ولا شك أن المخلوقات تصنف أصنافاً متنوعة على حسب تصنيف المتكلم أو السامع، فالعالمون في مقام ذكر الخلق هم أصناف المخلوقات كالإنس، والدواب، والطير، والحوت، والعالمون في مقام ذكر فضائل الخلق، أو الأمم، أو القبائل يراد بها أصناف تلك المتحدث عنها؛ فلا جرم أن يكون المراد من العالمين هنا هم الأمم الإنسانية؛ فيعم جميع الأمم؛ لأنه جَمْعٌ مُعَرّفٌ باللام، ولكن عمومه هنا عرفي يختص بأمم زمانهم كما يختص نحو: جَمَعَ الأميرُ الصاغةَ بصاغة مكانه أي بلده، ويختص _أيضاً_ بالأمم المعروفة، كما يختص جمع الأمير الصاغة بالصاغة المتخذين الصياغة صناعة دون كل من يعرف الصياغة، وذلك كقولك هو أشهر العلماء، وأنجب التلامذة؛ فالآية تشير إلى تفضيل بني إسرائيل المخاطبين، أو سلفهم على أمم عصرهم، لا على بعض الجماعات الذين كانوا على دين كامل مثل نصارى نجران؛ فلا علاقة له بمسألة تفضيل الأنبياء على الملائكة بحال، ولا التفات إلى ما يشذ في كل أمة، أو قبيلة من الأفراد؛ فلا يلزم تفضيل كل فرد من بني إسرائيل على أفراد من الأمم بلغوا مرتبة صالحة، أو نبوءة؛ لأن التفضيل في مثل هذا يراد به تفضيل المجموع، كما تقول قريش أفضل من طيء، وإن كان في طيء حاتم الجواد.
١٧_ [ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩)].
وهذا تعليم للمسلمين بأن نعيم الآخرة لا ينافي نعيم الدنيا قال _تعالى_: [وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (٢٠١) أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا].
فأما نعيم الدنيا فهو مسبب عن أحوال دنيوية رتبها الله _تعالى_ ويسرها لمن يسرها في علمه بغيبه، وأما نعيم الآخرة فهو مسبب عن أعمال مبينة في الشريعة وكثير من الصالحين يحصل لهم النعيم في الدنيا مع العلم بأنهم منعَّمون في الآخرة كما أنعم على داود وسليمان، وعلى كثير من أصحاب محمد"وكثير من أئمة الدين مثل مالك بن أنس، والشافعي، والشيخ عبد الله بن أبي زيد، وسحنون.
فأما اختيار الله لنبيه محمد"حالة الزهادة في الدنيا فلتحصل له غاياتُ الكمال من التمحض لتلقي الوحي، وجميل الخصال، ومن مساواة جمهور أصحابه في أحوالهم، وقد بسطناه بياناً في رسالة طعام رسول الله _ عليه السلام _.
وأعقب ذلك بترغيب الأغنياء في الإنفاق في سبيل الله؛ فجعل الوعد بإخلاف ما ينفقه المرء كناية عن الترغيب في الإنفاق؛ لأن وعد الله بإخلافه مع تأكيد الوعد يقتضي أنه يحب ذلك من المنافقين. ٢٢/٢٢٠
١_ سميت (سورة فاطر) في كثير من المصاحف في المشرق والمغرب وفي كثير من التفاسير.
وسميت في صحيح البخاري وفي سنن الترمذي وفي كثير من المصاحف والتفاسير (سورة الملائكة) لا غير.
وقد ذكر لها كلا الاسمين صاحب الإتقان؛ فوجه تسميتها (سورة فاطر) أن هذا الوصف وقع في طالعة السورة، ولم يقع في أول سورة أخرى.
ووجه تسميته (سورة الملائكة) أنه ذكر في أولها صفة الملائكة، ولم يقع في سورة أخرى.


الصفحة التالية
Icon