ولا بد أن يكون ذلك لما رأى منهم من التنكر، أو لأن القبط لما أفرطوا في استخدام العبرانيين علم فرعون أنه إن اختلطت جيوشه في حرب لا يسلم من ثورة الإسرائيليين؛ فأمر باستئصالهم.
وأما ما يحكيه القصاصون أن فرعون أخبره كاهن أن ذهاب ملكه يكون على يد فتى من إسرائيل فلا أحسبه صحيحاً؛ إذ يبعد أن يروج مثل هذا على رئيس مملكة، فيفني به فريقاً من رعاياه، اللهم إلا أن يكون الكهنة قد أغروا فرعون باليهود؛ قصداً لتخليص المملكة من الغرباء، أو تفرسوا من بني إسرائيل سوء النوايا؛ فابتكروا ذلك الإنباء الكهنوتي؛ لإقناع فرعون بوجوب الحذر من الإسرائيليين.
ولعل ذبح الأبناء كان من فعل المصريين؛ استخفافاً باليهود، فكانوا يقتلون اليهودي في الخصام القليل كما أنبأت بذلك آية [فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِيْ مِنْ شِيْعَتِهِ عَلَى الَّذِيْ مِنْ عَدُوِّهِ].
والحاصل أن التاريخ يفيد _على الإجمال_ أن عداوة عظيمة نشأت بين القبط واليهود آلت إلى أن استأصل القبط الإسرائيليين.
ولقد أبدع القرآن في إجمالها؛ إذ كانت تفاصيل إجمالها كثيرة لا يتعلق غرض التذكير ببيانها. ١/٤٩٠_٤٩٢
٥٣ _ وقد اتفقت القراءات المتواترة العشر على قراءة [فَرَقْنا] بالتخفيفِ، والتخفيفُ منظور فيه إلى عظيم قدرة الله _تعالى_ فكان ذلك الفَرْقُ الشديد خفيفاً.
وتصغر في عين العظيم العظائم
و(ال) في (البحر) للعهد وهو البحر الذي عهدوه أعني بحر القلزم المسمى اليوم بالبحر الأحمر، وسمته التوراة بحر سوف. ١/٤٩٤
٥٤_ والصاعقة: نار كهربائية من السحاب تحرق من أصابته، وقد لا تظهر النار، ولكن يصل هواؤها إلى الأحياء؛ فيختنقون بسبب ما يخالط الهواء الذي يتنفسون فيه من الحوامض الناشئة عن شدة الكهربائية، وقد قيل: إن الذي أصابهم نار، وقيل سمعوا صعقة فماتوا. ١/٥٠٧
مقابلة الأقسام الثلاثة للذين أورثوا الكتاب بذكر الكافرين يزيدنا يقيناً بأن تلك الأقسام أقسام المؤمنين، ومقابلة جزاء الكافرين بنار جهنم يوضح أن الجنة دار للأقسام الثلاثة على تفاوت في الزمان والمكان. ٢٢/٣١٧
٨_ وجملة: [وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ] تذييل أو موعظة.
ويحيق: ينزل بشيء مكروه حاق به، أي نزل وأحاط إحاطة سوء، أي لا يقع أثره إلا على أهله.
وفيه حذف مضاف تقديره: ضَرُّ المكرِ السيِّئ أو سوء المكر السيء كما دل عليه فعل (يحيق) فإن كان التعريف في (المكر) للجنس كان المراد بـ(أهله) كل ماكر.
وهذا هو الأنسب بموقع الجملة، ومحملها على التذييل، ليعم كل مكر، وكل ماكر؛ فيدخل فيه الماكرون بالمسلمين من المشركين؛ فيكون القصر الذي في الجملة قصراً ادعائياً مبنياً على عدم الاعتداد بالضر القليل الذي يحيق بالممكور به بالنسبة لما أعده الله للماكر في قدره من ملاقاة جزائه على مكره؛ فيكون ذلك من النواميس التي قدَّرها القدَرُ لنظام هذا العالم؛ لأن أمثال هذه المعاملات الضارة تؤول إلى ارتفاع ثقة الناس بعضهم ببعض، والله بنى نظام هذا العالم على تعاون الناس بعضهم مع بعض؛ لأن الإنسان مدني بالطبع، فإذا لم يأمن أفراد الإنسان بعضهم بعضاً تنكر بعضهم لبعض، وتبادروا الإضرار والإهلاك؛ ليفوز كل واحد بكيد الآخر قبل أن يقع فيه؛ فيفضي ذلك إلى فساد كبير في العالم، والله لا يحب الفساد، ولا ضر عبيده إلا حيث تأذن شرائعه بشيء.
ولهذا قيل في المثل: =وما ظالم إلا سيبلى بظالم+ وقال الشاعر:
لكل(١) شيء آفة من جنسه... حتى الحديد سطا عليه المبرد
وكم في هذا العالم من نواميس مغفول عنها، وقد قال الله _تعالى_: [وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ].