، وتفرقوا في الأرض، ولا تسأل عما لاقوه في ذلك من المتالف والمذلات.
فالصبّار يَعْتَبر من تلك الأحوال؛ فيعلم أن الصبر على المكاره خير من الجزع، ويرتكب أخف الضرين، ولا يستخفه الجزع، فيلقي بنفسه إلى الأخطار، ولا ينظر في العواقب.
والشكور يعتبر بما أعطي من النعم؛ فيزداد شكراً لله _تعالى_ ولا يَبْطُرُ النعمةَ، ولا يطغى، فيُعاقب بسلبها كما سلبت عنهم، ومن وراء ذلك أن يحرمهم الله التوفيق.
وأن يقذف بهم الخذلان في بنيات الطريق.
وفي الآية دلالة واضحة على أن تأمين الطريق وتيسير المواصلات وتقريب البلدان؛ لتيسير تبادل المنافع واجتلاب الأرزاق من هنا ومن هناك نعمة إلهية، ومقصد شرعي يحبه الله لمن يحب أن يرحمه من عباده كما قال _تعالى_: [وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً] وقال: [وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ] وقال :[وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ].


الصفحة التالية
Icon