٥٥_ والمنّ: مادة صمغية جوية ينزل على شجر البادية شبه الدقيق المبلول، فيه حلاوة إلى الحموضة، ولونه إلى الصفرة ويكثر بوادي تركستان وقد ينزل بقلة غيرها، ولم يكن يعرف قبل في برية سينا.
وقد وصفته التوراة(١) بأنه، دقيق مثل القشور يسقط ندىً كالجليد على الأرض، وهو مثل بزر الكزبرة أبيض، وطعمه كرقاق بعسل.
وسَمَّتْهُ بنو إسرائيل منَّاً، وقد أمروا أن لا يبقوا منه للصباح؛ لأنه يتولد فيه دود وأن يلتقطوه قبل أن تحمى الشمس؛ لأنها تذيبه، فكانوا إذا التقطوه طحنوه بالرحا، أو دقوه بالهاون، وطبخوه في القدور، وعملوه مِلاتَّ، وكان طعمه كطعم قطائف بزيت(٢) وأنهم أكلوه أربعين سنة حتى جاؤوا إلى طرف أرض كنعان يريد إلى حبرون. ١/٥٠٩
٥٦_ وأما السلوى: فهي اسم جنس جمعي واحدته سلواة، وقيل: لا واحد له، وقيل: واحده وجمعه سواء وهو طائر بري، لذيذ اللحم، سهل الصيد كانت تسوقه لهم ريح الجنوب كل مساء، فيمسكونه قبضاً ويسمى هذا الطائر _أيضاً_ السُّمَانى بضم السين وفتح الميم مخففة بعدها ألف فنون مقصور كحُبارى.
وهو _أيضاً_ اسم يقع للواحد والجمع، وقيل: هو الجمع، وأما المفرد فهو سماناة. ١/٥١٠
٥٧_ وقوله: [فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين] كونوا أمر تكوين، والقردة بكسر القاف وفتح الراء جمع قرد، وتكوينهم قردة يحتمل أن يكون بتصيير أجسامهم أجسامَ قردةٍ مع بقاء الإدراك الإنساني، وهذا قول جمهور العلماء والمفسرين.
ويحتمل أن يكون بتصيير عقولهم كعقول القردة مع بقاء الهيكل الإنساني وهذا قول مجاهد.
(٢) _ سفر العدد الإصحاح ١١.
وفي كتاب ابن المبارك في الزهد بسنده عن الزهري بلغنا أن رسول الله"قال: =لا تمكر، ولا تُعن ماكراً فإن الله يقول: [وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ]+. ومن كلام العرب: =من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً+.
ومن كلام عامة أهل تونس =يا حافر حفرة السوء ما تحفر إلا قياسك+.
وإذا كان تعريف (المكر) تعريف العهد كان المعنى: ولا يحيق هذا المكر إلا بأهله، أي الذين جاءهم النذير؛ فازدادوا نفوراً، فيكون موقع قوله: [وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ] موقع الوعيد بأن الله يدفع عن رسوله"مكرهم، ويحيق ضُرّ مكرِهم بهم بأن يسلط عليهم رسوله على غفلة منهم كما كان يوم بدر ويوم الفتح، فيكون على نحو قوله _تعالى_: [وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ] فالقصر حقيقي.
فكم انهالت من خلال هذه الآية من آداب عمرانية، ومعجزات قرآنية، ومعجزات نبوية خفية. ٢٢/٣٣٥_٣٣٦
٩_ واعلم أن قوله _تعالى_: [وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ] قد جعل في علم المعاني مثالاً للكلام الجاري على أسلوب المساواة دون إيجاز ولا إطناب.
وأول من رأيته مثل بهذه الآية للمساواة هو الخطيب القزويني في الإيضاح وفي تخليص المفتاح، وهو مما زاده على ما في المفتاح، ولم يمثل صاحب المفتاح للمساواة بشيء ولم أدر من أين أخذه القزويني؛ فإن الشيخ عبدالقاهر لم يذكر الإيجاز والإطناب في كتابه.
وإذ قد صرح صاحب المفتاح أن المساواة هي متعارف الأوساط وأنه لا يحمد في باب البلاغة ولا يذم _ فقد وجب القطع بأن المساواة لا تقع في الكلام البليغ، بَلْهَ المعجز.