ولم أر ما يدل على أن العرب كانوا يتعاطون السحر؛ فإن السحر مستمد من خصائص الأمور الطبيعية والتركيب، ولم يكن للعرب ضلاعة في الأمور اليدوية بل كانت ضلاعتهم فكرية محضة، وكان العرب يزعمون أن أعلم الناس بالسحر اليهود والصابئة وهم أهل بابل، ومساق الآية يدل على شهرة هؤلاء بالسحر عند العرب.
وقد اعتقد المسلمون أن اليهود في يثرب سحروهم، فلا يولد لهم، فلذلك استبشروا لما ولد عبد الله بن الزبير، وهو أول مولود للمهاجرين بالمدينة _كما في صحيح البخاري_.
ولذلك لم يكثر ذكر السحر بين العرب المسلمين إلا بعد أن هاجروا إلى المدينة؛ إذ قد كان فيها اليهود، وكانوا يوهمون بأنهم يسحرون الناس. ١/٦٣١_٦٣٢
٧١_ وأصول السحر ثلاثة: الأول: زجر النفوس بمقدمات توهيمية وإرهابية بما يعتاده الساحر من التأثير النفساني في نفسه، ومن الضعف في نفس المسحور، ومن سوابقَ شاهدَها المسحورُ واعتقدها، فإذا توجه إليه الساحر سخَّر له.
وإلى هذا الأصل الإشارة بقوله _تعالى_ في ذكر سحرة فرعون: [سَحَرُوْا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوْهُمْ].
الثاني: استخدام مؤثرات من خصائص الأجسام من الحيوان والمعدن، وهذا يرجع إلى خصائص طبيعية كخاصية الزئبق، ومن ذلك العقاقير المؤثرة في العقول صلاحاً أو فساداً، والمفترة للعزائم، والمخدرات والمرقدات على تفاوت تأثيرها وإلى هذا الإشارة بقوله _تعالى_ في سحرة فرعون: [إِنَّ مَاْ صَنَعُوْا كَيْدُ سَاْحِرٍ].
الثالث: الشعوذة واستخدام خفايا الحركة والسرعة والتموج حتى يخيل الجماد متحركا وإليه الإشارة بقوله _تعالى_: [يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى].
هذه أصول السحر بالاستقراء، وقد قسمها الفخر في التفسير إلى ثمانية أقسام لا تعدو هذه الأصول الثلاثة، وفي بعضها تداخل.
ولعلماء الإفرنج تقسيم آخر ليس فيه كبير جدوى. ١/٦٣٣
وقيل: كان مؤمناً من قبل، ولا يبعد أن يكون هذا الرجل الذي وصفه المفسرون بالنجار أنه هو (سمعان) الذي يدعى (بالنيجر) المذكور في الإصحاح الحادي عشر من سفر أعمال الرسل، وأن وصف النجار محرف عن (نيجر) فقد جاء في الأسماء التي جرت في كلام المفسرين عن ابن عباس اسم شمعون الصفا أو سمعان.
وليس هذا الاسم موجوداً في كتاب أعمال الرسل.
وَوَصْفُ الرجلِ بالسعي يفيد أنه جاء مسرعاً، وأنه بلغه همُّ أهل المدينة برجم الرسل أو تعذيبهم؛ فأراد أن ينصحهم؛ خشيةً عليهم وعلى الرسل.
وهذا ثناء على هذا الرجل يفيد أنه ممن يقتدى به في الإسراع إلى تغيير المنكر.
وجملة: [قَالَ يَا قَوْمِ] بدل اشتمال من جملة: [جَاءَ رَجُلٌ] لأن مجيئه لما كان لهذا الغرض كان مما اشتمل عليه المجيء المذكور.
وافتتاح خطابه إياهم بندائهم بوصف القومية له قصد منه أن في كلامه الإيماء إلى أن ما سيخاطبهم به هو محض نصيحة؛ لأنه يحب لقومه ما يحب لنفسه.
والاتِّبَاعُ: الامتثالُ، اسْتُعِيْرَ له الاتباعُ؛ تشبيهاً للآخذ برأي غيره بالمتبع له في سيره.
والتعريف في [الْمُرْسَلِينَ] للعهد. ٢٢/٣٦٥_٣٦٦
٧_ [ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧٠)].
وكيف يكون القرآن شعراً والشعر كلام موزون مقفّىً له معانٍ مناسبةٌ لأغراضه التي أكثرها هزل وفكاهة؟ فأين الوزن في القرآن، وأين التقفية، وأين المعاني التي ينتجها الشعراء، وأين نظم كلامهم من نظمه، وأساليبهم من أساليبه.
ومن العجيب في الوقاحة أن يصدر عن أهل اللسان والبلاغة قول مثل هذا ولا شبهة لهم فيه بحال، فما قولهم ذلك إلا بهتان.