٥١_ واتفق المسلمون على ثبوت الشفاعة يوم القيامة للطائعين، والتائبين؛ لرفع الدرجات، ولم يختلف في ذلك الأشاعرة، والمعتزلة؛ فهذا اتفاق على تخصيص العموم ابتداء، والخلاف في الشفاعة لأهل الكبائر، فعندنا تقع الشفاعة لهم في حط السيئات وقت الحساب، أو بعد دخول جهنم، لما اشتهر من الأحاديث الصحيحة في ذلك كقوله": =لكل نبي دعوة مستجابة، وقد ادخرت دعوتي شفاعة لأمتي+ وغير ذلك.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني: إن الأحاديث في ذلك بلغت مبلغ التواتر المعنوي _كما أشار إليه القرطبي في نقل كلامه_.
وعند المعتزلة لا شفاعة لأهل الكبائر؛ لوجوه منها الآيات الدالة على عدم نفع الشفاعة كهاته الآية، وقوله: [فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ]، [مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ]، [مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ].
قالوا: والمعصية ظلم، ومنها قوله _تعالى_: [وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى] وصاحب الكبيرة ليس بمرتضى، ومنها قوله: [فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا].
والجواب عن الجميع أن محل ذلك كله في الكافرين جمعاً بين الأدلة، وأن قوله: [لِمَنْ ارْتَضَى] يدل على أن هنالك إذناً في الشفاعة كما قال: [إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ] وإلا لكان الإسلام مع ارتكاب بعض المعاصي مساوياً للكفر، وهذا لا ترضى به حكمة الله، وأما قوله: [فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا] فدعاء لا شفاعة.
والظاهر أن الذي دعا المعتزلة إلى إنكار الشفاعة منافاتها لخلود صاحب الكبيرة في العذاب الذي هو مذهب جمهورهم الذين فسروا قول واصل بن عطاء بالمنزلة بين المنزلتين بمعنى إعطاء العاصي حكم المسلم في الدنيا، وحكم الكافر في الآخرة، ولا شك أن الشفاعة تنافي هذا الأصل، فما تمسكوا به من الآيات إنما هو لقصد التأبيد، ومقابلة أدلة أهل السنة بأمثالها.
ولكل جنس من أجناس المخلوقات مقوماته وخواصه.
فالمراد بالخلق: المخلوقات كلها، أي يزيد الله في بعضها ما ليس في خلق آخر.
فيشمل زيادة قوة بعض الملائكة على بعض، وكل زيادة في شيء بين المخلوقات من المحاسن والفضائل من حصافة عقل وجمال صورة وشجاعة وذلقة لسان ولياقة كلام.
ويجوز أن تكون جملة: [يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ] صفة ثانية للملائكة، أي أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في خلقهم ما يشاء كأنه قيل: مثنى وثلاث ورباع وأكثر، فما في بعض الأحاديث من كثرة أجنحة جبريل يبين معنى: [يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ].
وعليه فالمراد بالخلق ما خُلق عليه الملائكة من أن لبعضهم أجنحة زائدة على ما لبعض آخر. ٢٢/٢٥١
٤_ [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ].
لما جرى ذكر رحمة الله التي تعم الناس كلهم أقبل على خطابهم بأن يتذكروا نعمة الله عليهم الخاصة، وهي النعمة التي تخص كل واحد بخاصته، فيأتلف منها مجموع الرحمة العامة للناس كلهم، وما هي إلا بعض رحمة الله بمخلوقاته.
والمقصود من تذكر النعمة شكرُها وقَدْرُها قَدْرَها.
ومن أكبر تلك النعم نعمة الرسالة المحمدية التي هي وسيلة فوز الناس الذين يتبعونها بالنعيم الأبدي.
فالمراد بالذكر هنا التذكر بالقلب وباللسان، فهو من عموم المشترك، أو من إرادة القدر المشترك؛ فإن الذكر باللسان والذكر بالقلب يستلزم أحدهما الآخر، وإلا لكان الأول هذياناً، والثاني كتماناً.
قال عمر بن الخطاب: =أفضل من ذكر الله باللسان ذكر الله عند أمره ونهيه+ أي وفي كليهما فضل. ٢٢/٢٥٣_٢٥٤
٥_[كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)].