فكذلك تفضيل بني إسرائيل على جميع أمم عصرهم، وفي تلك الأمم أمم عظيمة كالعرب، والفرس، والروم، والهند، والصين، وفيهم العلماء، والحكماء، ودعاة الإصلاح، والأنبياء؛ لأنه تفضيل المجموع على المجموع في جميع العصور، ومعنى هذا التفضيل أن الله قد جمع لهم من المحامد التي تتصف بها القبائل، والأمم ما لم يجمعه لغيرهم وهي: شرف النسب، وكمال الخلق، وسلامة العقيدة، وسعة الشريعة، والحرية، والشجاعة، وعناية الله _تعالى_ بهم في سائر أحوالهم، وقد أشارت إلى هذا آية [وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ] وهذه الأوصاف ثبتت لأسلافهم في وقت اجتماعها.
وقد شاع أن الفضائل تعود على الخلف بحسن السمعة، وإن كان المخاطبون يومئذ لم يكونوا بحال التفضيل على العالمين، ولكنهم ذكروا بما كانوا عليه؛ فإن فضائل الأمم لا يلاحظ فيها الأفراد ولا العصور، ووجه زيادة الوصف بقوله: [الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ] مرَّ في أختها الأولى. ١/٤٨٣_٤٨٤
٥٠_ والشفاعة: السعي والوساطة في حصول نفع، أو دفع ضر سواء كانت الوساطة بطلب من المنتفع بها، أم كانت بمجرد سعي المتوسط، ويقال لطالب الشفاعة: مستشفع.
وهي مشتقة من الشفع؛ لأن الطالب، أو التائب يأتي وحده، فإذا لم يجد قبولاً ذهب، فأتى بمن يتوسل به؛ فصار ذلك الثاني شافعاً للأول أي مصيّره شفعاً. ١/٤٨٦
وهي مكية بالاتفاق وحكى الآلوسي عن الطبرسي أن الحسن استثنى آيتين: آية: [إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ] الآيةَ، وآية: [ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا] الآيةَ، ولم أر هذا لغيره.
وهذه السورة هي الثالثة والأربعون في ترتيب نزول سور القرآن، نزلت بعد سورة الفرقان وقبل سورة مريم.
وقد عدت آيها في عد أهل المدينة والشام ستاً وأربعين، وفي عد أهل مكة والكوفة خمساً وأربعين. ٢٢/٢٤٧
٢_ أغراض هذه السورة: اشتملت هذه السورةُ على إثباتِ تَفَرُّدِ الله _تعالى_ بالإلهية؛ فافْتُتِحَتْ بما يدل على أنه مستحقُ الحمدِ على ما أبدع من الكائناتِ الدالِّ إبداعُها على تفرده _تعالى_ بالإلهية.
وعلى إثباتِ صِدْقِ الرسول"فيما جاء به وأنه جاء به الرسل من قبله، وإثباتِ البعث والدار الآخرة.
وتذكيرِ الناسِ بإنعام الله عليهم بنعمةِ الإيجادِ ونعمةِ الإمداد، وما يعبد المشركون من دونه لا يغنون عنهم شيئاً وقد عبدهم الذين من قبلهم فَلَمْ يغنوا عنهم.
وتثبيتِ النبي"على ما يلاقيه من قومه.
وكشفِ نواياهم في الإعراض عن اتباع الإسلام؛ لأنهم احتفظوا بعزتهم.
وإنذارِهم أن يَحُلَّ بهم ما حل بالأمم المكذبة قبلهم.
والثناءِ على الذين تلقوا الإسلام بالتصديق وبضد حال المكذبين.
وتذكيرِهم بأنهم كانوا يودون أن يرسل إليهم رسولٌ؛ فلما جاءهم رسول تكبروا واستنكفوا.
وأنهم لا مفر لهم من حلول العذاب عليهم؛ فقد شاهدوا آثار الأمم المكذبين من قبلهم، وأن لا يغتروا بإمهال الله إياهم؛ فإن الله لا يخلف وعده.
والتحذيرِ من غرورِ الشيطان، والتذكير، بعداوتِه لنوع الإنسان. ٢٢/٢٤٧_٢٤٨
٣_ وجملة: [يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ] مستأنفة استئنافاً بيانياً؛ لأن ما ذكر من صفات الملائكة يثير تعجب السامع أن يتساءل عن هذه الصفة العجيبة، فأجيب بهذا الاستئناف بأن مشيئة الله _تعالى_ لا تنحصر ولا تُوقَّت.