٨٥_ والقبلة: في أصل الصيغة اسم على زنة فِعْلَة بكسر الفاء وسكون العين، وهي زنة المصدر الدال على هيئة فعل الاستقبال أي التوجه اشتق على غير قياس بحذف السين والتاء ثم أطلقت على الشيء الذي يستقبله المستقبل مجازاً وهو المراد هنا؛ لأن الانصراف لا يكون عن الهيئة قال حسان في رثاء أبي بكر÷:
أَلَيْسَ أَوَّلَ من صلّى لقبلتكم
والأظهر عندي أن تكون القبلةُ اسمَ مفعولٍ على وزن فعل كالذِّبْح والطِّحْن وتأنيثه باعتبار الجهة كما قالوا: ما له في هذا الأمر قِبْلَة ولا دِبْرة أي وجهة.
وإضافة القبلة إلى ضمير المسلمين للدلالة على مزيد اختصاصها بهم؛ إذ لم يستقبلها غيرهم من الأمم؛ لأن المشركين لم يكونوا من المصلين وأهل الكتاب لم يكونوا يستقبلون في صلاتهم. ٢/٨
٨٦_ واعلم أن اليهود يستقبلون بيت المقدس، وليس هذا الاستقبال من أصل دينهم؛ لأن بيت المقدس إنما بُني بعد موسى _عليه السلام_ بناه سليمان _عليه السلام_ فلا تجد في أسفار التوراة الخمسة ذِكراً لاستقبال جهة معينة في عبادة الله _تعالى_ والصلاة والدعاء.
ولكن سليمان _عليه السلام_ هو الذي سنَّ استقبال بيت المقدس؛ ففي سفر الملوك الأول أن سليمان لما أتمَّ بناء بيت المقدس جمع شيوخ إسرائيل وجمهورهم، ووقف أمام المذبح في بيت المقدس، وبسط يديه ودعا الله دعاءً جاء فيه: =إذا انكسر شعب إسرائيل أمام العدو ثم رجعوا واعترفوا وصلوا نحو هذا البيت فأرجعهم إلى الأرض التي أعطيت لآبائهم، وإذا خرج الشعب لمحاربة العدو، وصلوا إلى الرب نحو المدينة التي اخترتها، والبيتِ الذي بنيته لاسمكَ فاسمع صلاتهم وتضرعهم+ الخ.
وذكر بعد ذلك أن الله تجلى لسليمان وقال له: =قد سمعت صلاتك وتضرعك الذي تضرعت به أمامي+.
ومن أجل ما للشعر من الفائدة والتأثير في شيوع دعوة الإسلام أن أمر النبي"حساناً وعبدالله بن رواحة بقوله، وأظهر استحسانه لكعب بن زهير حين أنشده القصيدة المشهور: بانت سعاد.
والقول في ما صدر النبي"من كلام موزون مثل قوله يوم أحد:
أنا النبي لا كذب... أنا ابن عبد المطلب
كالقول فيما وقع في القرآن من شبيه ذلك مما بيناه آنفاً.
وجملة: [إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ] استئناف بياني؛ لأن نفي الشعر عن القرآن يثير سؤال متطلب يقول: فما هو هذا الذي أوحي به إلى محمد"فكان قوله: [إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ] جواباً لطلبته. ٢٣/٥٨_٦٥
١_ اسمها المشهور المتفق عليه (الصافات) وبذلك سميت في كتب التفسير وكتب السنة وفي المصاحف كلها، ولم يثبت شيء عن النبي"في تسميتها، وقال في الإتقان: =رأيت في كلام الجعبري أن سورة (الصافات) تسمى (سورة الذبيح) وذلك يحتاج إلى مستند من الأثر+.
ووجه تسميتها باسم (الصافات) وقوع هذا اللفظ فيها بالمعنى الذي أريد به أنه وصف الملائكة وإن كان قد وقع في سورة (الملك) لكن بمعنى آخر إذ أريد هنالك صفة الطير، على أن الأشهر أن (سورة الملك) نزلت بعد (سورة الصافات).
وهي مكية بالاتفاق وهي السادسة والخمسون في تعداد نزول السور، نزلت بعد سورة الأنعام وقبل سورة لقمان.
وعُدَّت آيُها مائة واثنتين وثمانين عند أكثر أهل العدد، وعَدَّها البصريون مائة وإحدى وثمانين. ٢٣/٨١
٢_ أغراضها: إثباتُ وحدانيةِ الله _تعالى_ وسوقُ دلائلَ كثيرةٍ على ذلك دلت على انفراده بصنع المخلوقات العظيمة التي لا قَبِلَ لغيره بصنعها وهي العوالمُ السماويةُ بأجزائها وسكنها، ولا قَبِلَ لمن على الأرض أنْ يتطرقَ في ذلك.
وإثباتُ أن البعثَ يُعْقبه الحشرُ والجزاء.
ووصفُ حالِ المشركين يوم الجزاء، ووقوعُ بعضِهم في بعض.
ووصفُ حُسْنِ أحوال المؤمنين ونعيمهم.


الصفحة التالية
Icon