ويقال: أوسط القبيلة لصميمها.
وأما إطلاق الوسط على الصفة الواقعة عدلاً بين خُلُقين ذميمين فيهما إفراط وتفريط كالشجاعة بين الجبن والتهور، والكرم بين الشح والسرف، والعدالة بين الرحمة والقساوة _ فذلك مجاز بتشبيه الشيء الموهوم بالشيء المحسوس؛ فلذلك روي حديث =خير الأمور أوسطها+ وسنده ضعيف.
وقد شاع هذان الإطلاقان حتى صارا حقيقتين عرفيتين.
فالوسط في هذه الآية فُسِّر بالخيار لقوله _تعالى_: [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ].
وفُسِّر بالعدل، والتفسير الثاني رواه الترمذي في سننه عن حديث أبي سعيد الخدري عن النبي"وقال: =حسن صحيح+.
والجمع في التفسيرين هو الوجه _كما قدمناه في المقدمة التاسعة_. ٢/١٧_١٨
٩٠_ وقوله: [لتكونوا شهدآء] علة لجعلهم وسطاً؛ فإن أفعال الله _تعالى_ كلها منوطة بحِكَمٍ وغايات لعلمه _تعالى_ وحكمته، وذلك عن إرادة واختيار لا كصدور المعلول عن العلة _كما يقول بعض الفلاسفة_ ولا بوجوب وإلجاء كما توهمه عبارات المعتزلة وإن كان مرادهم منها خيراً فإنهم أرادوا أن ذلك واجب لذاته _تعالى_ لكمال حكمته. ٢/٢٠
٩١_ ومن مكملات معنى الشهادة على الناس في الدنيا وجوب دعوتنا الأمم للإسلام؛ ليقوم ذلك مقام دعوة الرسول إياهم حتى تتم الشهادة للمؤمنين منهم على المعرضين. ٢/٢١
٩٢_ والأهواء: جمع هَوىً وهو الحُب البليغ بحيث يقتضي طلبَ حصول الشيء المحبوب ولو بحصول ضر لمحصِّله؛ فلذلك غلب إطلاق الهوى على حُبٍّ لا يقتضيه الرشد ولا العقل، ومن ثَمَّ أُطلق على العشق، وشاع إطلاق الهوى في القرآن على عقيدة الضلال، ومن ثم سَمَّى علماءُ الإسلام أهلَ العقائد المنحرفة بأهل الأهواء. ٢/٣٧
٩٣_ [وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ].
هذا وفي الافتتاح بالقسم تشويقٌ إلى معرفة المُقْسَمِ عليه؛ لِيُقْبِلَ عليه السامعُ بشراشره.(١)
فقد استكملت فاتحةُ السورةِ أحسنَ وجوه البيان وأكملها. ٢٣/٨١_٨٣
٣_ وعن ابن سيده: بلغنا أنه لما نزلت: [إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الأَثِيمِ] أي في سورة الدخان لم يعرفها قريش.
فقال أبو جهل: يا جارية هاتي لنا تمراً وزبداً نزدقمه، فجعلوا يأكلون ويقولون: أفبهذا يخوفنا محمد في الآخرة؟ ا هـ.
والمناسب أن يكون قولهم هذا عندما سمعوا آية سورة الواقعة لا آية سورة الدخان وقد جاءت فيها نكرة.
وإما أن يكون اسماً لشجر معروف هو مذموم، قيل: هو شجر من أخبث الشجر يكون بتهامة وبالبلاد المجدبة المجاورة للصحراء كريهة الرائحة صغيرة الورق مسمومة ذات لبن إذا أصاب جلد الإنسان تورم ومات منه في الغالب، قاله قطرب وأبو حنيفة. ٢٣/١٢٢
٤_ [فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ (١٠٢)].
والحليم: الموصوف بالحلم وهو اسم يجمع أصالة الرأي، ومكارم الأخلاق، والرحمة بالمخلوق.
قيل: ما نعت الله الأنبياء بأقل مما نعتهم بالحلم.
وهذا الغلام الذي بشر به إبراهيم هو إسماعيل ابنه البكر، وهذا غير الغلام الذي بشره به الملائكة الذين أرسلوا إلى قوم لوط في قوله _تعالى_: [قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ] فذلك وُصف بأنه (عليم) وهذا وصف بـ(حليم).