وهذا أمر يجده من راقبه من المصلين، وقال _تعالى_: [إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ] لأنها تجمع ضروباً من العبادات.
وأما كون الشكر من حيث هو معيناً على الخير فهو من مقتضيات قوله _تعالى_: [لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ]. ١/٤٧٩
٤٧_ وقوله: [وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ] اختلف المفسرون في معاد ضمير [إِنَّهَا] فقيل: عائد إلى الصلاة والمعنى: أن الصلاة تصعب على النفوس؛ لأنها سجن للنفس، وقيل: الضمير للاستعانة بالصبر، والصلاة المأخوذة من استعينوا على حد [اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] وقيل: راجع إلى المأمورات المتقدمة من قوله _تعالى_: [اذْكُرُوا نِعْمَتِي] إلى قوله: [وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ].
وهذا الأخير مما جوزه صاحب الكشاف، ولعله من مبتكراته، وهذا أوضح الأقوال وأجمعها، والمحامل مرادة.
والمراد بالكبيرة هنا الصعبة التي تشق على النفوس، وإطلاق الكِبَر على الأمر الصعب، والشاق مجازٌ مشهور في كلام العرب؛ لأن المشقة من لوازم الأمر الكبير في حمله، أو تحصيله قال _تعالى_: [وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ] وقال: [وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ] الآية، وقال: [كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ]. ١/٤٧٩
٤٨_ [يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ]: أعيد خطاب بني إسرائيل بطريق النداء مماثلاً لما وقع في خطابهم الأول؛ لقصد التكرير للاهتمام بهذا الخطاب، وما يترتب عليه؛ فإن الخطاب الأول قُصِدَ منه تذكيرهم بنعم الله _تعالى_ ليكون ذلك التذكير داعية لامتثال ما يَرِدُ إليهم من الله من أمر، ونهي على لسان نبيه".
فلذلك قال هنا: [وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّاماً آمِنِينَ]. ٢٢/١٨٠_١٨١
١٣_ من أجل ذلك كله كان حقاً على ولاة أمور الأمة أن يسعوا جهدهم في تأمين البلاد وحراسة السبل وتيسير الأسفار وتقرير الأمن في سائر نواحي البلاد جليلها وصغيرها بمختلف الوسائل، وكان ذلك من أهم ما تنفق فيه أموال المسلمين، وما يَبْذِلُ فيه أهلُ الخير من الموسرين أموالَهم؛ عوناً على ذلك، وذلك من رحمة أهل الأرض المشمولة لقول النبي": =ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء+.
وكان حقاً على أهل العلم والدين أن يرشدوا الأئمة والأمة إلى طريق الخير، وأن ينبهوا على معالم ذلك الطريق ومسالكه بالتفصيل دون الإجمال؛ فقد افتقرت الأمة إلى العمل، وسئمت الأقوال. ٢٢/١٨١
١٤_ [قٌلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤)].
وهذا اللون من الكلام يسمى الكلام المنصف، وهو أن لا يترك المُجادلُ لخصمه موجبَ تَغَيُّظٍ واحتداد في الجدال، ويسمى في علم المناظرة إرخاء العنان للمناظِر ومع ذلك فقرينة إلزامهم الحجة قرينة واضحة.
ومن لطائفه هنا أن اشتمل على إيماء إلى ترجيح أحد الجانبين في أحد الاحتمالين بطريق مقابلة الجانبين في ترتيب الحالتين باللف والنشر المرتب وهو أصل اللفِّ.
فإنه ذكر ضمير جانب المتكلم وجماعته وجانب المخاطبين، ثم ذكر حال الهدى وحال الضلال على ترتيب ذكر الجانبين، فأومأ إلى أن الأولِين موجَّهون إلى الهدى والآخِرين موجهون إلى الضلال المبين، لا سيما بعد قرينة الاستفهام، وهذا _أيضاً_ من التعريض وهو أوقع من التصريح لا سيما في استنزال طائر الخصم.


الصفحة التالية
Icon