٦٩_ وسليمان هو النبي سليمان بن داود بن يسي من سبط يهوذا ولد سنة ١٠٣٢ (اثنتين وثلاثين وألف قبل المسيح) وتوفي في أورشليم سنة ٩٧٥ (خمس وسبعين وتسعمائة قبل المسيح) وولي ملك إسرائيل سنة ١٠١٤ (أربع عشرة وألف قبل المسيح) بعد وفاة أبيه داود النبي ملك إسرائيل، وعَظُمَ مُلْكُ بني إسرائيل في مدته وهو الذي أمر ببناء مسجد بيت المقدس، وكان نبياً حكيماً شاعراً، وجعل لمملكته أسطولاً بحرياً عظيماً كانت تمخر سفنه البحار إلى جهات قاصية مثل شرق إفريقيا. ١/٦٢٩_٦٣٠
٧٠_ والسحر من المعارف القديمة التي ظهرت في منبع المدنية الأولى أعني ببلاد المشرق؛ فإنه ظهر في بلاد الكلدان والبابليين وفي مصر في عصر واحد وذلك في القرن الأربعين قبل المسيح مما يدل على أنها كانت في تينك الأمتين من تعاليم قوم نشأوا قبلهما؛ فقد وُجِدَتْ آثارٌ مصريةٌ سحريةٌ في عصر العائلة الخامسة من الفراعنة والعائلة السادسة ٣٩٥١_٣٧٠٣ ق. م.
وللعرب في السحر خيالٌ واسعٌ وهو أنهم يزعمون أن السحر يقلب الأعيان، ويقلب القلوب، ويطوِّع المسحورَ للساحر؛ ولذلك كانوا يقولون: إن الغول ساحرة الجن ولذلك تتشكل للرائي بأشكال مختلفة.
وقالت قريش لما رأوا معجزات رسول الله: إنه ساحر، قال الله _تعالى_: [وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ] وقال الله _تعالى_: [وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ].
وفي حديث البخاري عن عمران بن حصين: أن القوم عطشوا في سفر مع رسول الله، فطلبوا الماء فوجدوا امرأة على بعير لها مزادتان من ماء، فأتيا بها رسول الله فسقى رسول الله جميع الجيش ثم رد إليها مزادتيها كاملتين، فقالت لقومها: =فوالله إنه لأسحر من بين هذه وهذه _تعني السماء والأرض_+ وفي الحديث: =إن من البيان لسحراً+.
فلك أن تجعل جملة: [وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ] عطفاً على جملة: [جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ] ولك أن تجعلها عطفاً على جملة: [فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ].
والمراد بالمدينة هنا نفس القرية المذكورة في قوله: [أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ] عبر عنها هنا بالمدينة؛ تفتناً، فيكون (أقصى) صفة لمحذوف هو المضاف في المعنى إلى المدينة.
والتقدير: من بعيد المدينة، أي طرف المدينة، وفائدة ذكر أنه جاء من أقصى المدينة الإشارة إلى أن الإيمان بالله ظهر في أهل ربض المدينة قبل ظهوره في قلب المدينة؛ لأن قلب المدينة هو مسكن حكامها وأحبار اليهود وهم أبعد من الإنصاف والنظر في صحة ما يدعوهم إليهم الرسل، وعامة سكانها تبع لعظمائها؛ لتعلقهم بهم، وخشيتهم بأسهم بخلاف سكان أطراف المدينة فهم أقرب إلى الاستقلال بالنظر وقلة اكتراث بالآخرين؛ لأن سكان الأطراف غالبهم عملة أنفسهم لقربهم من البدو.
وبهذا يظهر وجه تقديم: [مِنْ أَقْصَى المَدِيْنَةِ] على [رَجُلٌ] للاهتمام بالثناء على أهل أقصى المدينة.
وأنه قد يوجد الخير في الأطراف ما لا يوجد في الوسط، وأن الإيمان يسبق إليه الضعفاء؛ لأنهم لا يصدهم عن الحق ما فيه أهل السيادة من ترف وعظمة؛ إذ المعتاد أنهم يسكنون وسط المدينة، قال أبو تمام:

كانت هي الوسطَ المحميَّ فاتصلت بها الحوادث حتى أصبحت طرفا
وأما قوله _تعالى_ في سورة القصص: [وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى] فجاء النظم على الترتيب الأصلي؛ إذ لا داعي إلى التقديم؛ إذ كان ذلك الرجل ناصحاً ولم يكن داعياً للإيمان.
وعلى هذا فهذا الرجل غير مذكور في سفر أعمال الرسل، وهو مما امتاز القرآن بالإعلام به.
وعن ابن عباس وأصحابه وجد أن اسمه حبيب بن مرة، قيل: كان نجاراً، وقيل غير ذلك؛ فلما أشرف الرسل على المدينة رآهم ورأى معجزة لهم أو كرامة فآمن.


الصفحة التالية
Icon