٧٥_ و[هاروت وماروت] بدل من [الملكين] وهما اسمان كلدانيان دخلهما تغيير التعريف؛ لإجرائهما على خفة الأوزان العربية، والظاهر أن هاروت معرب هاروكا، وهو اسم القمر عند الكلدانيين، وأن ماروت معرب ماروداخ وهو اسم المشتري عندهم، وكانوا يعدون الكواكب السيارة من المعبودات المقدسة التي هي دون الآلهة لا سيما القمر؛ فإنه أشد الكواكب تأثيراً عندهم في هذا العالم وهو رمز الأنثى، وكذلك المشتري؛ فهو أشرف الكواكب السبعة عندهم، ولعله كان رمز الذَّكَر عندهم كما كان بَعْلُ عند الكنعانيين الفنيقيين.
ومن المعلوم أن إسناد هذا التقديس للكواكب ناشئ عن اعتقادهم أنهم كانوا من الصالحين المقدَّسين، وأنهم بعد موتهم رُفِعُوا للسماء في صورة الكواكب، فيكون هاروكا و ماروداخ قد كانا من قدماء علمائهم وصالحيهم والحاكمين في البلاد، وهما اللذان وضعا السحر.
ولعل هذا وجه التعبير عنهما في القصة بالملكين بفتح اللام.
ولأهل القصص هنا قصة خرافية من موضوعات اليهود في خرافاتهم الحديثة اعتاد بعض المفسرين ذكرها منهم ابن عطية والبيضاوي، وأشار المحققون مثل البيضاوي، والفخر، وابن كثير، والقرطبي، وابن عرفة _ إلى كَذِبِها، وأنها من مرويات كعب الأحبار.
وقد وهم فيها بعض المتساهلين في الحديث فنسبوا روايتها عن النبي"أو عن بعض الصحابة بأسانيد واهية والعجب للإمام أحمد ابن حنبل × _تعالى_ كيف أخرجها مسندة للنبي"ولعلها مدسوسة على الإمام أحمد، أو أنه غَرَّه فيها ظاهر حال رواتها مع أن فيهم موسى بن جبير، وهو متكلم فيه، واعتذر عبدالحكيم، بأن الرواية صحيحة إلا أن المروي راجع إلى أخبار اليهود؛ فهو باطل في نفسه ورواته صادقون فيما رووا.
وهذا عذر قبيح لأن الرواية أسندت إلى النبي"قال ابن عرفة في تفسيره: وقد كان الشيوخ يخطئون ابن عطية في هذا الموضع لأجل ذكره القصة، ونقل بعضهم عن القرافي أن مالكاً×أنكر ذلك في حق هاروت وماروت. ١/٦٤٢_٦٤٣
ومن بحر الرجز: [دَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً].
ومن بحر الرمل: [وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ] ونظيره: [وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ].
ومن بحر المنسرح: [إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ].
ومن بحر الخفيف: [أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ] ومنه [لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً] ونحوه: [قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي].
ومن بحر المضارع من مخرومه: [يَوْمَ التَّنَادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ].
ومن بحر المقتضب: [فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ].
ومن بحر المتقارب: [وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ].
فيقال لهم من قبل النظر فيما أوردوه: هل حرفوا بزيادة أو نقصان حركة أو حرفاً أم لا؟
وقبل أن ننظر هل راعوا أحكام علم العروض في الأعاريض والضروب التي سبق ذكرها أم لا.
ومن قبل أن ننظر هل عملوا بالمنصور من المذهبين في معنى الشعر على نحو ما سبق أم لا _يعني المذهبين مذهب الذين قالوا لا يكون الشعر شعراً إلا إذا قصد قائله أن يكون موزوناً؟ ومذهب الذين قالوا: إن تعمد الوزن ليس بواجب، بل يكفي أن يُلْفَى موزوناً ولو بدون قصد قائله للوزن وقد نصر المذهب الأول_ يا سبحان الله قدروا جميع ذلك أشعاراً، أليس يصح بحكم التغليب أن لا يلتفت إلى ما أوردتموه لِقِلَّتِه، ويُجرى ذلك القرآن مجرى الخالي عن الشعر؛ فيقال بناء على مقتضى البلاغة: وما علمناه الشعر+. ا هـ كلامه.
وقد نحا به نحو أمرين:
أحدهما: أن ما وقع في القرآن من الكلام المتزن ليس بمقصود منه الوزن؛ فلا يكون شعراً على رأي الأكثر من اشتراط القصد إلى الوزن؛ لأن الله _تعالى_ لم يعبأ باتزانه.


الصفحة التالية
Icon