٧٤_ وبابل بلد قديم من مدن العالم؛ وأصل الاسم باللغة الكلدانية باب إيلو أي باب الله، ويرادفه بالعبرانية باب إيل، وهو بلد كائن على ضفتي الفرات بحيث يخترقه الفرات يَقْرُبُ موضعُه من موقع بلد الحلة الآن على بعد أميال من ملتقى الفرات والدجلة.
كانت من أعظم مدن العالم القديم بناها أولاً أبناء نوح بعد الطوفان فيما يقال، ثم توالى عليها اعتناء أصحاب الحضارة بمواطن العراق في زمن الملك النمروذ في الجيل الثالث من أبناء نوح، ولكن ابتداء عظمة بابل كان في حدود سنة ٣٧٥٥ (ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وخمسين قبل المسيح) فكانت إحدى عواصم أربعة لمملكة الكلدانيين وهي أعظمها وأشهرها، ولم تزل همم ملوك الدولتين الكلدانية والأشورية منصرفةً إلى تعمير هذا البلد وتنميقه؛ فكان بلد العجائب من الأبنية والبساتين ومنبع المعارف الأسيوية، والعجائب السحرية، وقد نسبوا إليها قديماً الخمر المعتقة والسحر قال أبو الطيب:
سقى الله أيام الصبا ما يسرها | ويفعل فعل البابلي المعتق(١) |
وليس المراد أن الله لم يجعل في طبع النبي القدرة على نظم الشعر؛ لأن تلك المقدرة لا تسمى تعليماً حتى تنفى وإنما يستفاد هذا المعنى من قوله بعده: [وَمَا يَنْبَغِي لَهُ]. ٢٣/٥٧_٥٨
٨_ وقد اقتضت الآية نفي أن يكون القرآن شعراً، وهذا الاقتضاء قد أثار مطاعن للملحدين ومشاكل للمخلصين؛ إذ وجدت فقرات قرآنية استكملت ميزان بحور من البحور الشعرية، بعضها يلتئم منه بيت كامل، وبعضها يتقوم منه مصراع واحد، ولا تجد أكثر من ذلك فهذا يلزم منه وقوع الشعر في آي القرآن.
وقد أثار الملاحدة هذا المطعن؛ فلذلك تعرض أبو بكر الباقلاني إلى دحضه في كتابه إعجاز القرآن وتبعه السكاكي، وأبو بكر بن العربي، فأما الباقلاني فانفرد برد قال فيه: إن البيت المفرد لا يسمى شعراً، بَلْهَ المصراع الذي لا يكمل به بيت.
وأرى هذا غير كاف هنا؛ لأنه لا يستطاع نفي مسمى الشعر عن المصراع، وأولى عن البيت.
وقال السكاكي في آخر مبحث رد المطاعن عن القرآن من كتاب مفتاح العلوم: =إنهم يقولون أنتم في دعواكم أن القرآن كلام الله وقد علمه محمداً"على أحد أمرين: إما أن الله _تعالى_ جاهل لا يعلم ما الشعر، وإما أن الدعوى باطلة، وذلك أن في قرآنكم [وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ] وأنه يستدعي أن لا يكون فيما علمه شعر.
ثم إن في القرآن من جميع البحور شعراً: فمن الطويل من صحيحه: [فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ].
ومن مخرومه: [مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ].
ومن بحر المديد: [وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا].
ومن بحر الوافر: [وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ].
ومن بحر الكامل: [وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ].
ومن بحر الهجز من مخرومه: [تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا].