٧٦_ وتوفي إبراهيم سنة ١٧٧٣ (ثلاث وسبعين وسبعمائة وألف قبل ميلاد المسيح) وفي اسمه لغات للعرب: إحداها إبراهيم وهي المشهورة وقرأ بها الجمهور، والثانية إبراهام وقعت في قراءة هشام عن ابن عامر حيثما وقع اسم إبراهيم، الثالثة إبراهم وقعت في رجز لزيد بن عمرو بن نفيل:
عذت بما عاذ به إبراهِمْ | مستقبل الكعبة وهو قائم |
ولم يقرأ جمهور القراء العشرة إلا بالأولى وقرأ بعضهم بالثانية في ثلاثة وثلاثين موضعاً سيقع التنبيه عليها في مواضعها، ومع اختلاف هذه القراءات فهو لم يكتب في معظم المصاحف الأصلية إلا إبراهيم بإثبات الياء. ١/٧٠٢
٧٧_ والثمرات جمع ثمرة وهي ما تحمل به الشجرة، وتنتجه، مما فيه غذاء للإنسان أو فاكهة له، وكأن اسمه منتسب من اسم التمر بالمثناة؛ فإن أهل الحجاز يريدون بالثمر بالمثلثة التمر الرطب، وبالمثناة التمر اليابس.
وللثمرة جموع متعددة وهي ثَمَرٌ بالتحريك، وثمار، وثُمُرٌ، بضمتين، وأثمار، وأثامير، قالوا: ولا نظير له في ذلك إلا أَكَمَةٌ جُمعت على أَكَمٌ وإكام وأُكُم وآكام وأكاميم. ١/٧١٥
٧٨_ [وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ].
لما كان من شأن أهل الحق والحكمة أن يكونوا حريصين على صلاح أنفسهم وصلاح أمتهم _ كان من مكملات ذلك أن يحرصوا على دوام الحق في الناس متبعاً مشهوراً؛ فكان من سننهم التوصية لمن يظنونهم خلفاً عنهم في الناس بأن لا يحيدوا عن طريق الحق، ولا يفرِّطوا فيما حصل لهم منه؛ فإن حصوله بمجاهدة نفوس ومرور أزمان؛ فكان لذلك أمراً نفيساً يجدر أن يحتفظ به.
الثاني: إن سلمنا عدم اشتراط القصد فإنَّ نفي كونِ القرآن شعراً جرى على الغالب؛ فلا يعد قائله كاذباً ولا جاهلاً؛ فلا ينافي اليقين بأن القرآن من عند الله علمه محمداً".
ومال ابن العربي في أحكام القرآن إلى أن ما تكلفوه من استخراج فقرات من القرآن على موازين شعرية لا يستقيم إلا بأحد أمور مثل بتر الكلام أو زيادة ساكن أو نقص حرف أو حرفين، وذكر أمثلة لذلك في بعضها ما لا يتم له فراجعه.
ولا محيص من الاعتراف باشتمال القرآن على فقرات متزنة يلتئم منها بيت أو مصراع، فأما ما يَقِلُّ عن بيت فهو كالعدم؛ إذ لا يكون الشعر أقلَّ من بيت، ولا فائدة في الاستكثار من جلب ما يُلْفى متزناً؛ فإن وقوعَ ما يساوي بيتاً تاماً من بحر من بحور الشعر العربي ولو نادراً أو مزحّفاً أو مُعلاً كافٍ في بقاء الإشكال؛ فلا حاجة إلى ما سلك ابن العربي في رده ولا كفاية لما سلكه السكاكي في كتابه؛ لأن المردود عليهم في سعة من الأخذ بما يلائم نحلتهم من أضعف المذاهب في حقيقة الشعر وفي زحافه وعلله.
وبعد ذلك فإن الباقلاني والسكاكي لم يغوصا على اقتلاع ما يثيره الجواب الثاني في كلامهما بعدم القصد إلى الوزن من لزوم خفاء ذلك على علم الله _تعالى_ فلماذا لا تجعل في موضع تلك الفقرات المتزنة فقرات سليمة من الاتزان.
ولم أر لأحد من المفسرين والخائضين في وجوه إعجاز القرآن التصدي لاقتلاع هذه الشبهة، وقد مضت عليها من الزمان برهة، وكنت غير مقتنع بتلك الردود ولا أرضاها، وأراها غير بالغة من غاية خيل الحلبة منتهاها.
فالذي بدا لي أن نقول: إن القرآن نزل بأفصح لغات البشر التي تواضعوا واصطلحوا عليها، ولو أن كلاماً كان أفصح من كلام العرب أو أمة كانت أسلم طباعاً من الأمة العربية _ لاختارها الله لظهور أفضل الشرائع، وأشرف الرسل، وأعز الكتب الشرعية.