وأما مريم أمه فهي مريم ابنة عمران بن ماثان من سبط يهوذا ولَدَتْ عيسى وهي ابنة ثلاث عشرة سنة؛ فتكون ولادتها في سنة ثلاث عشرة قبل ميلاد عيسى وتوفيت بعد أن شاخت، ولا تعرف سنة وفاتها، وكان أبوها مات قبل ولادتها، فكفلها زكرياء من بني أبيا وهو زوج اليصابات خالة مريم وكان كاهناً من أحبار اليهود. ١/٥٩٥
٦٤_ والروح: جوهر نوراني لطيف أي غير مدرك بالحواس؛ فيطلق على النفس الإنساني الذي به حياة الإنس.
ولا يطلق على ما به حياة العجماوات إلا لفظ نفس، قال _تعالى_: [وَيَسْأَلُوْنَكَ عَنِ الرُّوْحِ قُلِ الرُّوْحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّيْ].
ويطلق على قوة من لدن الله _تعالى_ يكون بها عمل عجيب ومنه قوله: [فَنَفَخْنَا فِيْهَا مِنْ رُوْحِنَا].
ويطلق على جبريل كما في قوله: [نَزَلَ بِهِ الرًّوْحُ الأَمِيْنُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُوْنَ مِنَ المُنْذَرِيْنَ] وهو المراد في قوله _تعالى_: [تَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوْحُ فِيْهَا]. ١/٥٩٥
٦٥_ و[قَلِيْلا] يجوز أن يكون باقياً على حقيقته مشاراً به إلى إيمانهم ببعض الكتاب أو إِلى إيمانهم ببعض ما يدعو له النبي"مما يوافق دينهم القديم كالتوحيد ونبوءة موسى، أو إلى إيمان أفراد منهم في بعض الأيام؛ فإن إيمان أفراد قليلة منهم يستلزم صدور إيمان من مجموع بني إسرائيل في أزمنة قليلة أو حصول إيمانات قليلة.
ويجوز أن يكون قليلٌ هنا مستعملاً في معنى العدم، فإن القلة تستعمل في العَدَم في كلام العرب، قال أبو كبير الهذلي(١):
قليلُ التشكي للمهمِّ يصيبه | كثيرُ الهوى شتى النوى والمسالك |
أشمُّ نديٌ كثيرُ النوادي | قليل المثالب والقادحات |
أنيخت فالقت بلدة فوق بلدة | قليل بها الأصوات إلا بغامها |
ومن عادة أصحاب الأوهام السخيفة، والعقول المأفونة أن يسندوا الأحداث إلى مقارنتها دون معرفة أسبابها ثم أن يتخيروا في تعيين مقارنات الشؤم أموراً لا تلائم شهواتهم وما ينفرون منه، وأن يعينوا من المقارنات للتيمن ما يرغبون فيه، وتقبله طباعهم يغالطون بذلك أنفسهم شأن أهل العقول الضعيفة؛ فمرجع العلل كلها لديهم إلى أحوال نفوسهم ورغائبهم كما حكى الله _تعالى_ عن قوم فرعون: [فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ] وحكى عن مشركي مكة: [وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ].
ويجوز أن يكونوا أرادوا بالشؤم أن دعوتهم أحدثت مشاجراتٍ واختلافاً بين أهل القرية فلما تمالأت نفوس أهل القرية على أن تعليل كلِّ حدثٍ مكروه يصيب أحدهم بأنه من جزاء(١) هؤلاء الرسل اتفقت كلمتهم على ذلك فقالوا: [إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ] أي يقولها الواحد منهم، أو الجمع، فيوافقهم على ذلك جميع أهل القرية.
ثم انتقلوا إلى المطالبة بالانتهاء عن هذه الدعوة فقالوا: [لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ] وبذلك ألجأوا (بوليس) و(برنابا) إلى الخروج من إنطاكية فخرجا إلى إيقونية، وظهرت كرامة (بولس) في أيقونية ثم في (لسترة) ثم في (دربة).
ولم يزل اليهود في كل مدينة من هذه المدن يشاقون الرسل، ويضطهدونهم، ويثيرون الناس عليهم، ويلحقونهم إلى كل بلد يحلون به؛ ليشعبوا عليهم، فمسهم من ذلك عذاب وضر، ورجم (بولس) في مدينة (لسترة) حتى حسبوا أن قد مات. ٢٢/٣٦٢_٣٦٣
٥_ [قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩)]